قراءة في الحسابات الصينية والهندية لاجتياح أوكرانيا

وسط الحذر من الانعكاسات الإقليمية في شرق آسيا وجنوبها

قراءة في الحسابات الصينية والهندية لاجتياح أوكرانيا
TT

قراءة في الحسابات الصينية والهندية لاجتياح أوكرانيا

قراءة في الحسابات الصينية والهندية لاجتياح أوكرانيا

مع مواصلة المباحثات حيال الأزمة الأوكرانية بين الأطراف المعنية، تتجاوز تداعيات الأزمة المستمرة حدود الأثر على أوروبا، حيث يوجد لها بعد آسيوي جيو - سياسي، إلى جانب آثار أخرى للصراع ما يشكل تهديداً جديداً لآسيا أيضاً. فرغم أن الصراع يبدو ظاهراً مشكلة أوروبية لها عمقها عبر المحيط الأطلسي بالأساس، فإن لدى كل من الصين والهند واليابان علاقات تاريخية، خاصةً مع روسيا، تقيد ردود فعلها تجاه الصراع في أوكرانيا، ما يضعها في مأزق دبلوماسي واقتصادي.
لقد انضمت الهند والصين إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في النأي بنفسها عن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي قدمته الولايات المتحدة الأميركية. وكما هو معروف، فإن هذا القرار، الذي يدين بشدة الاعتداء الروسي على أوكرانيا، حصل على أحد عشر صوتاً في المجلس المكون من 15 دولة، لكن ما حال دون إقراره، استخدام روسيا، العضو الدائم في المجلس – وهي بالمناسبة رئيس مجلس الأمن لشهر فبراير (شباط) – حق النقض «الفيتو».
تحافظ نيودلهي على علاقات وثيقة قوية مع موسكو، وكانت البيانات الرسمية الهندية إزاء الأزمة الراهنة في أوكرانيا مرضية، حتى هذه اللحظة للمسؤولين الروس، وأقرت بذلك روسيا علناً. وفي المقابل، رفض السفير الهندي في الولايات المتحدة انتقاد تحركات روسيا صراحاً، بل حث كل الأطراف على «ضبط النفس».
وفي المقابل، كتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في حسابه على موقع «تويتر» أنه قد تحدث مع ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، ساعياً إلى الحصول على «دعم سياسي»، بعد فترة وجيزة من ثناء روسيا على القرار الهندي بالامتناع عن التصويت على قرار الأمم المتحدة بإدانة الغزو الروسي. وبدوره، اتصل رئيس الوزراء الهندي بالرئيس الروسي بعد ساعات من طلب أوكرانيا تدخل الهند في حل الأزمة. لقد ذكر مكتب مودي في بيان «طالب رئيس الوزراء بوقف فوري للعنف، ودعا إلى بذل جهود منسقة من جانب جميع الأطراف للعودة إلى مسار المفاوضات الدبلوماسية والحوار».
الدبلوماسي الهندي السابق أشوك ساجانهار علق على هذا الموقف بالقول «يمثل العدوان الروسي في أوكرانيا أخطارا كبيرة على المصالح الهندية، بدءاً من إلقاء موسكو في أيدي بكين إلى تشتيت تركيز واشنطن وإبعادها عن مواجهة القوة الصينية في منطقة آسيا - المحيط الهادئ. كذلك إذا ظلت الهند متجاهلة لذلك «العدوان الروسي»، قد تتعرض العلاقات الهندية - الأميركية، التي ازدادت قوة خلال العقد الماضي حتى وصلت إلى آفاق جديدة، إلى ضربة موجعة». وأردف الدبلوماسي الهندي «قد يعرض ذلك مجموعة الـ«كواد» (الحوار الأمني الرباعي) للخطر، نظراً لإعلان أعضاء المجموعة الآخرين، وهم أستراليا واليابان والولايات المتحدة، فرض عقوبات على روسيا. وبعكس الدول الثلاث الأعضاء في الـ«كواد»، اختارت الهند التزام الصمت في اجتماع وزراء خارجية دول المجموعة خلال فبراير (شباط) المنقضي، وكانت اختلافاتهم كبيرة وغير قابلة للمعالجة خلال الاجتماع كما يتضح من تحاشي البيان المشترك لـ«كواد» التطرق إلى أوكرانيا».
