الصدر يعيد بناء التحالفات... وينفتح على المالكي

اتصل هاتفياً بزعيم «ائتلاف دولة القانون» بعد عقد من القطيعة

مظاهرة ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الناصرية جنوب العراق الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
مظاهرة ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الناصرية جنوب العراق الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

الصدر يعيد بناء التحالفات... وينفتح على المالكي

مظاهرة ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الناصرية جنوب العراق الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
مظاهرة ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الناصرية جنوب العراق الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)

فاجأ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر شركاءه في «التحالف الثلاثي» وخصومه في «الإطار التنسيقي» حين أجرى اتصالاً هاتفياً مع نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء الأسبق. فالصدر ومنذ بدء المفاوضات بين الكتل السياسية حتى قبل بناء التحالفات كان قد وضع «فيتو» على المالكي، الفائز الشيعي الثاني، بعد الكتلة الصدرية، في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2021.
ورغم اللقاءات التي عقدت بين الصدر وقادة الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الشيعية التي اعترضت لعدة شهور عبر المظاهرات والاحتجاجات والدعاوى القضائية على نتائج الانتخابات (الفتح ودولة القانون وعصائب أهل الحق وقوى الدولة والنصر وعطاء)، فإن العقدة التي كانت تحول دون حصول اتفاق بين التيار والإطار كان المالكي. فالصدر الذي فاجأ «الإطار» حين جاء إلى بغداد ليعقد مع قادته اجتماعاً في منزل هادي العامري بعد ظهور نتائج الانتخابات بفترة وشيكة لم يتوصل معهم إلى اتفاق بسبب المالكي.
وبعد أيام من عودته إلى مقره في الحنانة بمدينة النجف دعا خصومه الإطاريين إلى زيارته في النجف مشترطاً عدم حضور المالكي، لكن قادة الإطار التنسيقي رفضوا هذا العرض منطلقين من أن استفراد الصدر بهم بعد موافقتهم على عزل المالكي يجعلهم في موقف أضعف مما لو استمروا متماسكين، لا سيما أن المالكي يملك وحده نصف المقاعد التي يملكونها جميعاً بعد خسارتهم المدوية في الانتخابات.
وبسبب إصرار الصدر على عزل المالكي، أوكل قادة الإطار التنسيقي مهمة التفاوض مع الصدر إلى زعيم الفتح هادي العامري الذي يملك علاقة شخصية جيدة مع زعيم التيار الصدري. جهود العامري باءت بالفشل ولم يتمكن من إقناع الصدر بمشاركة المالكي في دعوته لحكومة أغلبية وطنية. في هذه الأثناء زاد المشهد تعقيداً بعد إخفاق البرلمان في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإخفاق الكرد في الاتفاق على مرشح متفق عليه بينهم. خرج الجميع مما كان مجرد عنق زجاجة غالباً ما كان يدخله الجميع في كل الأزمات السياسية السابقة لكنهم كانوا في الوقت بدل الضائع وبضغط إقليمي، في الغالب من إيران، يخرجون منه وكل واحد منهم راضٍ عن الغنيمة بعدد من الحصص الوزارية. الأمر اختلف في هذه الانتخابات، حيث وصل المشهد السياسي إلى ما بات يصنف بأنه «انسداد سياسي».
التقط الزعيم الكردي مسعود بارزاني رأس خيط هذا الانسداد في محاولة منه لفتحه حين أطلق مبادرة تهدف إلى إقناع الصدر رفع «الفيتو» عن المالكي لكي تمضي الأمور التي هي من وجهة نظر بارزاني، حليف الصدر في «التحالف الثلاثي» مع محمد الحلبوسي وخميس الخنجر نحو انتخاب مرشحه لرئاسة الجمهورية هوشيار زيباري قبل ضربات المحكمة الاتحادية الموجعة بحق بارزاني وحزبه (الديمقراطي الكردستاني) ومرشحه هوشيار زيباري.
