«شهر الفرنكوفونية» اللبناني... معارض وأفلام ومناظرات

يخصص فضاءات واسعة لجيل الشباب

مشهد من فيلم «أوهام ضائعة» الذي يعرضه المركز الثقافي الفرنسي
مشهد من فيلم «أوهام ضائعة» الذي يعرضه المركز الثقافي الفرنسي
TT

«شهر الفرنكوفونية» اللبناني... معارض وأفلام ومناظرات

مشهد من فيلم «أوهام ضائعة» الذي يعرضه المركز الثقافي الفرنسي
مشهد من فيلم «أوهام ضائعة» الذي يعرضه المركز الثقافي الفرنسي

كعادته في كل عام يستضيف لبنان شهر الفرنكوفونية في شهر مارس (آذار) الذي تنظمه وزارة الثقافة مع السفارة الفرنسية، ومجموعة من الدول الأجنبية. وفي المكتبة الوطنية في منطقة الصنائع تم الإعلان عن النشاطات التي يتضمنها هذا الحدث لعام 2022، وبحضور وزير الثقافة محمد وسام المرتضى وسفراء فرنسا وكندا وأرمينيا وبلجيكا ورومانيا ومصر وتونس والمغرب وقطر، جرى عرض برنامج الشهر الفرنكوفوني. ويتوجه هذا العام في غالبية فعالياته إلى جيل الشباب، وهو غني ومتنوع بموضوعات تخاطبهم عن قرب.
وأشار وزير الثقافة خلال المؤتمر إلى أن هذا الحدث السنوي هو للتأكيد على انتمائنا إلى القيم الإنسانية التي يتشارك فيها أبناء العائلة الفرنكوفونية المتعددة الثقافات واللغات والجهات. وتابع يقول: «من شمال المعمورة الغربي إلى جنوبها الشرقي، مروراً بأفريقيا والشرقين الأدنى والأوسط. فضاء يحلق فيه مؤلفون أثبتوا أن لغة موليير وكورناي وبلزاك وفيكتور هوغو، هي أيضاً لغة ليوبولد سنغور وأمين معلوف وغيرهم، وبيت ثقافي ترعرع فيه شارل أزنافور، وداليدا، وأدامو كلود فرنسوا، ودميس روسوس، ولويس شديد، وميكا، والشاب خالد وإبراهيم معلوف وغيرهم».
وينطلق شهر الفرنكوفونية ابتداء من اليوم 9 مارس من المكتبة الوطنية مع حفل توقيعات الكتب الفرنكوفونية، وفي 14 منه يجري عرض الفيلم الوثائقي «port، route et chemin de fer» (الإرث الفرنسي) لزينة حداد وإيدي شويري والفرد موسى. أما في 18 مارس فستقام البطولة الدولية للمناظرة العربية والفرنكوفونية في جامعة القديس يوسف في بيروت، التي تنظمها وكالة الجامعة الفرنكوفونية.

