تظاهرة ثقافية لبنانية احتفاء بـ{الفن التشكيلي»

المرتضى خلال افتتاح معرض التشكيليين (الشرق الأوسط)
المرتضى خلال افتتاح معرض التشكيليين (الشرق الأوسط)
TT

تظاهرة ثقافية لبنانية احتفاء بـ{الفن التشكيلي»

المرتضى خلال افتتاح معرض التشكيليين (الشرق الأوسط)
المرتضى خلال افتتاح معرض التشكيليين (الشرق الأوسط)

في 25 فبراير (شباط) من عام 1957، تأسست جمعية الفنانين التشكيليين في لبنان، ليتحوّل هذا التاريخ إلى مناسبة سنوية تعرف بـ«اليوم الوطني للفن التشكيلي». ومنذ 26 عاماً يُحتفل بهذا اليوم؛ ولكنّه مع الوقت غاب عن الساحة، بسبب أوضاع لبنان المضطربة، ومؤخراً لانتشار جائحة «كورونا».
وبهذه المناسبة، قررت نقابة الفنانين التشكيليين في لبنان إطلاق هذا النشاط مجدداً وتحويله إلى «عيد» ضمن تظاهرة فتح قصر اليونيسكو أبوابه لاحتضانها. ومع 300 فنان جاءوا من مختلف المناطق اللبنانية، يستطلع زائر المعرض نحو 300 لوحة ومنحوتة تشكيلية.
ويعلّق رئيس جمعية الفنانين التشكيليين في لبنان ميشال روحانا لـ«الشرق الأوسط» بالقول إنّ «لهذه المناسبة اليوم، معاني كثيرة. تخيلي أنّ أوّل معرض نظّمته الجمعية منذ 26 عاماً كان في هذا القصر. وشكّل يومها أول تظاهرة فنية اجتمع وشارك فيها فنانون كثيرون». ويتابع: «جمعية الفنانين التشكيليين للرسم والنحت لعبت دوراً أساسياً في تشجيع الرسامين وإبراز مواهبهم. فهي التي قامت بالمجهود وتعاونت مع وزارة التربية والفنون الجميلة في حقبة الخمسينات كي تترك خميرة فنية نراها تكبر وتنمو يوماً بعد يوم».
نظّمت نقابة الفنانين التشكيليين المعرض بالتعاون مع «جمعية الفنانين التشكيليين للرسم والنحت»، وبرعاية وزارة الثقافة. وتم الافتتاح بحضور وزير الثقافة محمد وسيم المرتضى وعدد من الفنانين التشكيليين الذين رغبوا في دعم هذه المناسبة وتشجيعها. ورأى الوزير المرتضى أنّ هذا الحدث ينعكس إيجاباً على الفنانين التشكيليين المتروكين كغيرهم من اللبنانيين لمصير مجهول. وقال، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «اليوم هو بمثابة عيد وطني يعطي نفحة إيجابية للفنانين الذين يعانون كغيرهم من اللبنانيين من الأزمة الاقتصادية المتردية في لبنان. في هذا الحدث نتعرف على هؤلاء الفنانين، كما أنّنا نحييهم لأنّهم رغم هذه الظروف يجاهدون ويلوّنون يومياتنا بلوحاتهم وأسلوبهم الفني الرائع».
وتقول ريتا كيروز، أمينة سر نقابة الفنانين التشكيليين اللبنانيين، إنّ هذا الحدث هو بمثابة واحة مضيئة في ظل العتمة التي نعيشها. وتضيف، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يأتي هذا المعرض بعد غياب دام نحو 6 سنوات بسبب الأزمة الاقتصادية التي نمر بها من ناحية وجائحة (كوفيد – 19) من ناحية أخرى».
وتصف كيروز التي تشارك بالمعرض من خلال لوحة «المظلة» هذا الحدث بالضخم، كونه يضم 300 فنان تشكيلي عادوا إلى الساحة بعد فترة شلل قسرية. وتتابع: «لم يكن لدينا الوقت الكافي كي يُحضر جميع الفنانين المشاركين لوحات جديدة، ولذلك قدّم بعضهم لوحات رسموها قبل فترة وجيزة، وآخرون شاركوا من خلال لوحات تتناول موضوعات حديثة».
وتتحدث كيروز عن لوحتها وتقول، لـ«الشرق الأوسط»، إنّها «مصنوعة بتقنية الأكليريك وسميتها (المظلة) لأنّ محورها حاجة أطفالنا إلى السلام والعيش بأمان. وقد رسمتها خصيصاً لهذا المعرض كي أطلّ من خلالها على أزمة يعيشها أطفالنا اليوم».
من ناحيته، أكّد الفنان برنار رنو، المشارك في المعرض، أنّ من واجب كل فنان لبناني أن يكون حاضراً في هذا الحدث حباً بلبنان وأقله في هذا اليوم. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «ما نشهده اليوم هو عُرس نحتفي به بجميع الفنانين التشكيليين من نحاتين ورسامين. وأرى في هذا الحدث نواة لمعارض أخرى مستقبلية، وربما حجر أساس لمتحف نطالب بإقامته للفن التشكيلي».
وفي هذه المناسبة كرّمت نقابة الفنانين التشكيليين بمبادرة من رئيسها الدكتور نزار ضاهر 8 فنانين تشكيليين راحلين، بينهم سمير أبي راشد، وهاروت طوروسيان، والياس ديب، ووجيه نحلة، وعماد أبو عجرم وغيرهم.
ومن الموضوعات التي تناولتها لوحات الرسامين المشاركين، القرية والوطن والموسيقى والطفل والمرأة وغيرها. ومن الفنانات المشاركات، غابرييلا كنعان من خلال لوحة «من فضلك هدوء»، تصوّر آلتي الغيتار الضخم والكمان الأصغر حجماً. وتقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هي لوحة أكليريك استوحيتها من المناسبة وأطلقت عليها هذا العنوان لأنّ الموسيقى والهدوء والرسم موضوعات تتناغم مع بعضها. وكذلك لأنّ هذا المعرض حقّق لنا فسحة هدوءٍ نحتاج إليها».
ومن اللوحات المعروضة أيضاً، واحدة زيتية لنقيب الفنانين التشكيليين نزار ضاهر بعنوان «قريتي»، فيما تعرض لينا أيدينيان لوحة زيتية بألوان دافئة تخاطب فيها المرأة الحالمة.
ورأى الفنان التشكيلي سعد شيبان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنّ هذه التظاهرة الفنية هي بمثابة عيد يلوّن أيامنا القاتمة. ويتابع: «الفن التشكيلي وصل إلى حالة من الشرذمة، إذ دخله أشخاص غير مؤهلين للانتماء إلى عالمه. وأتصور أنّ هذا المعرض وضع حداً للفوضى التي تعم هذه الساحة، بعدما جمع تحت سقفه الفنانين التشكيليين الحقيقيين. فلهذا الفن أُسس وقواعد معتمدة لا يمكننا تجاوزها. كما أنّ هذا التجمع سادته أجواء لبنان الموحد، لأنّ المشاركين فيه جاءوا من مختلف مناطقه».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».