انخفاض ضغط الدم عند الوقوف يتطلب اهتماماً طبياً

يحدث نتيجة عوامل متعددة في الجهاز العصبي والقلب والأوعية الدموية

انخفاض ضغط الدم عند الوقوف يتطلب اهتماماً طبياً
TT

انخفاض ضغط الدم عند الوقوف يتطلب اهتماماً طبياً

انخفاض ضغط الدم عند الوقوف يتطلب اهتماماً طبياً

ما يُعاني منه البعض من انخفاض سريع في ضغط الدم عند الوقوف بعد الجلوس، هو مشكلة شائعة نسبياً وتتطلب البحث عن الأسباب ومعالجتها. ذلك أن الانخفاض في ضغط الدم الذي يعتري الجسم في تلك اللحظات لا يتسبب فقط بالشعور بالدوار والدوخة، بل قد يُؤدي إلى الإغماء في بعض الأحيان، كما أنه قد يكون علامة لحالة مرضية تتطلب التنبه لها.

- حالة طبية
وتُسمى هذه الحالة طبياً بـ«انخفاض ضغط الدم الانتصابي» (Orthostatic Hypotension)، وقد تحصل عند الوقوف بعد الجلوس، أو الجلوس بعد الاستلقاء. وتتشابك عدة عوامل في الجهاز العصبي، والجهاز الدوري للقلب والأوعية الدموية، وعدد من المركبات الكيميائية للغدد الصماء، في مراحل آلية حصول هذه الحالة من انخفاض ضغط الدم المؤقت.
وتشير إليها المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة (NIH)، بقولها: «يعد انخفاض ضغط الدم الانتصابي حالة شائعة تصيب نحو 6 في المائة من السكان. وهذه الحالة شائعة بشكل خاص عند كبار السن، وتؤثر على ما لا يقل عن نسبة من 10 إلى 30 في المائة من الأشخاص في هذه المجموعة. وفي 40 في المائة من المرضى، لا يتم التوصل إلى سبب هذه الحالة».
وإضافة إلى محاولات الباحثين الطبيين معرفة المزيد حول آليات حصول ذلك الانخفاض المؤقت في ضغط الدم، ثمة محاولات أخرى لمعرفة كيفية القيام بوسائل عملية تُخفف من احتمالات حصولها بشكل شديد لدى منْ يُعانون من هذه الحالة بشكل مزمن ودون وضوح سبب ذلك لديهم.
وضمن عدد 9 فبراير (شباط) الماضي من مجلة «إيقاع نبض القلب» (Heart Rhythm)، عرض باحثون من جامعة كالغاري في ألبرتا بكندا طريقتين بسيطتين قد تساعدان المرضى في إدارة التعامل مع أعراض انخفاض ضغط الدم الانتصابي، خصوصاً عند الشابات. وأفاد الباحثون بأن بعض المناورات الجسدية البسيطة، مثل التنشيط المسبق لعضلات الجسم السفلية قبل الوقوف، وشد عضلات أسفل الجسم بعد الوقوف، كلها قد تؤدي إلى مواجهة انخفاض ضغط الدم الانتصابي وتقلل من أعراضه.
ووجد الباحثون أن الانخفاضات في متوسط مقدار ضغط الدم، والمعاناة من الأعراض المرافقة، قد قلت بشكل كبير باتباع تطبيق هذه المناورات البسيطة.

