السعودية وقبرص لتكامل اقتصادي يمتص الصدمات الجيوسياسية

اقتصاديون لـ«الشرق الأوسط»: فرص استثمارية واعدة تعزز تطور العلاقة الثنائية

وزير التجارة ماجد بن عبد الله القصبي مجتمعاً مع نظيرته القبرصية ناتاشا بيليديس في الرياض أمس (واس)
وزير التجارة ماجد بن عبد الله القصبي مجتمعاً مع نظيرته القبرصية ناتاشا بيليديس في الرياض أمس (واس)
TT

السعودية وقبرص لتكامل اقتصادي يمتص الصدمات الجيوسياسية

وزير التجارة ماجد بن عبد الله القصبي مجتمعاً مع نظيرته القبرصية ناتاشا بيليديس في الرياض أمس (واس)
وزير التجارة ماجد بن عبد الله القصبي مجتمعاً مع نظيرته القبرصية ناتاشا بيليديس في الرياض أمس (واس)

رفعت زيارة الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس للسعودية، أمس (الثلاثاء)، سقف تطلعات البلدين لتعزيز التعاون الاستراتيجي الشامل، في ظل مستجدات جيوسياسية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتخوفات أوروبية من شح إمدادات الغاز والطاقة.
وأكد اقتصاديون أن الفرص المتوفرة كفيلة بأن تشكل تكاملا مطلوبا لاقتصادي البلدين، في ظل اعتزام شركة «أرامكو» على إطلاق استثمارات للنفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، مشيرين إلى أن زيارة الرئيس القبرصي للمملكة تعزز تطور العلاقات الثنائية بعد إبرام اتفاقيات سابقة بينها تجنب الازدواج الضريبي، والبرنامج التنفيذي بين الهيئة العامة للطيران المدني ووزارة النقل القبرصية، فضلا عما يجمع الدولتين من اهتمامات ذات أبعاد جيوسياسية تتصل بالأمن والاستقرار في منطقتي الشرق الأوسط وشرقي المتوسط.
وقال فضل البوعينين، عضو مجلس الشورى السعودي لـ«الشرق الأوسط»: «تؤكد الزيارة الثانية للرئيس القبرصي إلى المملكة، على مؤشر عزم البلدين على الارتقاء بالعلاقات المشتركة إلى مرحلة متقدمة من الشراكة النوعية، ودعم الاستثمارات البينية، واستثمار الفرص المتاحة وربما خلق مشروعات مشتركة كبرى تزيد في عمق العلاقات الاقتصادية المشتركة التي تعتبر قاعدة رئيسية لبناء العلاقات السياسية الموثوقة والمستدامة».
وأضاف أن صندوق الإستثمارات العامة قد يكون من اللاعبين الرئيسيين في العلاقات الاستثمارية المشتركة بين البلدين، وفق رؤية المملكة 2030 وأهدافها الاستثمارية المعلنة، مشيرا إلى أن الزيارة تعمق العلاقات الثنائية المشتركة في مختلف المجالات، وتفعل الاتفاقيات التي تم توقيعها في الزيارة الأولى، وعقد شراكات اقتصادية جديدة.
ووفق البوعينين، تعتبر قبرص جزءا من السوق الأوروبية المشتركة، وهذا يعطي بعدا استراتيجيا للاستثمارات السعودية، وبخاصة في قطاع النفط والغاز والتجارة عموما، حيث يعتبر النفاذ المباشر إلى الأسواق الأوروبية قيمة مضافة للاستثمارات السعودية المختلفة.
وعلى الرغم من أهمية المشاورات السياسية والتنسيق بين البلدين في بعض الملفات المهمة، بحسب البوعينين، فإن الجانب الاقتصادي سيأخذ حيزا مهما من الزيارة، حيث تعتبر الاستثمارات المشتركة في قطاع الطاقة والغاز، والسياحة، والقطاع المالي من أهم القطاعات الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، لافتاً إلى المستثمرين السعوديين يبحثون عن الفرص النوعية وبخاصة في القطاع السياحي الذي تعتبر قبرص من أهم الدول التي تمتلك المقومات والقدرة على خلق المشروعات العالمية النوعية.
وبين البوعينين أن قبرص عينها على مجال قطاع الطاقة، منوها بأن هناك اهتماما واضحا من قبل «أرامكو السعودية» بالاستثمار في قطاعي النفط والغاز القبرصي، خاصة مع توفر كميات كبيرة من الغاز في مناطقها الاقتصادية، مبيناً أن الشركة تمتلك الإمكانيات الفنية والملاءة المالية والرغبة في التوسع خارج المملكة ما يجعلها أكثر اهتماما بقطاع الطاقة القبرصي، وممارسة أنشطتها من خلاله وبما يعود بالنفع على الجميع.
من جانبه، أكد الدكتور عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية بجازان السعودية، أن زيارة الرئيس القبرصي للمملكة هذه المرحلة، ستسهم في ترجمة التفاهمات التي أثمرتها زيارته الأولى خلال العام الماضي، على أرض الواقع، في ظل وجود فرص في البلدين، من شأنها أن تمكن البلدين من مواجهة التحديات الجيوسياسية التي أفرزتها مستجدات الأحداث.
وفي ظل الأزمة الروسية الأوكرانية التي تنعكس على ضخ الإمدادات المتنوعة على معظم بلاد العالم، قال باعشن، إن لهذه الزيارة بعدا جيوسياسيا لقبرص ولأوروبا في ظل توسع شركة الزيت السعودية واعتزامها إطلاق استثمارات ضخمة في قطاعات الطاقة والغاز في قبرص، متوقعا أن تثمر الاتفاقيات بين البلدين تكاملا اقتصاديا سيمتص صدمة المستجدات الجيوسياسية الراهنة.
وبحسب باعشن هناك مساحة واسعة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، في ظل ما توفره المملكة من فرص كبيرة، من شأنها أن تسهم في نمو الاقتصاد القبرصي الذي يحتل المرتبة 107 عالميا، وزيادة كفاءته أمام الأزمات السياسية الحالية في أوروبا، وارتفاع أسعار الطاقة والغاز بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حتى تحافظ قبرص على نمو اقتصادها كأحد أسرع الاقتصادات الأوروبية نمواً.