الجدير بالذكر هنا، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد زار الهند في ديسمبر (كانون الأول) الماضي لتسليم أول منظومة دفاع صاروخية من طراز «إس - 400». وللعلم، تعتمد الهند كثيراً على موسكو في مجالي الأسلحة والنفط، كما أنها تنظر إلى كل من الولايات المتحدة وروسيا كدولتين حليفتين لها، وقد يكون لاتخاذها جانب أي من الدولتين القويتين تداعيات كبيرة في كل من مجال التجارة والدبلوماسية والدفاع. وفي هذا السياق أضاف ساجانهار شارحاً «ربما يصبح مستقبلاً من الأصعب تفادي فرض العقوبات ضد روسيا مع السعي في الوقت ذاته وراء مشاريع دفاع متعددة في المستقبل. وفيما يتعلق بمشروع «إس 400»، أمكن التوصل إلى تفاهم مرحلي وشفوي مع واشنطن بعد إصدار نيودلهي ورقة غير رسمية توضح التفاصيل الخاصة بأهمية المنظومة الروسية. كذلك أوضحت الحكومة الهندية أن المشروع يسبق تنفيذ قانون مواجهة خصوم أميركا من خلال العقوبات، وبالتالي ينبغي أن يكون خارج نطاقه».
مواقف الهند القلقة
في هذه الأثناء، يلتزم الأميركيون الصمت حتى الآن، في حين تثير العقوبات الجديدة ويحرك استبعاد موسكو من نظام الـ«سويفت» المالي العالمي (التحويلات المصرفية) مخاوف وقلق الهند أيضاً. إذ أنه من شأن ذلك التأثير على مدفوعات الهند إلى روسيا، وفق مصادر مطلعة أشارت إلى أنه على المرء الانتظار ليرى مواقف الدول الأخرى تجاه استمرار مشاريع الهند الخاصة بشراء أنظمة الدفاع مع روسيا. وما يستحق الذكر هنا أنه بالإضافة إلى الـ«إس - 400»، تعد أكبر صفقة بين الهند وروسيا هي استئجار غواصات نووية. ثم هناك مشروع آخر من المرجح تأجيله هو المشروع الهندي - الروسي لتصنيع بنادق «إيه كي 203» الأوتوماتيكية الذي استكملت إجراءاته الشكلية لكنه ما زال بانتظار التوقيعات النهائية.
حول الموقف الهندي من الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على أجواء المواجهة بين واشنطن وموسكو، يقول هاريش تاشندرا ديغي، المعلق السياسي الهندي «ولاءات الهند مشتتة بين حليفتها القديمة روسيا، وصداقتها المتنامية مع الولايات المتحدة والغرب. بيد أن هذا الغزو يمنح رئيس الوزراء الهندي فرصة لا تأتي إلا مرة كل جيل لترك أثره على السياسة الخارجية الهندية. إذ يعتمد الأمر برمته على كيفية التحرك على هذا المسار الخطير الدقيق بين واشنطن وموسكو وواقع سياسة القوة». ويستطرد «حتى هذه اللحظة اختارت نيودلهي التزام الصمت واتخاذ موقف محايد مكتفية بدعوة الأطراف كافة إلى إنهاء كل أشكال العنف، ولكن، مع ذلك قد يؤثر هذا النهج غير الملتزم قد يؤثر على علاقات الهند مع أوروبا، والتي تعتمد على الهند في التجارة وأشكال الدعم الأخرى في مواجهة الصين».
على الجانب الآخر، تجلي الهند بنجاح طلبتها المحاصرين من أوكرانيا بعدما تحدث مودي مع بوتين، حيث يسمح راهناً لأي مركبة ترفع علم الهند في أوكرانيا بالتحرك بحرية ومن دون اعتراض باتجاه الحدود البرية لأوكرانيا، كي يتسنى للطلبة المغادرين استقلال الطائرات الهندية المنتظرة هناك. وبالفعل، أنجز حتى اللحظة إجلاء نحو ثلاثة آلاف هندي بأمان، ونقلوا إلى الهند.