- انخفاض الضغط الانتصابي
ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية، فإن انخفاض ضغط الدم الانتصابي هو بالعموم أحد أشكال انخفاض ضغط الدم. ولكن يتميز بأنه يحدث بشكل مؤقت عند الوقوف من الجلوس أو الجلوس من الاستلقاء. ويُمكن أن يشعر المُصاب بانخفاض ضغط الدم الانتصابي بالدوار، وربما يسبب له الإغماء. وهي أعراض عادةً ما تستمر لفترة أقل من عدة دقائق.
وثمة نوعان رئيسيان منه، أحدهما نوع يُسمى انخفاض ضغط الدم الانتصابي طويل الأجل. وهو ما قد يُشير إلى احتمال وجود إحدى المشكلات الصحية المزمنة، مع الشعور بالدوار عند الوقوف على نحو متكرر. ولذلك يختلف العلاج من حالة لأخرى وفق السبب المرضي.
والنوع الآخر يُسمى انخفاض ضغط الدم الانتصابي العرضي (الحاد). وهذا النوع الأخير عادة ما يحصل بسبب شيء واضح وطارئ، كجفاف الجسم من السوائل في حالات الحُمّي أو الإسهال أو القيء المتكرر. وكذلك نتيجة الاستلقاء أو الراحة في الفراش لفترة طويلة. وأيضاً مع انخفاض نسبة السكر في الدم أو اضطرابات نسب بعض الأملاح والمعادن في الدم.
وبمراجعة ما يذكره المرضى الذين يُعانون من هذه الحالة، فإن أكثر الأعراض شيوعاً هي الدوار أو الدوخة عند الوقوف بعد الجلوس أو الاستلقاء. وبعضهم يُضيف إما الرؤية الضبابية (زغللة العين)، أو الألم في الصدر، أو الصداع، أو الضيق في التنفس، أو الضعف والوهن الجسدي، أو الغثيان، أو التشويش الذهني وضعف التركيز. وقلّة منهم تذكر المعاناة من الإغماء.
وتجدر ملاحظة أن انخفاض ضغط الدم الانتصابي تختلف عن حالة متلازمة تسرّع نبض القلب الموضعي (POTS)، على الرغم من أن متلازمة تسرع نبض القلب الموضعي تسبب أعراضاً مشابهة لانخفاض ضغط الدم الانتصابي. إذْ إن كليهما يسبب الدوار أو الإغماء عند الوقوف.
ولكن إلى جانب انخفاض ضغط الدم، تتسبب متلازمة تسرع نبض القلب الموضعي في زيادة معدل ضربات القلب من 30 إلى 40 نبضة في الدقيقة في غضون 10 دقائق من الوقوف. كما أن متلازمة تسرع نبض القلب الموضعي أقل انتشاراً من انخفاض ضغط الدم الانتصابي.
وبالأصل، ضغط الدم يمثل تلك القوة التي يدفع بها الدم ضد جدران الشرايين أثناء جريانه فيها. ومن الضروري تفهّم أن الإنسان يحتاج إلى قوة ذلك الضغط الدموي، كي يجري ويتدفق الدم إلى الأعضاء المختلفة بسلاسة، وبشكل متواصل، وضمن معدلات لا تتسبب بالأذى على تلك الأعضاء.
وضغط الدم الصحي والمثالي لمعظم الناس أقل من 120 على 80 ملم زئبق. وتعد القراءة التي تقل عن 90 على 60 ملم زئبق، انخفاضاً في ضغط الدم.
ومعلوم أنه عندما ينقبض القلب، يندفع الدم بقوة من القلب نحو الشرايين لفترة وجيزة. وعندها يرتفع ضغط الدم، وهو ما يتم قياسه تحت اسم «ضغط الدم الانقباضي» (Systolic Pressure) أو الرقم العالي في قراءة قياس ضغط الدم. وعند حالة انبساط القلب وتوقفه عن الانقباض، تحصل حالة متوازنة من «الضغط» داخل الشرايين، كي تضمن استمرار تدفق الدم وضخه عبر الشرايين وصولاً إلى الأعضاء المختلفة. وهو ما يتم قياسه تحت اسم «ضغط الدم الانبساطي» (DiastolicPressure) أو الرقم المنخفض في قراءة قياس ضغط الدم.