فشلت مبادرة بارزاني التي حملها إلى الحنانة ابن أخيه نيجرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان برفقة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وزعيم تحالف السيادة خميس الخنجر. حصلت مفاجأتان لم تكونا متوقعتين؛ الأولى خاطب الصدر نيجيرفان بارزاني، قائلاً «لماذا لم ترشح إلى منصب رئيس الجمهورية لا سيما أن لغتك العربية جيدة؟»، مضيفاً أنه لو كان فعل ذلك «لكنا صوتنا لك». لم يعلق زيباري، لكن مسعود بارزاني التقط رأس الخيط في هذه المجاملة التي بدت وكأنها اعتراض ضمني على زيباري، لا سيما أن الصدر أتبعها بتغريدة بدت أنها ليس لصالح زيباري حين أعطى ما بدا أنه ضوء أخضر للصدريين لعدم التصويت له في حال لم تثبت براءته من التهم الموجهة إليه. ثم سرعان ما جاء قرار الاتحادية بإقصاء زيباري، حيث بدأ المشهد يتعقد أكثر بين الطرفين لكن بصمت.
قبل تداعيات تعقيد المشهد لا بد من الإشارة إلى المفاجأة الثانية التي تمثلت في مهاجمة زعيم تحالف السيادة خميس الخنجر في ضريح الإمام علي بن أبي طالب عند قيام الوفد الذي زار الحنانة بتأدية مراسم الزيارة. وفيما لم يعر تحالف السيادة السني أهمية لما تعرض له زعيمه من هجوم داخل الصحن الحيدري فإن مسعود بارزاني لم يتحمل ما جرى سواء لخاله هوشيار زيباري الذي أُقصي من سباق الترشح للرئاسة أو القرار المفاجأة الذي أصدرته المحكمة الاتحادية حين أعلنت عدم دستورية قيام كردستان ببيع النفط بعيداً عن المركز.
ومن أجل قراءة المشهد وتداعياته فإنه وطبقاً لما حصل، بدءاً من قيام الصدر بالاتصال المفاجئ بالمالكي، فضلاً عن اتصاله بزعامات التحالف الثلاثي (مسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي)، يقول مصدر سياسي قريب من الكواليس لـ«الشرق الأوسط» إن «الصدر ألغى دور العراب الذي كان يقوم في الماضي بترتيب الأمور ومن ثم يتم التوافق بين الجميع بصرف النظر إن كان هذا العراب خارجياً أم داخلياً بحيث بات اليوم هو الذي يتصرف ويفاوض بدليل مجيئه إلى بغداد أكثر من مرة واتصالاته الهاتفية». ورداً على سؤال بشأن توقيت هذا الاتصال بما في ذلك رفع «الفيتو» عن المالكي يقول: «هناك أمور كثيرة حصلت خلال الفترة الأخيرة من بينها تراجع العلاقة بين الصدريين والحزب الديمقراطي الكردستاني التي تكاد تكون وصلت إلى حافة حرجة لا سيما بعد قرارات المحكمة الاتحادية وعدم اعتراف بارزاني وحكومة الإقليم بقراراتها»، مضيفاً أن «الأمر نفسه انسحب على الموقف من تحالف السيادة، خصوصاً أن الصدر انزعج كثيراً من الصورة التي جمعت زعيمي تحالف السيادة الحلبوسي والخنجر مع الرئيس التركي إردوغان بحضور مدير مخابراته».
ويمضى المصدر السياسي إلى القول إنه «بعد هذه الأمور بالإضافة إلى تصاعد النقمة الشعبية بعد ارتفاع الأسعار وتأخير تشكيل الحكومة نتيجة للفشل في انتخاب رئيس للجمهورية قرر الصدر قلب المعادلة على الجميع وإعادة بناء التحالفات»، مبيناً أن «الاتصال بالمالكي يأتي في هذا السياق، وهو ما يعني أن الأمور سوف تأخذ سياقاً آخر مع الإطار التنسيقي الشيعي، مما يمكن أن يمهد للوصول إلى تفاهمات، خصوصاً أن الصدر طرح على المالكي ابن عمه جعفر محمد باقر الصدر سفير العراق الحالي في لندن مرشحاً لرئاسة الوزراء». وطبقاً لما أعلن فإن المالكي أبلغ الصدر أن تسمية المرشح لرئاسة الوزراء هي شأن خاص بتحالفه الإطار التنسيقي.
الإطار التنسيقي من جهته قرر عقد جلسة خاصة لمناقشة تداعيات اتصال الصدر بالمالكي وماذا يمكن أن يترتب عليه بما في ذلك ترشيح جعفر الصدر لرئاسة الحكومة، حيث إن من بين ما يمكن أن يترتب على ذلك هو السؤال التالي: هل يدفع الصدر ثمن ترشيح ابن عمه الصدر لمنصب رئيس الوزراء؟ بمعنى هل يتنازل الصدر عن 30 مقعداً هي نقاط رئيس الوزراء المعمول بها مقابل أن يأخذ حصصاً وزارية بالنقاط الـ45 المتبقية له أم لا؟ في ضوء الإجابة عن هذا السؤال من قبل الصدر أمام قادة الإطار التنسيقي سوف تتحدد معالم الطريق للفترة المقبلة، انسداد قد يجر تداعيات يمكن أن تؤدي إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة أم عنق زجاجة جديد يخرج منه الجميع بأكثر الخسائر وأقل الأرباح؟



إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
TT

إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)

بهدف توحيد الصف اليمني ومساندة الشرعية في بسط نفوذها على التراب الوطني كله، أعلن 22 حزباً ومكوناً سياسياً يمنياً تشكيل تكتل سياسي جديد في البلاد، هدفه استعادة الدولة وتوحيد القوى ضد التمرد، وإنهاء الانقلاب، وحل القضية الجنوبية بوصفها قضيةً رئيسيةً، ووضع إطار خاص لها في الحل النهائي، والحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية.

إعلان التكتل واختيار نائب رئيس حزب «المؤتمر الشعبي» ورئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر رئيساً له، كان حصيلة لقاءات عدة لمختلف الأحزاب والقوى السياسية - قبل مقاطعة المجلس الانتقالي الجنوبي - برعاية «المعهد الوطني الديمقراطي الأميركي»، حيث نصَّ الإعلان على قيام تكتل سياسي وطني طوعي للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، يسعى إلى تحقيق أهدافه الوطنية.

القوى السياسية الموقعة على التكتل اليمني الجديد الداعم للشرعية (إعلام محلي)

ووفق اللائحة التنظيمية للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، ستكون للمجلس قيادة عليا تُسمى «المجلس الأعلى للتكتل» تتبعه الهيئة التنفيذية وسكرتارية المجلس، على أن يكون المقر الرئيسي له في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وتكون له فروع في بقية المحافظات.

وبحسب اللائحة التنظيمية للتكتل، فإن الأسس والمبادئ التي سيقوم عليها هي الدستور والقوانين النافذة والمرجعيات المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والعدالة، والمواطنة المتساوية، والتوافق والشراكة، والشفافية، والتسامح.

ونصَّ الباب الثالث من اللائحة التنظيمية على أن «يسعى التكتل إلى الحفاظ على سيادة الجمهورية واستقلالها وسلامة أراضيها، والتوافق على رؤية مشتركة لعملية السلام، ودعم سلطات الدولة لتوحيد قرارها وبسط نفوذها على كافة التراب الوطني، وتعزيز علاقة اليمن بدول الجوار، ومحيطه العربي والمجتمع الدولي».

وكان المجلس الانتقالي الجنوبي، الشريك في السلطة الشرعية، شارك في اللقاء التأسيسي للتكتل الجديد، لكنه عاد وقاطعه. وأكد المتحدث الرسمي باسمه، سالم ثابت العولقي، أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتابع نشاط التكتل الذي تعمل عليه مجموعة من الأطراف لإعلانه، ويؤكد عدم مشاركته في هذا التكتل أو الأنشطة الخاصة به، وأنه سيوضح لاحقاً موقفه من مخرجات هذا التكتل.

ومن المقرر أن يحل التكتل الجديد محل «تحالف الأحزاب الداعمة للشرعية»، الذي تأسس منذ سنوات عدة؛ بهدف دعم الحكومة الشرعية في المعركة مع جماعة الحوثي الانقلابية.

ويختلف التكتل الجديد عن سابقه في عدد القوى والأطراف المكونة له، حيث انضم إليه «المكتب السياسي للمقاومة الوطنية» بقيادة العميد طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي، و«مؤتمر حضرموت الجامع»، وغيرهما من القوى التي لم تكن في إطار التحالف السابق.

ووقَّع على الإعلان كل من حزب «المؤتمر الشعبي العام»، وحزب «التجمع اليمني للإصلاح»، و«الحزب الاشتراكي اليمني»، و«التنظيم الناصري»، و«المكتب السياسي للمقاومة الوطنية»، و«الحراك الجنوبي السلمي»، وحزب «الرشاد اليمني»، وحزب «العدالة والبناء».

كما وقَّع عليه «الائتلاف الوطني الجنوبي»، و«حركة النهضة للتغيير السلمي»، وحزب «التضامن الوطني»، و«الحراك الثوري الجنوبي»، وحزب «التجمع الوحدوي»، و«اتحاد القوى الشعبية»، و«مؤتمر حضرموت الجامع»، وحزب «السلم والتنمية»، وحزب «البعث الاشتراكي»، وحزب «البعث القومي»، وحزب «الشعب الديمقراطي»، و«مجلس شبوة الوطني»، و«الحزب الجمهوري»، وحزب «جبهة التحرير».

وذكرت مصادر قيادية في التكتل اليمني الجديد أن قيادته ستكون بالتناوب بين ممثلي القوى السياسية المُشكِّلة للتكتل، كما ستُشكَّل هيئة تنفيذية من مختلف هذه القوى إلى جانب سكرتارية عامة؛ لمتابعة النشاط اليومي في المقر الرئيسي وفي بقية فروعه في المحافظات، على أن يتم تلافي القصور الذي صاحب عمل «تحالف الأحزاب الداعمة للشرعية»، الذي تحوَّل إلى إطار لا يؤثر في أي قرار، ويكتفي بإعلان مواقف في المناسبات فقط.

بن دغر مُطالَب بتقديم نموذج مختلف بعد إخفاق التحالفات اليمنية السابقة (إعلام حكومي)

ووفق مراقبين، فإن نجاح التكتل الجديد سيكون مرهوناً بقدرته على تجاوز مرحلة البيانات وإعلان المواقف، والعمل الفعلي على توحيد مواقف القوى السياسية اليمنية والانفتاح على المعارضين له، وتعزيز سلطة الحكومة الشرعية، ومكافحة الفساد، وتصحيح التقاسم الحزبي للمواقع والوظائف على حساب الكفاءات، والتوصل إلى رؤية موحدة بشأن عملية السلام مع الجماعة الحوثية.