مفاوضات ليبية بين حكومتي «الوحدة» و«الاستقرار»

تحظى برعاية أميركية وأممية... والدبيبة وباشاغا ينفيان

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة في جولة تفقدية بالعاصمة طرابلس (الحكومة)
عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة في جولة تفقدية بالعاصمة طرابلس (الحكومة)
TT

مفاوضات ليبية بين حكومتي «الوحدة» و«الاستقرار»

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة في جولة تفقدية بالعاصمة طرابلس (الحكومة)
عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة في جولة تفقدية بالعاصمة طرابلس (الحكومة)

أبقى السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، على فرص نجاح وساطته بين فتحي باشاغا رئيس الوزراء المكلف من مجلس النواب، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المؤقتة، للتوصل إلى اتفاق سلمي لإنهاء النزاع بينهما على السلطة في البلاد.
وكشف نورلاند النقاب عن اجتماعه مساء أول من أمس في تونس مع باشاغا، حيث أشاد بالاهتمام الذي أبداه للانخراط في مفاوضات عاجلة تيسرها الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى تفاهم سياسي مع الدبيبة حول كيفية إدارة المراحل النهائية من فترة الحكم المؤقت هذه والاستعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب وقت ممكن.
وحسب بيان للسفارة الأميركية، نقل نورلاند لباشاغا «أنّ الدبيبة مستعد للمشاركة في هذه المحادثات»، التي أوضح أنه سيتم تحديد شكلها ومكانها من الأطراف نفسها بالتشاور مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين.
وأكد البيان أن موقف الولايات المتحدة يظل واضحاً، مضيفاً: «نحن نحترم حق الليبيين في تقرير مستقبلهم بأنفسهم».
وحث طرفي النزاع على القيام بذلك بالطرق السلمية فقط دون اللجوء إلى العنف؛ معرباً عن اعتقاده بأنّ الانتخابات الحرة والنزيهة والشاملة هي الصيغة الوحيدة للاستقرار الدائم.
ورأى أن «مناصرة طرف ضدّ آخر في الوضع الحالي، ليس خياراً مطروحاً»، وقال إن الموقف الوحيد الذي يمكن اختياره بشكل مبرّر هو المفاوضات السلمية.
بدورها، دافعت حكومة باشاغا عن شرعيتها، وأكدت في بيان لها مساء أول من أمس أنها مكلفة بتسلم مهامها بقوة القانون بعدما نالت الثقة من مجلس النواب بوصفه الجهة الشرعية الممثلة لكل ليبيا، والمعترف بها وفقاً للعملية السياسية السائدة.
وقالت إنها «لا تملك التفاوض حول هذه القضية السيادية التي تخص مجلس النواب وبالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة»، مشيرة إلى أنها تتعامل مع أي مساعٍ دولية أو محلية من منطلق ضرورة احترامها السيادة الليبية وما يصدر عنها من قرارات، وأن هذه المساعي من الدول الصديقة مرحَّب بها في إطار تسليم سلس للسلطة من حكومة الوحدة، التي وصفتها بـ«منتهية الولاية».
وشددت على أنه «لا سبيل لحل جذري للأزمة الليبية إلا بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بآليات وآجال واضحة ومحددة وقاعدة دستورية متوافق عليها».
وكان باشاغا قد أبلغ مجلة «نيوزويك» الأميركية، بأن حكومته «جاءت كنتيجة مباشرة لفشل الحكومة السابقة في إجراء انتخابات شفافة»، وأكد التزامه بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في الإطار الزمني المتفق عليه بين مجلسي النواب والدولة، كما تعهد أيضاً بعدم الترشح لضمان شفافية الانتخابات وحيادها.
وأكد أن حكومته «لن تشارك في أي أعمال عنف»، وأضاف: «لقد ثبت أن الحلول في ليبيا تأتي من خلال الاتفاقات السياسية والحوار». وقال: «أؤكد لكل الليبيين أن الحكومة ستتولى مهامها في العاصمة طرابلس بطريقة سلمية وآمنة».
وأوضح أنه يرى «عدة عوامل» تسهم في عدم قدرة ليبيا على التعافي من الأزمة منذ الإطاحة بالقذافي الأكبر، «وأهمها افتقار ليبيا إلى البنية التحتية في بعض القطاعات»، لافتاً إلى أن «هذا جعل فترة التعافي بعد سقوط نظام القذافي أطول بكثير من فترة تونس ومصر على سبيل المثال بالإضافة إلى التدخل الأجنبي السلبي في بعض الأحيان».
وأضاف: «نحن ملتزمون بدفع ليبيا إلى الأمام، من خلال إعادة بناء البنى التحتية الداخلية والتحالفات المهمة مع شركائنا الدوليين الذين يمكنهم دعم هذه الرحلة المهمة».
كما أعرب عن تطلعه إلى تنمية العلاقات مع الغرب، واستعادة مكانة بلاده كلاعب في مجال النفط والغاز، والعمل مع جميع الدول التي لا تتدخل في الشؤون الداخلية لليبيا.
في المقابل، نفي الدبيبة تقارير عن احتمال اجتماعه في تركيا بغريمه باشاغا، وقال في بيان مقتضب عبر موقع «تويتر» مساء أول من أمس: «يحاول البعض التشويش وبث أخبار مزيفة، لا همّ لي اليوم إلا العمل الجاد للانتخابات والتي بها تنتهي كل الأجسام الموجودة، وعلى رأسها حكومة الوحدة»، ورأى أن «أي حل غير ذلك هو تمديد للأزمة ولن يقبله الشعب الليبي».
وكان الدبيبة قد انتقد سوء الأوضاع في حديقة الحيوانات بالعاصمة طرابلس، بعدما تفقدها مساء أول من أمس للوقوف على احتياجاتها لإعادة فتحها بعد إغلاق دام لسنوات، كما افتتح ميداناً، ضمن خطة «عودة الحياة»، للقضاء على الاختناقات المرورية وسط المدينة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر بحكومة الوحدة نفيها الدخول في أي مفاوضات، مشيراً إلى أنها تركز على تحقيق الانتخابات، بوصفها الحكومة الشرعية في ليبيا.
وبينما ادّعت قناة «المسار» التلفزيونية المحلية أن نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية بحكومة الدبيبة، أبلغتها هاتفياً بأنها لن تستقيل من منصبها، نفت المنقوش هذا التصريح، وقالت رداً على ما نُسب إليها من أنها ليست ضمن حصة برقة أو بنغازي، إن إخلاصها وولاءها لليبيا وانتماءها لمدينتها بنغازي غير قابل للنقاش أو التفاوض.
ورغم أن المنقوش أكدت في بيان مقتضب عبر «تويتر» مساء أول من أمس، أن ما نُسب إليها عبر بعض وسائل الإعلام كاذب ومزوَّر ولا أساس له من الصحة وغرضه الفتنة والتشهير والطعن، عرضت القناة لاحقاً صورة لمحادثتها الخاصة مع المنقوش.
وأكدت المنقوش لدى مشاركتها، أمس، في مفاوضات السلام التشادية التي عُقدت في العاصمة القطرية الدوحة «أن عدم الاستقرار والانفلات الأمني في الجنوب الليبي والشمال التشادي أسهما في انتشار الكثير من الظواهر الهدامة في تلك المنطقة، وأصبحت ملاذاً لمهربي البشر وتجار المخدرات والسلاح والإرهاب».
وقالت في كلمة إن «حكومة الوحدة ستدعم ما ينبثق عن هذا الاجتماع من اتفاقات، والدفع بعودة الفصائل الموجودة على الأراضي الليبية إلى بلادها، وحظر استخدامها لأراضينا كقاعدة تنطلق منها لزعزعة استقرار وأمن تشاد».
إلى ذلك، أعلن فاخر بوفرنة، وزير التخطيط، ومنصف الشلوي وكيل وزارة الصناعة بحكومة الدبيبة، استقالتهما من منصبيهما.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».