يقام معرض «قصتي» ضمن شهر الفرنكوفونية

ومن النشاطات الأخرى التي يتضمنها هذا الشهر معرض افتراضي بعنوان «نساء رائدات من العالم العربي»، وتنظمه لجنة العالم العربي للاتحاد الدولي لمدرسي اللغة الفرنسية والرابطة الوطنية للمعلمين الفرنسيين في لبنان. ويتم خلاله عرض فيلم «أسرار الرياح» في السفارة التونسية في منطقة مار تقلا.
وفي 20 مارس الذي يصادف اليوم الدولي للفرنكوفونية، يقام معرض لوحات رسم فرنكوفونية في قصر اليونيسكو. وفي اليوم التالي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي يتم عرض الوثائقي «إذا اللغة تاريخ من الحب» لأندريه ليفوفان، على صفحة «فيسبوك» الخاصة بالسفارة الكندية في بيروت. فيما تشارك السفارة البلجيكية من ناحيتها في 29 مارس من خلال الوثائقي «بلجيكا في لبنان» من إعداد كارمن لبكي.
أما المركز الثقافي الفرنسي فيعرض من 24 إلى 26 مارس أفلام «أوهام ضائعة» لكزافييه جيانولي الحائز على 7 جوائز سيزار، كما يعرض أيضاً ودائماً في سينما مونتانيي في حرم المركز أفلام «ألين» و«أو إس اس 117 - إنذار أحمر في أفريقيا السوداء» لنيقولا بيدوس، و«السنديانة» لميشال سايدو ولوران شاربونييه. كما يعرض المركز الفرنسي فيلم «لغز» للفرنسي دنيس ايمبير.
وكانت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو قد ألقت كلمة خلال المؤتمر. وذكرت فيها أن برنامج شهر الفرنكوفونية، سيكون ثريا ومحفزا ومبهجا أيضا لأن الفرح يغذي الشجاعة. وتابعت: «سيجمع بين السينما والأدب والمسرح والاجتماعات في جميع أنحاء البلاد، من خلال معاهدنا الفرنسية، من طرابلس إلى الجنوب».
ومن النشاطات التي يحييها المركز الثقافي الفرنسي معرض «قصتي» في 8 مارس الذي يتناول قصص نساء لبنانيات ناجحات. وفي 17 منه تقدم مسرحية «7teen» على مسرح صالة سينما مونتانيي.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أشار غيوم دي شيمان المدير المساعد في المركز الثقافي الفرنسي، أن الشهر الفرنكوفوني سيطال إضافة إلى بيروت مناطق لبنانية أخرى كصيدا وطرابلس وزحلة ودير القمر. ويتابع: «سيكون هناك مسرحيات وأفلام ولقاءات أدبية تتوجه بشكل خاص إلى الشباب اللبناني. وفي اليوم العالمي لحقوق المرأة في 8 مارس نفتتح معرض (قصتي) الذي يشكل افتتاحية هذا الشهر بالنسبة لنا. ويدور حول حياة 40 امرأة لبنانية بريشة فنانين تشكيليين من لبنان. ويشارك عدد من المراهقين في أعمال مسرحية، إضافة إلى مجموعة أفلام فرنسية حصدت جوائز عدة. فشهر الفرنكوفونية هو عيد بالنسبة لنا نحتفل به طيلة أيام السنة، ولكننا نبرز أهميته في أعمال مكثفة خلال شهر مارس».
ومن ناحيتها، رأت سينتيا رعد نائبة المدير الإقليمي للوكالة الجامعية للفرنكوفونية أن الشهر الفرنكوفوني يدخل في نطاق عمل الوكالة سنوياً. وتتابع في سياق حديثها: «واجهنا بعض الصعوبات في تنفيذ هذا البرنامج نسبة إلى الأوضاع الصعبة التي يمر بها لبنان. ولكننا موجودون هنا كمنظمة دولية كي نساعد لبنان ومؤسساته من أجل استمراريته وكي يبقى مشاركاً أساسياً في هذا الشهر».
ورأت رعد أن أهمية الشهر الفرنكوفوني هذا العام هو إحياء غالبية النشاطات مع طلاب الجامعات والشباب اللبناني بشكل عام، الذي يعاني من مشكلات كثيرة. وختمت بأن دور الوكالة الجامعية للفرنكوفونية هو دعم هؤلاء الشباب كي يشاركوا بفعاليات هذا الشهر.
وتحت عنوان «غضب مدينة» ينظم المركز الثقافي الفرنسي معرض صور فوتوغرافية للفنان إبراهيم شلهوب، وذلك من 25 مارس لغاية 29 أبريل (نيسان) المقبل في الحمام الجديد في مدينة صيدا.
وفي 30 مارس (آذار) يقام عرض مطول للقطات من الوثائقي «رومانيا التي لا تقهر» في المكتبة الوطنية. وهو من إعداد توماس بارتن بالتعاون مع السفارة الرومانية في لبنان. أما ختام الشهر الفرنكوفوني فسيكون مع حفل موسيقي يقام في 31 مارس في مدينة الأطفال للسلام «فيلوكاليا» في عينطورة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».