حبل الصين المشدود
في هذه الأثناء، تسير الصين الآن على حبل مشدود مع إعلان روسيا الحرب على أوكرانيا.
لقد نأى «التنين» الصيني بنفسه عن الطموحات التوسعية الروسية ودعم السياسيين الانفصاليين في شرق أوكرانيا. وحاولت بكين، في ظل كل ما يحدث، الدعوة إلى الدبلوماسية من أجل إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، والرقابة على أي آراء على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد الكرملين على قراره غزو أوكرانيا.
بل إن الرئيس الصيني شي جينبينغ أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي بوتين هدف منها إلى توضيح موقفه تجاه غزو أوكرانيا، وقال شي إن الصين تدعم كلا من روسيا وأوكرانيا في «حل المشكلة من خلال المفاوضات». أما على المستوى المحلي، فقد حاولت وسائل إعلام الدولة الصينية تصوير الغزو الروسي لأوكرانيا على أنه «عملية عسكرية خاصة» وبررت في هذا الإطار أفعال بوتين. كذلك تتفادى بكين الانتقاد المباشر لموسكو حتى تنأى بنفسها عن إزعاج وإثارة ضيق شريك غريب الأطوار، يصادف أنه مفيد في اللحظة الراهنة في تشتيت الانتباه الغربي بعيداً عن آسيا.
الحقيقة أن بكين رفضت حتى الآن إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا أو وصفه بالغزو، وكان استخدام عبارات مثل «يفطر القلب» و«أزمة إنسانية» هي أقرب نقطة وصلت إليها البيانات الصينية. ومن جانب آخر كان مثيراً للاهتمام أنه منذ ثلاثة أسابيع أعلن قادة كل من الصين وروسيا أن الصداقة بين دولتيهما «لا حدود لها» حين التقيا في بكين عشية دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية. ولقد حدث تقارب بين دولتي «الجوار» العملاقتين المسلحتين نووياً خلال السنوات القليلة الماضية، ما أيقظ في الغرب – على الأقل – شبح تحالف دول «استبدادية» قادر على تحدي الغرب «الديمقراطي» بقيادة الولايات المتحدة في «حرب باردة» جديدة.
في هذا الصدد، يعلق سريكانت كوندابالي، أستاذ الدراسات الصينية في جامعة جواهر لال نهرو الهندية المرموقة «تحاول الصين الحصول على نصيبها من أوكرانيا أيضاً، وسيتضح مستقبلاً مدى التمادي الصيني في دعم روسيا. لقد شددت بكين على ضرورة احترام سيادة ووحدة أراضي جميع الدول، وهذا موقف يتعارض مع الغزو، ولكنها في المقابل، عارضت فرض العقوبات على روسيا، محملة كلاً من واشنطن والتوجه الغربي إلى توسيع حلف شمال الأطلسي «ناتو» شرقاً المسؤولية، باعتبارها ذلك السبب الجذري للأزمة». وأردف كوندابالي «من غير الواضح ما إذا كان بوتين قد سعى للحصول على دعم شي حين ذهب إلى بكين لحضور مراسم افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في 4 فبراير أم لا. ولكن العلاقات الأميركية - الصينية تمر بصعوبات وتقترب من النهاية، في حين تتقارب كل من بكين وموسكو».
موضوع تايوان
وفي سياق متصل، يلاحظ محللون أمنيون أن غزو أوكرانيا سلط الضوء على قضية تايوان، حيث يمكن للصين أن تتخذ ذريعة لبدء عمليات عسكرية من أجل ضم الدولة - الجزيرة التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الوطن الصيني.
واليوم أدرك الصينيون أن القوى الغربية لم تهب إلى مساعدة أوكرانيا في القتال فعلياً، وأن روسيا تمكنت من «تحديهم بإثبات جدية موقفهم» على حد تعبير بعض المصادر. وتتابع هذه المصادر أن ما ظهر من موقف الغرب قد يكون قوة دافعة للصينيين الذين سيصبحون أكثر جرأة وعدوانية فيما يتعلق بخططهم الخاصة بضم تايوان. وعن هذا الجانب، يقول هاريش تشاندرا ديغي «لقد أرادت الولايات المتحدة تركيز قوتها بالكامل على الصين، لكن الأزمة الأوكرانية أدت لفتح جبهتين أمام واشنطن، حيث سيتوجب عليها الآن التعامل في وقت واحد مع الصين من جانب، وروسيا من جانب آخر».
من ناحية أخرى، أفادت مصادر الأسطول السابع في البحرية الأميركية أن مدمرة الصواريخ الموجهة «يو إس إس رالف جونسون» أبحرت عبر مضيق تايوان، وينطر المراقبون إلى مهمة العبور تلك كإشارة إلى بكين. وهنا يرى كوندابالي أنه «مع سيادة حالة من الجمود المسلح في المناطق الحدودية بين الصين والهند بعد الصدام المميت في 15 يونيو (حزيران) 2020 في غالوان، الذي أسفر عن مقتل 20 جنديا هنديا، قد تندفع بكين نحو شن مغامرة عسكرية أخرى على الحدود الهندية بالنظر إلى صمود الهند حتى هذه اللحظة». ما يذكر أنه لم تؤد الاجتماعات المستمرة على مستوى القيادة العسكرية العليا إلى عملية «فض اشتباك ووقف للتصعيد» عند كل نقاط الاحتكاك على الحدود. ولتاريخه تشعر الصين بالغضب من المقاومة الهندية الفعالة. ولكن، وفق مصدر هندي، فإنه في حال نشوب صراع بين الهند والصين، سيكون من المؤكد سلفاً إحجام موسكو عن الوقوف في صف نيودلهي، وهذا إن لم تدعم بكين علانيةً.
وعودة إلى مسألة تايوان، حاولت وزارة الخارجية الصينية منع وسائل الإعلام العالمية من تشبيه وضع أوكرانيا بوضع تايوان. إذ قالت هوا تشانينغ، الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية «بالتأكيد تايوان ليست مثل أوكرانيا، فلطالما كانت تايوان جزءاً ثابتاً من الأراضي الصينية. هذه حقيقة تاريخية وقانونية لا جدال فيها. مبدأ الصين الواحدة يشكل قاعدة معترف بها عالمياً تحكم العلاقات الدولية».
استجابة جنوب غربي آسيا
في الوقت الذي أدان فيه قادة العالم الغزو الروسي لأوكرانيا وفرضوا عقوبات صارمة على الاقتصاد الروسي والدائرة المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، اتخذ وزراء خارجية عشر حكومات آسيوية، موقفاً وسطاً، مانحين الأولوية لإجلاء مواطنيهم من أوكرانيا، وطالبوا الطرفين بضبط النفس ومواصلة المفاوضات السلمية دون ذكر روسيا. كانت الدولة الأجرأ والأكثر صراحة هي سنغافورة، حيث صرحت بأن الحكومة كانت «شديدة القلق» من الغزو الروسي، وأنها «تدين بشدة أي غزو غير مبرر لدولة ذات سيادة بأي ذريعة». جاء في المعسكر المقابل الحكم العسكري في ميانمار، الذي وصف الغزو الروسي بأنه «إجراء ملائم للحفاظ على سيادتها». أكدت وزارة الخارجية الإندونيسية أهمية القانون الدولي و«احترام وحدة الأراضي والسيادة» مضيفة أن «الهجوم العسكري على أوكرانيا غير مقبول» دون ذكر اسم روسيا.
أسباب هذا النهج الحذر نابعة من خشية تحدي قوة روسيا، حيث يرون أن الأزمة لا تؤثر مباشراً عليهم باستثناء الاقتصاد، وتعد أمراً بعيداً عنهم. سوف تجد بعض الحكومات، ومنها ميانمار بالتأكيد وربما كمبوديا ولاوس، منافع استراتيجية محددة في تآكل قوة وسلطة الولايات المتحدة الأميركية الناتج عن تحطم نظام أمن ما بعد الحرب الباردة. على عكس البيانات التصادمية للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، تتسم بيانات الهند بالمهادنة، حيث تزخر بكلمات مثل «ضبط» و«وقف التصعيد» و«حوار دبلوماسي». كذلك تحاشت الهند إدانة أو تحدي روسيا لأفعالها في أوكرانيا.