مقالات ذات صلة

«الربط الجوي» السعودي يستعرض تطورات الطيران في هونغ كونغ

الاقتصاد المدير التنفيذي لبرنامج الربط الجوي ماجد خان خلال إحدى الجلسات الحوارية (الشرق الأوسط)

«الربط الجوي» السعودي يستعرض تطورات الطيران في هونغ كونغ

شارك برنامج الربط الجوي، اليوم الأربعاء، في أعمال مؤتمر كابا آسيا «CAPA» بمدينة هونغ كونغ الصينية؛ أحد أهم المؤتمرات لالتقاء قادة مجال الطيران.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ)
الاقتصاد قرر مجلس إدارة «أرامكو» توزيع أرباح بقيمة إجمالية 31.1 مليار دولار (رويترز)

«أرامكو» تحافظ على أكبر توزيعات أرباح في العالم

أبقت شركة «أرامكو السعودية» على توزيعاتها ربع السنوية بقيمة 31.1 مليار دولار، محافظةً بذلك على التوزيعات الأكبر في العالم. كما حققت دخلاً صافياً بقيمة 27.6.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد وزير التجارة السعودي متحدثاً للحضور في منتدى الأعمال التركي - السعودي (الشرق الأوسط)

السعودية تؤكد أهمية توسيع التكامل الاقتصادي بين دول «الكومسيك»

أكَّد وزير التجارة، الدكتور ماجد القصبي، أهمية مضاعفة الجهود لتوسيع آفاق التعاون المشترك، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء بمنظمة «الكومسيك».

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
الاقتصاد جناح «أرامكو» في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار العالمي» المقام في الرياض (المؤتمر)

«أرامكو» تحافظ على توزيعات بقيمة 31 مليار دولار رغم تراجع أرباحها

احتفظت «أرامكو السعودية» بأكبر توزيعات في العالم، على الرغم من تراجع أرباحها في الربع الثالث من 2024 بنسبة 15 في المائة، نتيجة ضعف الطلب العالمي على النفط.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المركز السعودي للأعمال (الشرق الأوسط)

110 تشريعات تعزز البيئة التجارية في السعودية

تمكنت السعودية من إصدار وتطوير أكثر من 110 تشريعات خلال الأعوام الثمانية الأخيرة، التي عززت الثقة في البيئة التجارية وسهلت إجراءات بدء وممارسة الأعمال.

بندر مسلم (الرياض)

منطقة اليورو مهددة بركود اقتصادي بعد فوز ترمب

سفينة حاويات تُفرغ حمولتها في ميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
سفينة حاويات تُفرغ حمولتها في ميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
TT

منطقة اليورو مهددة بركود اقتصادي بعد فوز ترمب

سفينة حاويات تُفرغ حمولتها في ميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
سفينة حاويات تُفرغ حمولتها في ميناء هامبورغ الألماني (رويترز)

مع تحول «ترمب 2.0» إلى واقع، أصبحت أوروبا على استعداد لنزول مستنقع جيوسياسي وتجاري جديد مع أكبر شركائها التجاريين.

وقد يلحق فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية الضرر بالاقتصاد الأوروبي، فالرسوم الجمركية الأميركية المقترحة بنسبة 10 في المائة قد تؤثر على الصادرات الأوروبية، مثل السيارات والمواد الكيميائية، مما يؤدي إلى تآكل الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي بنسبة تصل إلى 1.5 في المائة أو نحو 260 مليار يورو.

ويحذر المحللون من خفض «البنك المركزي الأوروبي» أسعار الفائدة، وضعف اليورو، وخطر الركود.

وفق كثير من التحليلات الاقتصادية، هناك اتفاق واسع النطاق على أن التعريفات الجمركية الشاملة التي اقترحها ترمب بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات الأميركية، قد تعطل النمو الأوروبي بشكل كبير، وتزيد من حدة التباين في السياسة النقدية، وتفرض ضغوطاً على القطاعات الرئيسية المعتمدة على التجارة، مثل السيارات والمواد الكيميائية.

وقد تكون التأثيرات طويلة الأجل على مرونة الاقتصاد الأوروبي أكثر أهمية؛ إذا كانت التعريفات الجمركية أدت إلى صراعات تجارية مطولة، مما دفع «البنك المركزي الأوروبي» إلى الاستجابة بخفض أسعار الفائدة بشكل كبير لتخفيف التأثير، وفق «يورو نيوز».

والرسوم الجمركية التي اقترحها ترمب على الواردات، بما فيها تلك الآتية من أوروبا، قد تؤثر بشكل عميق على قطاعات تعتمد بشكل كبير على الصادرات إلى أميركا.

وتظهر بيانات «المفوضية الأوروبية» أن «الاتحاد الأوروبي» صدّر سلعاً بقيمة 502.3 مليار يورو إلى الولايات المتحدة في عام 2023، وهو ما يمثل خُمس إجمالي الصادرات غير الأوروبية.

وتتصدر الصادراتِ الأوروبية إلى الولايات المتحدة الآلاتُ والمركباتُ (207.6 مليار يورو)، والمواد الكيميائية (137.4 مليار يورو)، والسلع المصنَّعة الأخرى (103.7 مليار يورو)، وتشكل معاً نحو 90 في المائة من صادرات الكتلة عبر المحيط الأطلسي.

ويحذر محللون في بنك «إيه بي إن أمرو» بأن الرسوم الجمركية «ستتسبب في انهيار الصادرات إلى الولايات المتحدة»، حيث من المرجح أن تكون الاقتصادات المعتمدة على التجارة، مثل ألمانيا وهولندا، الأكثر تضرراً.

ووفق «البنك المركزي الهولندي»، فإن الرسوم الجمركية المتوقعة من شأنها أن تخفض النمو الأوروبي بنحو 1.5 نقطة مئوية، وهو ما يعني خسارة اقتصادية محتملة قدرها 260 مليار يورو، استناداً إلى الناتج المحلي الإجمالي المقدر لأوروبا في عام 2024 بنحو 17.4 تريليون يورو.

وإذا تعثر نمو أوروبا تحت وطأة هذه الرسوم الجمركية المقترحة، فقد يضطر «البنك المركزي الأوروبي» إلى الرد بقوة، وخفض أسعار الفائدة إلى نحو الصفر بحلول عام 2025.

وفي المقابل، قد يستمر «بنك الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي في رفع أسعار الفائدة، مما يؤدي إلى «أحد أكبر وأطول الاختلافات في السياسة النقدية» بين «البنك المركزي الأوروبي» و«الاحتياطي الفيدرالي» منذ إنشاء اليورو في عام 1999.

يرى ديرك شوماخر، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي الأوروبي في مؤسسة «ناتيكسيس كوربوريت» الألمانية، أن زيادة التعريفات بنسبة 10 في المائة قد تقلل الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.5 في المائة بألمانيا، و0.3 في المائة بفرنسا، و0.4 في المائة بإيطاليا، و0.2 في المائة بإسبانيا.

ويحذر شوماخر بأن «منطقة اليورو قد تنزلق إلى الركود بتأثير التعريفات الجمركية الأعلى».

كما أن أرباح الشركات الأوروبية والاستثمارات في خطر، فوفقاً لخبراء الاقتصاد في «غولدمان ساكس»، فمن المرجح أن تؤدي التعريفات الجمركية واسعة النطاق إلى تآكل الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنحو واحد في المائة.

ويتوقع الخبراء أن تؤدي خسارة واحد في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى ضربة لأرباح سهم «EPS» للشركات الأوروبية بنسبة بين 6 و7 نقاط مئوية، وهذا سيكون كافياً لمحو نمو ربح السهم المتوقع لعام 2025.