تراث لبنان محط اهتمام إيطاليا

ضمن مؤتمر عقد للإعلان عن «المعرض الدولي للترميم»

TT

تراث لبنان محط اهتمام إيطاليا

منذ سنوات عديدة بدأت علاقة تبادل ثقافي، تربط بين لبنان وإيطاليا، تجلت في معارض للتصاميم نظمت في لبنان، وتعاون للتنقيب عن الآثار بين البعثتين اللبنانية والإيطالية. كما كان لإيطاليا مساهمة فعلية في إعادة ترميم وإعمار مبانٍ تراثية، أهمها متحف سرسق. إذ انضمت بعد انفجار المرفأ إلى لائحة الدول المتبرعة للمتحف، بمبلغ بلغ مليون يورو.
ومن نشاطات السفارة الإيطالية لدى لبنان في مجال التعاون الثقافي والفني، إعلانها مؤخراً عن المعرض الدولي للترميم في نسخته السابعة والعشرين، الذي يقام في إيطاليا من 8 إلى 10 يونيو (حزيران) المقبل. ويهدف معرض «Salone del Restauro» إلى تعزيز التعاون بين الشركات الإيطالية واللبنانية في قطاع الترميم، من خلال تعميق المعرفة والتعريف بالمنتجات الجديدة والعمليات والتقنيات المتقدمة.
وبدعوة من مكتب وكالة التجارة الإيطالية في بيروت وبرعاية السفارة الإيطالية، وبالتعاون مع معرض فيرارا ومؤسسة «أسوريستورو»، عقد مؤتمر صحافي في فندق «سمول فيل» في منطقة بدارو للإعلان عن هذا المعرض. وأشارت السفيرة نيكوليتا بومباردييري إلى أن هذا الحدث يندرج في إطار توسيع أوجه التآزر وتعميقها، في قطاع يشهد على تعاون كثيف بين البلدين وبين الشركاء من القطاعين العام والخاص. ورأت أن مؤسسة «أسوريستورو» الإيطالية المتخصصة في مجال الترميم، تشهد على التزام إيطاليا بدعم وحماية وتعزيز التراث الثقافي اللبناني، الذي لا يقدر بثمن مع إشراك القطاع الخاص بشكل مباشر.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكد مدير مكتب وكالة التجارة الإيطالية كلاوديو باسكوالوتشي أن إيطاليا توسع التبادل الثقافي مع لبنان ليشمل القطاع الخاص بعد أن كان منحصراً لفترة مع القطاع العام. ويوضح في سياق حديثه: «سنعمل على تبادل المواهب الفنية في التصميم والهندسة والترميم. وكذلك على إدخال شركات ومؤسسات ومشاريع مع أشخاص ينفذون أعمال ترميم جيدة، بالتعاون مع آخرين مطلعين على التكنولوجيا الإيطالية. وهناك مبادرات كثيرة تنفذها السفارة من خلال مكتب التعاون الإيطالي. وفي هذه المبادرة نريد إرساء تعاون ممنهج مع وزارة الثقافة اللبنانية ومديرية الآثار فيها».
معروف أن إيطاليا قامت بترميم أماكن أثرية عديدة في لبنان، منها قلعة بعلبك والسرايا التابعة لها، وقلعة الشمع وغيرها.
وعلى صعيد تبادل المهارات تلك التي جرى التعاون فيها مع شركة روكلاند اللبنانية، حيث موّلت إيطاليا ترميم نافورة Ardea Purpurea من تصميم الفنان الإيطالي Bravura في منطقة فردان.
وأكد باسكوالوتشي في سياق حديثه أن التعاون بين إيطاليا والدولة اللبنانية سيبقى قائماً، من خلال تنفيذ مشاريع ترميم مختلفة حددت ضمن تفاهمات خاصة.
من ناحيتها، رأت فرانشيسكا برانكاتشو ممثلة مؤسسة «أسوريستورو» للترميم والمحافظة على الآثار، أن لبنان يأتي في مقدمة البلدان التي تهتم إيطاليا بالحفاظ على تراثه وعراقة عماراته. وتتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك شركات خاصة كثيرة تساعد الدولة اللبنانية على تنفيذ مشاريع عمرانية. وأتمنى أن تقوم الشركة التي أمثلها قريباً بوضع تصور مستقبلي لمشروع ترميم يطال معلم أثري أو مبنى يختاره لبنان ويعرضه علينا. وهذا الخيار يعود بالتأكيد للدولة اللبنانية، عندها سنجتهد لتنفيذه».
ويشكل هذا المعرض مرجعاً للقطاع بأكمله، ويواصل رحلته في مدينة فيرارا في الربيع كالمعتاد، حيث يجري التحضير بشكل مكثّف للعارضين والمؤتمرات والفعاليات خلال الأيام الثلاثة المحددة للمعرض.
وهو ينبع من الرغبة في وضع هذا القطاع جنباً إلى جنب مع القطاعات الكلاسيكية للأزياء والأغذية والمعدات. ويعدّ شكلاً من أشكال التميّز من حيث التقاليد والخبرة والتكنولوجيا الإيطالية التي تضعها إيطاليا في خدمة مختلف البلدان الأجنبية لتعزيز تراثها التاريخي واستعادته.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».