مع ذلك موقف الهند ليس محايداً، فموقفها لا يختلف عن قوى حلف شمال الأطلسي فحسب، بل يعد ليناً تجاه الروس.

نبرة أكثر حدة من طوكيو تجاه موسكو وبكين
>إبان فترة حكم شينزو آبي، رئيس الوزراء الياباني السابق، كانت اليابان مترددة نسبياً تجاه كيفية الاستجابة إلى النهج التوسعي الروسي. وفي الواقع، لطالما قدمت اليابان دعماً كبيراً للجهود الدولية في الاستجابة للأزمات، لكن اعتماد الدولة على الواردات الروسية من النفط والغاز الطبيعي ورغبتها في مواصلة الحوار الثنائي بشأن جزر أرخبيل كوريل - التي استحوذ عليها الاتحاد السوفياتي عام 1945 - جعلها تقليدياً مترددة تجاه فرض عقوبات قاسية على روسيا وجعل المعاملات الدبلوماسية معها مقيدة. أما اليوم، فإن الحكومة اليابانية الحالية تتبنى نبرة أكثر حدة تجاه الصين مقارنة بالكثير من الحكومات السابقة.
من جهة أخرى، تشعر اليابان بالقلق من أنه في حال فشل الدول الديمقراطية في اتخاذ موقف صارم بشأن غزو روسيا لأوكرانيا، سيشجع ذلك الصين على بسط المزيد من النفوذ على دول جوارها في شرق آسيا. وفي تعليق له بهذا الخصوص، يذكر الكاتب الصحافي عادل برار، «أن رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي اعتبر أنه من الضروري على واشنطن الآن توضيح موقفها بشأن حماية تايوان من غزو صيني محتمل. وقال أيضاً إن إظهار إمكانية تدخلها يجعل الصين تحت السيطرة، لكن إذا كانت إمكانية عدم التدخل قائمة، عليها الحرص بألا تفقد القوات التايوانية للاستقلال السيطرة».

   وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي (يسار) لدى لقائه السفير الأوكراني لدى اليابان سيرغي كورسونسكي لإجراء محادثات بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا (د.ب.أ)

حذر وترقب في جنوب آسيا
> تداعيات الوضع الأوكراني وانعكاساته المحتملة في شرق آسيا وجنوبها تدفع معظم دول جنوب آسيا إلى الحذر والامتناع عن اتخاذ مواقف قاطعة ومباشرة. مثلاً، لدى بنغلاديش مصالح اقتصادية كبيرة على المحك مع روسيا، حيث تدين تلك الدولة لموسكو بالكثير لأن استخدام السوفيات «الفيتو» في مجلس الأمن ساعد في ولادة بنغلاديش عام 1971، ومن المرجح، أن تلتزم بسياسة خارجية قائمة على «صداقة الجميع دون إضمار الأذى لأي أحد» لتفادي غضب روسيا.
من جهتها، اتخذت نيبال حتى اللحظة أقوى موقف ضد روسيا بين كل دول جنوب آسيا، إذ ذكر مكتب وزارة الخارجية في بيان أن «نيبال تعارض استخدام القوة ضد دولة ذات سيادة في أي حال من الأحوال، وتؤمن بالحل السلمي للخلافات من خلال الدبلوماسية والحوار».
في المقابل، كان عمران خان، رئيس وزراء باكستان، هو أول زعيم أجنبي يلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد دخول القوات الروسية أوكرانيا في خضم الأزمة المتصاعدة بين روسيا والغرب. ومع أن خان ليس طرفاً فاعلا بارزاً في السياسة العالمية، يعد لقاؤه ببوتين إبان غزو أوكرانيا أمراً ذا قيمة رمزية كبيرة تصب لصالح روسيا بشكل كبير. ثم إن لتوقيت هذه الزيارة آثاراً ونتائج، إذ يعتقد محللون جيو-سياسيون أنه بينما ينقسم فيه العالم بشكل واضح بين المعسكر الغربي والمعسكر الصيني الروسي، قد تكون محاولات باكستان الانضمام إلى المعسكر الروسي خطيرة عليها.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.