- عوامل متشابكة
وتسهم عدة عوامل في تكوين هذه الحالة المتوازنة من «الضغط» داخل الشرايين طوال الوقت. ومن أهمها مرونة التمدد في الشرايين، وعدد من المركبات الكيميائية التي تفرزها الكلى وعدد من الغدد الصماء، وأيضاً للجهاز العصبي دور محوري آخر في تكوين هذه الحالة المتوازنة من الضغط داخل الشرايين طوال الوقت. ولذا عند حصول حالة «تصلّب الشرايين» يرتفع ضغط الدم.
وانخفاض ضغط الدم الانتصابي هو تلك الحالة التي ينخفض فيها ضغط الدم الانقباضي أكثر من 20 ملم زئبقي في الضغط الانقباضي و10 ملم زئبقي في الضغط الانبساطي، في غضون ثلاث دقائق من الوقوف، مقارنة بما كان عليه الحال أثناء الجلوس.
وتفسير ذلك، أنه عندما يكون المرء جالساً أو مستلقياً، يتدفق الدم بسهولة من الأوردة في ساقيه عائداً إلى القلب. وعندما يقف، يصعب على الدم في الأطراف السفلية لديه الوصول إلى القلب، بفعل الجاذبية الأرضية. ولذا يتوفر حينها قليل من الدم المتاح للقلب كي يضخه ويرسله إلى الأعضاء والعضلات، خصوصاً الدماغ. ونتيجة لذلك، ينخفض ضغط الدم بشكل مؤقت، ويحصل الشعور بالدوخة والدور، وربما يحصل الإغماء نتيجة النقص الشديد في تدفق الدم إلى الدماغ.
وتوضح المصادر الطبية أنه في الحالات الطبيعية، ولمنع حصول هذا الاضطراب، تشعر خلايا معينة (مستقبلات الضغط الموجودة في الشرايين القريبة من القلب وفي الرقبة) بهذا الانخفاض في ضغط الدم. ومن ثم ترسل خلايا مستقبلات الضغط هذه إشارات إلى مراكز في الدماغ، كي يرسل بدوره إشارات إلى القلب لينبض بوتيرة أسرع ويضخ مزيداً من الدم، وإشارات أخرى إلى الأوعية الدموية كي تضيق وتنقبض، ويزيد ضغط الدم بداخلها.
ومحصلة هذا كله هو عودة استقرار ضغط الدم وعدم تمادي الانخفاض فيه. أي أنه عادة وفي الحالات الطبيعية، يوفر الجهاز العصبي اللاإرادي تغييرات تعويضية في توتر الأوعية الدموية ومعدل ضربات القلب وانقباض القلب. ولكن لدى بعض الأفراد، قد تكون هذه الاستجابة معيبة أو غير كافية. وبالتالي يحدث نقص ضغط الدم الانتصابي عندما يؤثر شيء ما على مسار العمل الطبيعي في الجسم الذي يواجه انخفاض ضغط الدم المتوقع عند الوقوف.
وعلى سبيل المثال، وعند اضطراب عمل الجهاز العصبي، فإنه يصعب على ضغط الدم مواكبة التغيير في وضعية الجسم وتدفق الدم للأطراف السفلية بفعل الجاذبية الأرضية، عند الوقوف بعد الجلوس أو الاستلقاء.

- منْ هم المعرَّضون لانخفاض ضغط الدم الانتصابي؟
يمكن لأي شخص أن يصاب بانخفاض ضغط الدم الانتصابي. وتزيد هذه العوامل من المخاطر:
> التقدم في العمر: يفيد أطباء «مايو كلينك» بالقول: «تشيع الإصابة بنقص ضغط الدم الانتصابي بين الأشخاص البالغين من العمر 65 عاماً أو أكثر. إذ قد تصبح الخلايا الخاصة (مستقبلات الضغط القريبة من شرايين القلب والرقبة والمسؤولة عن تنظيم ضغط الدم) أكثر بُطئاً مع تقدمك في العمر. وقد يكون من الصعب أيضاً على القلب المتقدم في العمر أن تتسارع نبضاته ويعوّض الانخفاضات في ضغط الدم».
> فقر الدم أو نقص فيتامين بي 12.
> جفاف الجسم من السوائل، نتيجة إما الإسهال والقيء أو تناول أدوية مدرات البول أو عدم شرب كميات كافية من السوائل، أو إجراء التمارين الشاقة مع فرط التعرق.
> مشاكل واضطرابات في عمل الغدد الصماء، بما في ذلك مرض السكري وأمراض الغدة الدرقية ومرض أديسون. وفي مرض السكري قد يُؤدي انخفاض نسبة السكر في الدم إلى انخفاض ضغط الدم الانتصابي. وكذلك قد يتسبب مرض السكري في تلف الأعصاب التي تساعد في إرسال الإشارات المنظمة لضغط الدم عند تغير وضعية الجسم أثناء الوقوف.
> أمراض القلب، بما في ذلك عدم انتظام ضربات القلب وأمراض صمام القلب وضعف قصور القلب. وبعض أمراض القلب قد تؤدي إلى انخفاض ضغط الدم والبطء الشديد في ضربات القلب. وتمنع هذه الحالات من استجابة القلب بسرعة كافية وضخ مزيد من الدم عند الوقوف.
> تناول بعض الأدوية: الجرعات العالية من أدوية ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، مثل مدرّات البول وحاصرات مستقبلات ألفا وحاصرات مستقبلات بيتا وحاصرات قنوات الكالسيوم ومثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE) والنترات. وكذلك بعض أنواع معالجة الاكتئاب.
> المشاكل والاضطرابات المرضية العصبية، مثل مرض باركنسون والخرف.
> الحمل، خصوصاً خلال الأسابيع الـ24 الأولى من الحمل.
> بعد تناول الطعام (هبوط ضغط الدم بعد الأكل). ويزيد شيوع هذه الحالة بين كبار السن.
> عدم القدرة على الحركة لفترات طويلة بسبب المرض، بما في ذلك الراحة في الفراش أثناء الحمل.
وقد يكون الأشخاص المصابون بانخفاض ضغط الدم الانتصابي أكثر عرضة للإصابة بما يلي:
> كسور في العظام أو ارتجاج بسبب السقوط عند الشعور بالدوار أو الإغماء.
> انخفاض ضغط الدم بعد الأكل (Postprandial Hypotension)، وانخفاض ضغط الدم بعد 30 دقيقة إلى ساعتين من تناول الطعام (خصوصاً وجبة غنية بالكربوهيدرات).
> الصدمة أو فشل الأعضاء إذا ظل ضغط الدم منخفضاً للغاية.
> السكتة الدماغية أو أمراض القلب الناتجة عن تقلبات ضغط الدم.
- انخفاض ضغط الدم الاستلقائي (Supine Hypotension)، وانخفاض ضغط الدم الذي يحدث عند الاستلقاء على الظهر.


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة
التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة
TT

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة
التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي» الذي يقام تحت رعاية أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز، تحت عنوان «جودة العلاج القائم على البحث العلمي والابتكار»، الذي تنظمه كل من جامعة المستقبل وجامعة الملك عبد العزيز، وتستمر فعالياته خلال يومي السبت والأحد في مركز الملك خالد الحضاري ببريدة.

أهداف المؤتمر

ضمن لقاءات حصرية لملحق «صحتك» بـ«الشرق الأوسط»، أوضح الدكتور محمد صالح الشتيوي رئيس جامعة المستقبل رئيس المؤتمر - أن المؤتمر العالمي السادس للجودة والطب النبوي القائم على الأدلة يحمل شعار «آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي لتحسين حلول الرعاية الصحية وجودة الحياة ومستقبل صناعة الأدوية»، وأنه يوفر منصة مبتكرة وشاملة لعرض أحدث الأبحاث والتطورات المتعلقة بمفاهيم العلاج والوقاية والتشخيص والتعامل مع مختلف الأمراض، باعتبارها نهجاً شاملاً لتحسين جودة الحياة.

شعار المؤتمر

وعن أهداف المؤتمر، صرحت لـ«صحتك» الأستاذة الدكتورة سعاد خليل الجاعوني نائبة رئيس المؤتمر - رئيسة اللجنة العلمية - مديرة الكرسي العلمي لتطبيقات الطب النبوي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، بأن المؤتمر «السادس» يهدف إلى تقديم رؤية شاملة للأبحاث العلمية المبتكرة وبراءات الاختراع، وتطبيقاتها، وتأثيرها على رفع مستوى الصحة وتحسين جودة الحياة، بالإضافة إلى الاستفادة من هذه الأبحاث في دعم صناعة الأدوية لتحقيق اقتصاد حيوي ومستدام.

وأضافت أن هذا المؤتمر يُعد من أهم المؤتمرات البحثية، حيث يستضيف أكثر من 52 طبيباً وباحثاً وعالماً متميزاً من 34 جامعة محلية ودولية. كما يمثل فرصة كبيرة ومرجعاً قيماً للباحثين وطلاب الدراسات العليا للاستفادة من خبرات هؤلاء العلماء. وسيتم عرض أكثر من 200 ورقة بحثية منشورة في مجلات علمية معتمدة و13 براءة اختراع. وسيغطي البرنامج مواضيع متعددة لتحسين جودة الحياة.

وصرح الدكتور سليم بن صالح السليم، مساعد رئيس الجامعة للبحث العلمي وخدمة المجتمع، جامعة المستقبل - رئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر - بأن المؤتمر يعمل على رفع الوعي الصحي من خلال الأبحاث العلمية في مختلف المجالات والتخصصات الطبية، ويهتم بتعزيز استراتيجيات تطوير ثقافة البحث الابتكاري باستخدام التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك توزيع جوائز لأفضل الباحثين. وسيتم مناقشة الرؤية المستقبلية للاستفادة من الأبحاث المبتكرة وبراءات الاختراع لاكتشاف الأدوية، وصولاً إلى اقتصاد حيوي مستدام، تماشياً مع أهداف رؤية المملكة 2030 في مجال البحث العلمي.

أبرز الدراسات والابتكارات العلمية

* اكتشاف تراكيب جديدة مشتقة من الإبل. يستعرض، في المؤتمر، البروفسور أ.د. شاكر موسى، أستاذ علم الصيدلة ومؤسس شركة نانو فارماسيوتيكالز في نيويورك، خبرته في تطوير جزيئات نانوية من منتجات طبيعية مثل الشيتوزان المشتق من الفطر والمحار، وحليب الإبل، ولاكتوفيرين لتطوير أدوية فعالة، بما في ذلك منتجات مثل تمر العجوة، والمسك، والحبة السوداء.

كما يستعرض تطوير أدوية مبتكرة مستوحاة من مكونات الإبل لعلاج الأمراض المزمنة، كتطوير هيبارين منخفض الوزن الجزيئي وغير مضاد للتخثر لعلاج فقر الدم المنجلي، والذي أثبت فعالية أعلى من العلاجات التقليدية بفضل آليات عمله المتعددة. يعمل هذا الدواء كمضاد للمنجلية ومضاد للتخثر، مما يساهم في منع أو حل أزمات الخلايا المنجلية بشكل سريع.

كما أظهر دمج الجزيئات متناهية الصغر من الهيبارين ولاكتوفيرين الموجود في حليب الإبل توافراً حيوياً عالياً عند الاستخدام الفموي، مما يعزز فاعليته في علاج الخلايا المنجلية والسرطان والأمراض الالتهابية والمعدية.

* الذكورة والأنوثة بين التصحيح والتغيير. يقدم البروفسور أ.د. ياسر صالح جمال، استشاري وأستاذ الجراحة العامة وجراحة الأطفال جامعة الملك عبد العزيز - في المؤتمر استعراضاً للفروق بين تصحيح الجنس وتغيير الجنس، مع تقديم تعريف دقيق لكل منهما وتسليط الضوء على الآثار المترتبة عليهما. كما سيوضح الرؤية الإسلامية تجاه كلا المفهومين، مدعومة بالأدلة المستمدة من النصوص الشرعية والمبادئ الإسلامية، مع تسليط الضوء على الموقف الشرعي لهذه القضايا الدقيقة، وتوفير تحليل شامل للأسباب التي تبرر الرؤية الإسلامية وتدعمها.

* الطب النبوي والطب التجديدي: رؤية جديدة في العلاج. تستعرض البروفسورة أ.د. صباح صالح مشرف، استشارية وأستاذة الجراحة التجميلية وباحثة في الكرسي العلمي للتطبيقات العلاجية في الطب النبوي بجامعة الملك عبد العزيز، خلاصة خبرتها السريرية الممتدة لأكثر من 14 عاماً في علاج التهاب المفاصل المزمن باستخدام الحقن داخل المفصل لميكروغرافت الدهون الذاتية التي تحتوي على الخلايا الجذعية، التي أثبتت فعاليتها كعلاج تجديدي يساهم في تحسين الحالات المزمنة وإصلاح الأنسجة التالفة، مع تعزيز قدرات الجسم الطبيعية في الشفاء وتجديد الأنسجة، وبأقل تدخل جراحي ممكن.

الطب النبوي يبرز كونه مصدر إلهام لهذه الأساليب، حيث يشير إلى وجود خلايا جذعية في الأنسجة الدهنية، مثل شحم ذيل الأغنام الذي استخدم لعلاج عرق النسا. كما يُذكر وجود هذه الخلايا في حليب الأم، إضافة إلى تسليط النصوص النبوية الضوء على الإعجاز في خلق الإنسان من عظمة العصعص (العجز).

