يفتتح اليوم «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» أبوابه بعد ما يقارب ثلاث سنوات من الانقطاع، إذ إن آخر دورة له، وكانت تحمل الرقم (62) تعود إلى نهاية عام 2018، غير أن هذا لم يشفع للمعرض كي يبقى بمنأى عن الخلافات اللبنانية التي باتت تطال حتى الكتب. فقد انقسم الناشرون إلى فئتين: فئة ترى أن بيروت بحاجة لفسحة أمل، ولو متواضعة، وعلى الجميع مواجهة الظروف بما ملكوا من إمكانيات، كي لا تطول فترة الانقطاع أكثر. بينما عدّت دور نشر أخرى أن الوقت غير مناسب ويمكن الانتظار حتى ديسمبر (كانون الأول) المقبل، الموعد الرسمي للمعرض. وهو ما لا يريده «النادي الثقافي العربي»، أي الجهة المنظِّمة التي ترى أن الغياب الطويل ليس في صالح أحد، ولا بأس في معرض الآن، تعويضاً لما فات، على أن تُعقد دورة أخرى في ديسمبر المقبل.
وبالتالي فإن المعرض وللمرة الأولى في تاريخه، سيشهد غياباً لكبريات الدور المعترضة مثل «الآداب»، و«الساقي»، و«العربية للعلوم»، و«الجديد»، و«هاشيت أنطوان»، و«التنوير»، و«الجمل»، و«المدى»، و«سرد»، و«ضفاف». غير أن أحد أصحاب الدور المشاركة عدّ غياب من سماهم بـ«الحيتان» قد يكون في صالح الدور الصغيرة. ويقول د. عبد الحليم حمود، مؤسس «دار زمكان» الصاعدة، التي بدأت عملها منذ ثمانية أشهر فقط، أصدرت خلالها نحو 20 كتاباً، إنها فرصة للدور المبتدئة، لتلتقي مع القراء من دون منافسة كبيرة. ويقول حمود: «نحن من ناحيتنا عندنا 5 حفلات توقيع، وكتب جديدة كثيرة، بينها واحد عن فيروز وآخر عن زياد الرحباني. وكل دار من الدور الزميلة المشاركة عندها من ست إلى عشر حفلات توقيع». وإذا كان الجميع يترقب ليرى نتائج هذه الدورة غير المسبوقة، فإن حمود يعتقد أن «الحسابات الأولية، قد لا توحي بأن المعرض سينجح، بسبب الظروف غير العادية التي يعيشها لبنان». يكمل حمود: «لكن لو فكّرنا بطريقة أخرى، فإن 3 سنوات من الغياب، راكمت خلالها الدور عناوين كثيرة. كما أن مخازن الناشرين معبأة كتباً طُبعت قبل الأزمة، أي بأسعار رخيصة للغاية، يوم كان الدولار بألف وخمسمائة ليرة، ويمكنها أن تبيعها بأسعار مناسبة للجميع. وهذا إيجابي للدور نفسها، التي هي بحاجة لتصريف ما عندها. نحن من جهتنا سنبيع 4 روايات جديدة بسعر 100 ألف ليرة (نحو 5 دولارات) في الوقت الذي تبيع فيه بعض الدور الرواية الواحدة بسعر 200 ألف ليرة (نحو 10 دولارات)».
إذا كانت الجهة المنظمة قد أطلقت على هذه الدورة عنوان «بيروت الصمود... بيروت لا تنكسر»، بسبب كل ما تواجهه من عقبات، فإن صاحب «دار نلسن» سليمان بختي يعده «معرض التحدي» و«الاستكشاف». ويضيف: «ذلك، لأننا ما عدنا نعرف أين نحن من جمهور الناس، من عموم القراء. مضى وقت طويل، تغيّرت خلاله أشياء كثيرة. هذا أمر يقلقني كشخص يُعنى بالشأن الثقافي. هناك نوع من الانسحابات من الميدان، بينما واجبنا أن نخلق مساحات للتلاقي من خلال الكتاب، المسرح، الموسيقى، وغيرها. ليس من المهم أن يشتري الناس هذه المرة، الأهم أن يأتوا، أن يلتقوا، أن يخرجوا من بيوتهم وهمومهم. نحن نريد بعد الانهيار الاقتصادي وانفجار بيروت وكورونا، وكل الكوارث التي حلّت بنا خلال السنتين الفائتتين، أن نرى الناس تلملم نفسها من جديد».
كانت المعارض في السنوات السابقة تقام في «سي سايد آرينا» وسط بيروت، على مساحة 10 آلاف متر مربع، لكن هذ الصالة الضخمة، نُسفت بسبب انفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب) 2020، وتم ترميم جانب منها، مساحته 4 آلاف متر سيستقبل كل الدور المشاركة، فيما ثمة وعد بأن الصالة كلها ستكون قد رُمِّمت في نهاية السنة، وحلول الموعد المقبل للمعرض.
جهاد شبارو، صاحب «الدار العربية للعلوم» التي لم تشارك في المعرض، مقتنع بأن الظروف غير مواتية، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «المبنى غير جاهز بعد، ومواقف السيارات لم ينظم وضعها بعد. وعندما سئل الناشرون عن تنظيم المعرض الآن غالبيتهم لم يوافقوا، كذلك حال النقابة التي لن تشارك. ولم نحب أن نكسر قرارها. قلنا لهم: نحن لا نريد فشلاً. دعوا المعرض يحدث في الوقت المناسب، ونحن على استعداد للمشاركة بأسعار رخيصة».
