«الأورمان للزهور»... بهجة تتحدى الجائحة وأخبار الحرب

إقبال استثنائي للمصريين على الدورة الـ89 من المعرض

تشكيلات مدهشة من الألوان (الشرق الأوسط)
تشكيلات مدهشة من الألوان (الشرق الأوسط)
TT

«الأورمان للزهور»... بهجة تتحدى الجائحة وأخبار الحرب

تشكيلات مدهشة من الألوان (الشرق الأوسط)
تشكيلات مدهشة من الألوان (الشرق الأوسط)

«لا مكان لقدم»... هكذا صاحت فاتن سعيد المُر، لدى عبورها بوابة الدخول الرئيسية لحديقة الأورمان بحي الدقي بمحافظة الجيزة، (غرب القاهرة)، وهي تطالع الحشود الجماهيرية التي تتدفق إلى المكان لزيارة «معرض الأورمان للزهور» في دورته التاسعة والثمانين، التي تنظمها وزارة الزراعة المصرية، كحدث عنوانه «البهجة» ارتبط به سكان العاصمة المصرية منذ عقود.
وتنتظر فاتن هذا المعرض سنوياً بعد معرض القاهرة للكتاب، وبحسب تعبيرها فإن «الأخير يمدها بغذاء العقل، أما الأول فيمدها بغذاء الروح ويمنحها طاقة إيجابية، وتعتبره البشارة الحقيقية لقرب قدوم فصل الربيع».
وتضيف فاتن، وهي مديرة لإحدى دور الحضانة، أنها عاشقة لنباتات الظل وتقتني الكثير منها في البيت، وتعتبر المعرض فرصة ذهبية لتجديد ما لديها، مشيرة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنها تدخر الزهور بألوانها الأخاذة بشرفة بيتها، حيث تتطلب النباتات المزهرة ضوء الشمس المباشر. وتشدد على أن «أعصاب الناس أصبحت مرهقة بسبب وباء كورونا والتسمر أمام الشاشات لمتابعة أخبار الأزمة الأوكرانية، ويأتي المعرض فرصة لاستعادة العلاقة مع الطبيعة بعيداً عن التوتر والقلق».
وعلى مساحة 31 ألف متر مربع، يتنافس 242 عارضاً لإبهار الزائر بما لديه من نباتات زينة داخلية وخارجية، فضلاً عن المسطحات الخضراء، ونبات الصبار بأنواعه المختلفة.
وجاء حضور الشباب، لا سيما الفتيات صغيرات السن، طاغياً، وإن كان من الملاحظ أن معظمهم جاءوا كنزهة والتقاط صور السيلفي، مستغلين الخلفية الجمالية لروائع الورد والنباتات، فضلاً عن نوافير المياه التي تعرضها بشكل جذاب إحدى شركات اللاند سكيب، بينما بدت الفئات العمرية الأكبر سناً مشغولة أكثر بقرارات الشراء.
وبدا واضحاً أن نباتات الظل تستأثر بالنصيب الأكبر من اهتمام الزوار بسبب طابعها العملي، فهي لا تتطلب وجود حديقة منزلية أو حتى شرفة، فضلاً عن انخفاض سعرها الذي يتراوح من عشرة إلى خمسين جنيهاً للنبات الواحد (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري) لكن بحسب المهندس جاد مبروك، وهو أحد العارضين، فإن هناك إقبالاً لا بأس به أيضاً على أنواع جديدة من النباتات مثل «أشجار الماهوجني الأفريقي» التي لم تكن مألوفة في السوق المصرية من قبل، لكنها باتت الآن تستقطب اهتمام كثيرين نظراً لجمالها الشديد واحتياجها البسيط للماء كما أنها سريعة النمو، بحسب تصريحه لـ«الشرق الأوسط».
من جهته، يلفت عماد عبد المنعم، نائب مدير حديقة الأورمان، إلى أن معرض الزهور أصبح يشتهر بتقديم منتجات بعينها تشتهر بها وزارة الزراعة المصرية، لا سيما العسل وزيت الزيتون والأعشاب العطرية، مشيراً إلى أن «عدد رواد المعرض يتراوح في الأيام العادية ما بين ثلاثة وخمسة آلاف زائر أما في يوم الجمعة فيقفز العدد إلى نحو خمسة عشر ألف زائر.
ويشدد عبد المنعم، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن المعرض يعد الأقدم من نوعه في المنطقة العربية، كما أنه تحول إلى يوم مبهج للعائلة المصرية التي تذهب إليه لقضاء ساعات جميلة بحثاً عن البهجة وأيضاً للاستفادة من القسم الذي أنشأناه هذا العام لعرض بعض مستلزمات شهر رمضان من المواد الغذائية.
ويضيف عبد المنعم: الحقيقة أن المعرض يأتي هذا العام متزامناً مع عدد من المناسبات المهمة وذات الدلالة، ولعل أبرزها استضافة مصر لقمة المناخ cop27، حيث باتت زيادة المسطحات الخضراء لتخفيض نسبة التلوث البيئي والانبعاثات الحرارية من بين اهتمامات الدولة، فضلاً عن أعياد الربيع وعيد الأم.
جدير بالذكر أن حديقة الأورمان، واحدة من كبرى الحدائق النباتية في العالم، وتضم مجموعة نادرة من الأشجار والنخيل ويعود تاريخ إنشائها إلى عام 1873، حيث بنيت على مساحة 95 فداناً، بهدف إمداد قصر الخديوي إسماعيل بالخضر والفاكهة قبل أن تتقلص مساحتها إلى 28 فداناً حالياً وجلب لها الخديوي أشجاراً ونباتات مزهرة من جميع أنحاء العالم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».