لبنان: سجناء يموتون في زنزاناتهم بسبب نقص العناية الصحية

مصدر أمني يقول إن حالة الطبابة «يُرثى لها»

TT

لبنان: سجناء يموتون في زنزاناتهم بسبب نقص العناية الصحية

بعد رفع الصوت للتصدي لأزمة الغذاء داخل سجون لبنان جراء تخفيف عدد الوجبات والكميات التي تُقدم للسجناء نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي يرزح تحتها البلد منذ عامين، دخلت الأزمة اليوم مرحلة جديدة وأشد خطورة بعد تعذر تأمين علاج الكثيرين من المرضى السجناء ما أدى لوفاة 7 منهم خلال الشهر الماضي، حسب ما أكد كل من «مدير مركز حقوق السجين» في نقابة المحامين في طرابلس محمد صبلوح ورئيسة جمعية «نضال لأجل الإنسان» ريما صليبا، وهو ما نفاه مصدر أمني قائلاً: «إننا لا نزال نؤمن الطبابة 100 في المائة للحالات الطارئة».
وكانت إدارة السجون تتكفل بتأمين العلاج والأدوية لكل السجناء، لبنانيين وأجانب قبل عام 2019، لكن هؤلاء اليوم أصبحوا متروكين لمصيرهم جراء شح السيولة في كل مؤسسات الدولة، فباتت المستشفيات تطالب السجناء تماماً كما تطالب كل المواطنين بدفع تكاليف علاجهم قبل دخول المستشفى وبالدولار الأميركي نقداً.
ويصف أحد السجناء في سجن رومية، وهو أكبر السجون اللبنانية الواقع شرق بيروت، الوضع هناك بـ«المأساوي» خصوصاً على صعيد الطبابة، ويقول السجين وعمره 33 عاماً في اتصال مع «الشرق الأوسط» إن «إدارة السجن كانت تؤمن العلاج والأدوية لجميع المرضى، «أما اليوم فقد بات على السجين أن يؤمن أدويته بشكل كامل إلا مرضى الأمراض المستعصية والمزمنة التي لا تزال إدارة السجن تؤمن جزءاً منها».
ويشير السجين إلى أن سجيناً آخر كان بحاجة ماسة لعملية جراحية بالقلب «وقد طلب منه المستشفى تأمين مبلغ 7500 دولار أميركي لإجراء العملية، وقد استلزم ذلك نحو 4 أشهر، وهو توفي بعد تأمين المبلغ لأن وضعه تدهور مع مرور كل هذا الوقت». ويروي السجين حادثة أخرى تعرض لها سجين آخر قبل أيام حين تعرض لكسر في يده وبقي يتألم ثلاثة أيام في زنزانته قبل تأمين مبلغ الــ600 دولار الذي طلبه المستشفى.
ويقر مصدر أمني بأن الحالة في السجون وخصوصاً موضوع الطبابة «يُرثى لها»، موضحاً أن «الموازنة المخصصة لعلاج المرضى وتأمين أدويتهم تندرج ضمن موازنة قوى الأمن الداخلي التي باتت محدودة جداً نتيجة انهيار سعر الصرف»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «الضابط أو العنصر في قوى الأمن والسجين يخضعون لنفس الآلية. حتى أننا نعطي الأفضلية حالياً لمعالجة السجين وإعطائه الدواء على عنصر قوى الأمن من منطلق أن العنصر قادر بطريقة ما أن يتدبر أموره، أما السجين فلا يستطيع ذلك وهو داخل زنزانته».
وينفي المصدر أن يكون أي سجين قد توفي بسبب نقص الطبابة، «فنحن لا نزال نؤمن الطبابة 100 في المائة للحالات الطارئة وهذا خط أحمر بالنسبة لنا». ويشير إلى أن «تفشي حالات الجرب ليس مرده لنقص في الأدوية أو العلاج إنما لعدم توافر ملابس وفرش جديدة للسجناء المصابين».
من جهته، يعتبر مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس محمد صبلوح أن ما يحصل «أكبر من معاناة وهو مأساة حقيقية باعتبار أن السجناء المرضى يموتون داخل زنزاناتهم وقد تخطى عددهم الــ7 الشهر الماضي نتيجة تأخر حصولهم على العلاج المناسب». ويلفت صبلوح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الجهود التي تبذل اليوم هي لجمع تبرعات للسجناء المرضى لدفع الفروقات المطلوبة في المستشفيات»، مشدداً على وجوب استحداث مستشفى ميداني في السجون المركزية كسجن رومية الذي يستقبل أكثر من ثلاثة آلاف سجين، مضيفاً: «صحة هؤلاء وتأمين طبابتهم ليست مسؤولية وزارة الداخلية وحدها إنما وبشكل أساسي مسؤولية وزارة الصحة».
ويبلغ عدد السجون اللبنانية 25 سجناً ويبلغ عدد السجناء حسب إحصاء حديث 6989 سجيناً موزعين ما بين 5391 في سجن رومية المركزي والسجون الأخرى، و1598 موقوفاً في النظارات وقصور العدل وأماكن الاحتجاز التابعة لقوى الأمن الداخلي. واللافت أن 40 في المائة من السجناء في لبنان هم من غير اللبنانيين. ويشكو مسؤولون عن السجون عدم تجاوب «الأونروا» و«مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» مع طلبات رسمية لمساعدة السجناء السوريين والفلسطينيين.
وقال المصدر الأمني إن الاكتظاظ في السجون وبالتحديد في «رومية» بلغ مؤخراً مستويات غير مسبوقة وخصوصاً نتيجة الإضرابات المتواصلة للقضاة ما يؤخر الكثير من المحاكمات.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.