تقدم هذه التجربة نموذجاً عملياً يدمج بين التراث النبوي والطب الحديث، مما يفتح آفاقاً جديدة للعلاج ويعزز من فهمنا للعلاقة بين العلوم الحديثة والممارسات النبوية التقليدية.

قيمة التمور ومياه زمزم الطبية

* التمر: كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة. تقدم البروفسورة أ.د. سعاد خليل الجاعوني، أستاذة أمراض الدم والأورام وأمراض دم الأطفال بكلية الطب، ومديرة الكرسي العلمي لتطبيقات الطب النبوي بجامعة الملك عبد العزيز، تحليلاً شاملاً للبيانات المتعلقة بالقيمة الغذائية والطبية للتمور وبذورها.

تحتوي التمور على مجموعة واسعة من المغذيات الهامة مثل الفيتامينات، والأحماض الأمينية، والألياف، والمعادن، مما يمنحها خصائص دوائية واعدة. تشمل هذه الخصائص مضادات الأكسدة، ومضادات الالتهاب، ومضادات السكري، وخصائص مضادة للميكروبات والسرطان، بالإضافة إلى دورها في حماية الكبد، والكلى، والجهاز العصبي.

تشير نتائج الدراسات إلى أن نخيل التمر يُعد حجر الزاوية في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية المستدامة. كما أن القيمة الغذائية والخصائص الدوائية للتمور تدعم تطوير أغذية وظيفية ومكملات غذائية تعزز الصحة العامة. علاوة على ذلك، يمكن أن تُستخدم مستخلصات التمور كمكونات طبيعية بديلة للأدوية الصناعية، مما يفتح آفاقاً جديدة لعلاج العديد من الأمراض بطرق آمنة وفعالة.

* حقائق طبية وعلمية عن ماء زمزم مبنية على الأدلة. سيقدم البروفسور أ.د. حامد متولي قسم الأحياء، كلية العلوم التطبيقية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة - في المؤتمر خريطة علمية متكاملة لمعرفة أثر ماء زمزم الوقائي والعلاجي في الإنسان والحيوان والنبات. حيث أثبتت التجارب المختبرية الأولية أن المستخلصات الطبيعية المنتجة باستخدام ماء زمزم كمذيب للمواد الفعالة قد أعطت مؤشرات ونتائج واعدة لفاعلية هذه المستخلصات الطبيعية وزيادة في قدرتها العلاجية. يتوقع فريق الدراسة إضافة مساهمة كبيرة للمجتمع البحثي في مجال المستخلصات الدوائية من منتجات طبيعية باستخدام ماء زمزم والمتفردة فيه المملكة العربية السعودية، مما يزيد من فرص الاستثمارات في هذا المجال لإنتاج مركبات دوائية عالية الكفاءة العلاجية.

* دور العلاج بالحجامة الرطبة في إزالة السموم من المعادن الثقيلة. ستقدم الدكتورة زهرة خليفة، استشارية طب الأسرة، دكتوراه في البيئة والتنمية المستدامة - مملكة البحرين - في المؤتمر عرضاً عن تأثير المعادن الثقيلة على صحة الإنسان، مع تقييم الأدلة المتوفرة حول فعالية العلاج بالحجامة الرطبة كاستراتيجية محتملة لإزالة السموم، حيث تعتمد أساليب إزالة السموم التقليدية بشكل رئيسي على التدخلات الغذائية والطبية.

إن التلوث بالمعادن الثقيلة الناتج عن التلوث البيئي يشكل تهديداً كبيراً لصحة الإنسان. تتراكم المعادن الثقيلة مثل الرصاص، والكادميوم، والزئبق، والزرنيخ في الجسم عبر الجهاز التنفسي، أو الطعام، أو التعرض المباشر. ومع مرور الوقت، يمكن أن تؤدي هذه العناصر السامة إلى مشكلات صحية خطيرة، بما في ذلك اضطرابات الجهاز العصبي، والكلى، والنمو.

* دور العلاج بالحجامة الرطبة في تخفيف الألم. سيقدم الدكتور محمد سعد المحياوي، أستاذ مشارك واستشاري علم الالتهابات والمناعة، بكلية الطب، جامعة الملك عبد العزيز - في المؤتمر دراسة محكمة لتقييم فوائد الحجامة الرطبة على تخفيف الألم وتحسين جودة الحياة. خلصت الدراسة إلى أن الحجامة الرطبة يمكن اعتبارها علاجاً تكاملياً وفعّالاً لتخفيف الألم وتحسين حياة المرضى، ما يعزز من دورها بوصفها خياراً طبياً شاملاً للمرضى الذين يعانون من الألم المزمن.

تطوير جزيئات نانوية من منتجات طبيعية مثل الشيتوزان المشتق من الفطر والمحار وحليب الإبل

قوة الصمغ العربي

* القوة الطبيعية للصمغ العربي: تعزيز الصحة وطول العمر. تستعرض البروفسورة أ.د. أميمة صابر، خبيرة أمراض الجهاز الهضمي والكبد للأطفال بجامعة الخرطوم، أهمية الصمغ العربي كبريبايوتك طبيعي لتعزيز الصحة وطول العمر. ويُعد الصمغ العربي البريبايوتك الطبيعي الوحيد المعروف، وقد اعترفت بسلامته إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA).

تشمل فوائده الصحية تقليل مخاطر أمراض القلب، وتعزيز صحة الجهاز الهضمي، وإدارة الوزن، وعلاج أمراض الكلى المزمنة، والسكري، والحساسية الغذائية، والعدوى. يعزز الصمغ العربي صحة الأمعاء ويحسن المناعة، مما يجعله غذاءً وظيفياً أساسياً.

تعتمد التوصيات على أبحاث حول تكوين الصمغ العربي، توزيعه، ودوره في مواجهة أمراض نمط الحياة الناتجة عن التلوث البيئي والجيني. استخدمه سكان أفريقيا الأصليون لعقود لتحسين الصحة وإطالة العمر، مما يبرز قيمته بوصفه علاجاً طبيعياً مبتكراً.

* تأثير الثيموكينون على تكوين الأسنان. تقدم الدكتورة هنادي عبد الله الوافي استشارية أسنان الأطفال بكلية البترجي الطبية بجدة - في المؤتمر نتائج الدراسة التي تثبت تأثير الثيموكينون (TQ)، المكون النشط في الحبة السوداء (Nigella sativa)، على تكوين الأسنان (Odontogenesis) في خلايا لب الأسنان البشرية الطبيعية. وتهدف الدراسة إلى تقييم تأثير الثيموكينون على كفاءة ارتباط الخلايا، ومعدل تكاثرها، وتكوين الأسنان من خلال قياس نشاط إنزيم الفوسفاتيز القلوي (ALP) ومستوى تعبير بروتين السيالوبروتين الخاص بالعاج (DSP).

* تأثير زيت الحبة السوداء على أعراض «كوفيد - 19» الخفيفة. سيقدم الدكتور عبد الرحمن عماد كوشك، أستاذ مشارك في العقاقير والطب النباتي قسم المنتجات الطبيعية والطب البديل كلية الصيدلة، جامعة الملك عبد العزيز بجدة - في المؤتمر دراسة أجريت في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز، استهدفت تقييم فعالية زيت الحبة السوداء في تسريع التعافي من «كوفيد - 19» الخفيف. أظهرت النتائج أن نسبة التعافي في المجموعة العلاجية بلغت 70 في المائة، مقارنة بـ45 في المائة في المجموعة الضابطة، مع وقت تعافٍ أقصر (9.9 يوم مقابل 11.6 يوم). احتاج 3 مرضى من المجموعة الضابطة إلى دخول المستشفى مقارنة بمريض واحد في المجموعة العلاجية. خلصت الدراسة إلى أن زيت الحبة السوداء يعزز التعافي ويقلل احتمالية دخول المستشفى، مما يدعم إمكانيته كونه علاجاً داعماً فعالاً لـ«كوفيد - 19» الخفيف.

وهكذا، فإن المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي يُعد منصة استثنائية تجمع بين الأصالة والابتكار، حيث تسلط الضوء على حلول علمية مبتكرة لتحسين جودة الحياة وتعزيز الصحة العامة، مما يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الأمراض ودعم التنمية المستدامة.

* استشاري طب المجتمع.