أما رشا الأمير، صاحبة «دار الجديد» التي لن تشارك هي الأخرى، فكتبت على صفحة الدار على «فيسبوك»: «(دار الجديد) التي شاركت منذ تأسيسها في هذا المعرض، تحتجب هذا العام. آن أوان بعض المصارحة. كتبنا عبر موقعنا بالمجّان. كتبنا عبر (أمازون) لمن يستطيع شراء الكتب بهذه الحلّة المريحة (تكبير وتصغير الخطّ، قاموس مدمج، إمكانيّة تدوين ملاحظات، إلخ). معارض الكتب في عرفنا واجهات ليس إلّا ومنظرة لا تخدم القارئ. القارئ، القارئ بغناء عن بهرج نرجسي لم يعد ضمن أولويّاتنا».
لكن هذا ليس رأي القراء، الذين عبّروا عن سعادتهم عبر صفحاتهم على «فيسبوك»، لرؤية المعرض يعود، كأنه يؤشر إلى فرج قد يَلوح قريباً.
وكانت سلوى السنيورة بعاصيري، رئيسة النادي الثقافي العربي (المنظِّم للحدث) قد رأت أن إقامة المعرض اليوم هو «عملية استنهاض ثقافي لبيروت العاصمة التي تنكسر ولا تنهزم» وردت على مقولة البعض: «إن الظروف لا تسمح»، بأن «الإنسان هو من يوفر الظروف وهو من يفسح المجال للهزيمة أو يقرر التغلب عليها. وإذا كانت عنده الإرادة فحتماً سيقف مجدداً».
ويوافقها الناشر سليمان بختي قائلاً: «يجب ألا نترك الكتاب وحيداً. هذا المعرض لنا، نحن نصلحه، ونحن من نفسده. كنت أتمنى مشاركة الجميع، مع احترامي لرأي المعترضين. نحن سنكون حاضرين، وسنؤمّن التكاليف، ولا نعرف إذا كنا سنعوّضها، فنحن نختبر وضعاً جديداً. لكن إذا لم يحصل المعرض، فثمة نقص. نريد أن نستمر، لأن الثقافة من معالم حياتنا، وكلما كثر عدد المتحدين، كانت المحاولة أجدى، وأشرف».
ثمة مشكلات تواجه المعرض، وهذا لا يخفيه أحد، لكنّ ثمة جهوداً هائلة تُبذل من النادي الثقافي والكثير من الدور التي ترى في احتجاب دور أساسية عن المشاركة موقفاً غير مبرَّر ولا مفهوم خصوصاً أن هذه الدور تشارك في كل المعارض العربية، وجميعها كان يفترض أن تكون في معرضي البحرين والكويت اللذين أُلغيا، بسبب «كورونا».
وسيُحرم معرض بيروت هذه السنة من زيارة طلاب المدارس التي لن تتمكن من المشاركة بنشاطات كما جرت العادة، بسبب ارتفاع تكلفة التنقلات. كما أن عدداً من الناشرين واجهوا صعوبات لتأمين أرفف للعرض بأسعار في متناولهم. كل الترتيبات اللوجيستية، كانت دونها عقبات. وهو بالفعل ما جعل المنظمين يتعاملون مع تحديات لم يسبق لهم أن واجهوا مثيلاً لها.
يشارك الكثير من الفنانين والمثقفين في النشاطات اليومية المصاحبة للمعرض. ففي اليوم الثاني حوار بين الشعر والموسيقى، بمشاركة هبة القواس وزاهي وهبي. وعلى البرنامج أمسية موسيقية بعنوان «على درب الشعر من طرابلس إلى بيروت»، وأمسية طربية لـ«فرقة بيكار بيروت»، ومن المصادفات أن يقام يوم للثقافة الأوكرانية في وقت تملأ فيه أخبار هذا البلد الشاشات، ولا بد أن الجمهور يتمنى أن يعرف الوجه الآخر لبلد تعصف به الحرب. وضمن البرنامج احتفال بمئوية فرج أنطون، بمشاركة كرم الحلوة، وعلي حمية، ومحمود شريح، وصقر أبو فخر، وسليمان بختي، وتقديم ميشال مبارك. كما ستعقد ندوة بعنوان «أمكنة الرواية والارتحال نحوها» يشارك فيها الروائي الجزائري واسيني الأعرج. وثمة جلسة عن «مذكرات انتصار الوزير»، بمشاركة انتصار الوزير وصقر أبو فخر. ويوجه المعرض تحية إلى الناشر رياض نجيب الريس: بمشاركة فواز طرابلسي، ويحيى جابر، ويوسف بزي، وخولة مطر. ونقاش حول كتاب «الوثائق الحقيقية لسلطان باشا الأطرش». إضافةً إلى «بيروت والاستشراق»، بمشاركة نادر سراج، وعماد الدين رائف.
تشارك في هذه الدورة 90 دار نشر لبنانية، ودور مصرية وسورية وعراقية. كما تقام على هامشه 30 فعالية تتوزع بين ندوات ثقافية فكرية وتواقيع لإصدارات جديدة وحفلات موسيقية والكثير من الأنشطة التي ستكون يومياً لبهجة الزائرين.
«معرض بيروت العربي للكتاب»، هو أول معرض شهده العالم العربي، وكان ذلك عام 1956 حين قام «النادي الثقافي العربي» بتنظيمه فِي الجامعة الأميركية فِي بيروت واستمر لِمدة ثلاثة أَيام، وبسبب نجاحه، أصبح سنوياً، وموعداً ثقافياً ينتظره القراء والناشرون. وفيما بعد حمل اسم «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، وتستمر الدورة الحالية حتى 13 من الشهر.
«بيروت للكتاب» يعلن «الصمود» و«التحدي»
يُفتتح اليوم رغم غياب دور نشر وازنة
«بيروت للكتاب» يعلن «الصمود» و«التحدي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة