«بيربري» تستفرد بالساحة لتقدم عرضها لخريف 2022

أخذ المعطف تصاميم جديدة منها تحوله إلى فساتين للنهار والمساء على حدٍ سواء
أخذ المعطف تصاميم جديدة منها تحوله إلى فساتين للنهار والمساء على حدٍ سواء
TT

«بيربري» تستفرد بالساحة لتقدم عرضها لخريف 2022

أخذ المعطف تصاميم جديدة منها تحوله إلى فساتين للنهار والمساء على حدٍ سواء
أخذ المعطف تصاميم جديدة منها تحوله إلى فساتين للنهار والمساء على حدٍ سواء

بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على انتهاء أسبوع لندن للموضة وأيام معدودات على انتهاء دورة الموضة العالمية في باريس، قدمت الدار البريطانية «بيربري» تشكيلتها لخريف 2022 في لندن، لكن مُنفردة ومستفردة بالساحة.
يوم الجمعة الماضي وفي قاعة تاريخية بقلب منطقة ويستمنستر، المركز السياسي والسياحي للعاصمة البريطانية، حيث لا تبعد على 10 داونينغ ستريت سوى بثلاث دقائق على الأقدام، كان الموعد بعد غياب عامين.
كانت ساعة «بيغ بين» تشير إلى الـ12:30 عندما بدأ الحضور بالوصول، إذ كان من المفترض أن يبدأ العرض على الساعة الواحدة تماماً، لكنه تأخر بنحو ساعة أو أكثر.

لحسن الحظ أن المشروبات والسندويتشات التي كانت تدور بين الحضور، بالإضافة إلى متابعة عرض الأزياء الذي كان نجوم وسفراء الدار وبعض المؤثرين يقدمونه وهم يختالون في قطع من التشكيلة، أنقذت الموقف وشغلت الضيوف، الذين لم تبدُ عليهم أي ملامح تذمر أو تعب.
والسبب أنه، إلى جانب كل ما تم ذكره سابقاً، كان الكل مشتاقاً للقاء كما لم تكن لهم ارتباطات بعرض آخر. فها هي كارلا بروني تعانق بحرارة العارضة ناعومي كامبل ووالدتها، والممثل آدم درايفر يُدردش بأريحية مع كل من توجه له بأسئلة وأنا وينتور تتجاذب أطراف الحديث مع بعض المقربين منها وغيرهم.
بعد مرور أكثر من ساعة، فُتحت أبواب قاعة مجاورة. وفي ظُلمة كالحة لم تُضئها سوى الهواتف المحمولة، تم رؤية 5 طاولات مستديرة وُضعت فوقها أطباق ومناديل وأدوات أخرى. بيد أن غياب الكراسي كان واضحاً، وكأن الدار تريد أن تقول إن عرضها يستحق أن نقف له إجلالاً. مما عزز هذا الإحساس الموسيقى الدرامية التي عزفتها أوركسترا معاصرة احتلت الطابق العلوي بالكامل وأتحفتنا بمعزوفات لمايكل نيمان وماكس ريشتر. في هذه الظلمة الكالحة والموسيقى الحية والحضور المنتشر حول هذه الطاولات بديمقراطية لا تعترف بالمكانات أو المراكز أو الشهرة، ظهرت أولى الإطلالات وكانت من نصيب الرجل.
فقد قرر مصمم الدار ريكاردو تيشي أن يستهل عرضه بتشكيلة رجالية قدم فيها كل ما يحتاجه الرجل من أزياء بغض النظر عن المناسبة أو المكان أو السن. كانت غنية بالقطع «السبور» بقدر ما كانت غنية بقطع مفصلة أضفت عليها التفاصيل المبتكرة بُعداً فنياً.
بعد دقائق، تغيرت النغمات وتناهى إلى الآذان صوت كورال يصاحب الموسيقى. كان هذا إيذاناً ببدء عرض نسائي لا يقل تنوعاً وجمالاً. أرسل فيه ريكاردو تيشي أيضاً كل ما تحتاجه المرأة، بما في ذلك ملابس السهرة والمساء، التي لم تكن من أولويات الدار في السابق، لكن يبدو أنها تتسابق لدخول مناسبات الأوسكار والأفراح بفخامتها وبريقها.

نقشات الترتان والمعطف الـ«ترانش» كانا الورقة التي لعب عليها المصمم وأبدع فيها

ورغم التنوع الشديد الذي تميزت به التشكيلة، حافظت على تناغمها بفضل اعتماد المصمم على إرث الدار الذي يتمثل في نقشات الكاروهات من جهة، وفي معطف «الترانش»، الذي يلتصق باسم الدار منذ أكثر من قرن من جهة ثانية. في بعض الإطلالات، لم تتغير أساسيات المعطف الممطر باستثناء خامات وإضافات مبتكرة كانت ضرورية لمواكبة تطورات العصر، لكن في الكثير من الإطلالات، اكتسب التصميم أشكالاً جديدة من بينها خروجه من فكرة الوقاية من المطر وقسوة الطقس، وتحوله إلى فساتين مثيرة للنهار أو المساء على حد سواء.
وربما سيبقى المعطف المبطن الذي يشع ببريق سخي، والذي ظهرت به العارضة جيجي حديد عالقاً بالأذهان لفترة أطول. في كل الحالات كان العرض بمثابة تذكير لتاريخ الدار الغني وروحها البريطانية التي تُتقن، بل وتستمتع بحقن كل ما هو كلاسيكي ومتوارث، بجرعة مُبطنة من الحيوية إن لم نقل الغرابة.
أما من الناحية التجارية فقد يكون المعطف «الترانش»، إلى جانب الكاروهات، هما الورقة الرابحة التي لعب عليها المصمم بذكاء. فالموضة اليوم تعتمد على «اللوغو»، الذي يشير إلى إرثها واسمها لجذب الشباب وعشاق الموضة. بيد أنه لم يكتف بهذه الورقة.

استهلت دار «بيربري» عرضها بمجموعة رجالية متكاملة

كان واضحاً من الطبق الدسم والمتنوع الذي قدمه، أنه يأمل أن تكون 2022 عاماً يُعوض ليس عن غياب عامين فحسب، بل أيضاً عن أي خسارات أو تراجعات تسببت فيها الجائحة وغيرها، وهذا لا يتأتى سوى بالاستحواذ على قلوب عشاق كل ما هو بريطاني إضافة إلى استقطاب الجيل الصاعد على وجه الخصوص بالأزياء السبور واللمسات المبتكرة وطبعاً الإكسسوارات.
من هذا المنظور شمل تنوع التشكيلة أيضاً استعمال خامات كثيرة وكل ألوان الطيف تقريباً. فبينما تميزت بعض التصاميم بألوان أحادية، جاءت أخرى مطرزة أو بألوان متداخلة في بليسيهات تزينهاً نقشات التارتان. الإيحاءات أيضاً غلبت عليها أساليب مختلفة، بدءاً من البانك والهيب هوب إلى التفصيل البريطاني الأصيل مع لمسات إيطالية ساحرة.
بعد انتهاء العرض، خرج الحضور لمواجهة الأمطار المتساقطة والهواء البارد وأغلبهم يلتفح بمعاطف من تشكيلات سابقة للدار. كانت الطاقة الإيجابية التي فاحت من كل جوانب العرض وتفاصيله وتغلغلت في الحواس كافية لمنحه دفئاً لذيذاً وتجعله يُجمع أن كل ما ينتظرنا في خريف 2022 هو أجمل مضاد حيوي لسنوات «كوفيد - 19».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».