مهنيو السينما في المغرب يشددون على تطوير قانون صناعة القطاع

خلال يوم دراسي نظم ضمن فعاليات مهرجان الفيلم في طنجة

نور الدين الصايل المدير العام للمركز السينمائي المغربي، وبجانبه عبد الله ساعف رئيس لجنة التحكيم في المهرجان («الشرق الأوسط»)
نور الدين الصايل المدير العام للمركز السينمائي المغربي، وبجانبه عبد الله ساعف رئيس لجنة التحكيم في المهرجان («الشرق الأوسط»)
TT

مهنيو السينما في المغرب يشددون على تطوير قانون صناعة القطاع

نور الدين الصايل المدير العام للمركز السينمائي المغربي، وبجانبه عبد الله ساعف رئيس لجنة التحكيم في المهرجان («الشرق الأوسط»)
نور الدين الصايل المدير العام للمركز السينمائي المغربي، وبجانبه عبد الله ساعف رئيس لجنة التحكيم في المهرجان («الشرق الأوسط»)

أجمع مهنيو قطاع السينما في المغرب على ضرورة تطوير المنظومة القانونية للصناعة السينمائية المغربية، منبهين إلى انخفاض قاعات السينما بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وقال المهنيون أثناء حديثهم أول من أمس في طنجة، خلال يوم دراسي بعنوان «تطوير المنظومة القانونية للصناعة السينمائية على ضوء توصيات الكتاب الأبيض للسينما المغربية»، إن القطاع السينمائي بحاجة إلى قانون جديد يجري من خلاله تدارك الثغرات القانونية، لا سيما على مستوى الإنتاج والتوزيع والاستغلال.
يشار إلى أن اللقاء عرف غياب مصطفى الخلفي، وزير الاتصال (الإعلام) المغربي، حيث ذكر المنظمون أنه تعذر عليه الحضور لوجوده خارج البلاد.
وأكد المهنيون، خلال اللقاء المهني الذي نظم على هامش الدورة الـ15 لمهرجان الفيلم المغربي الذي تحتضنه مدينة طنجة من السابع إلى 15 فبراير (شباط) الحالي، على أن الثورة الرقمية توفر إمكانات جديدة للإبداع على مستوى الإنتاج، وكذا انخفاضا كبيرا في تكاليف نسخ الأفلام بالنسبة للتوزيع، ومرونة وفرصا أكبر لتنويع المحتوى بخصوص الاستغلال.
وتناول المهنيون في مناقشاتهم، مشروع قانون السينما، وتأثير الثورة الرقمية على القطاع، وعرضوا الاتجاهات العالمية في السنوات الخمس الأخيرة، إضافة إلى إعطاء فكرة عن قوانين السينما المصنفة عبر العالم، كما توقفوا عند أبرز المحاور التي سيتناولها مشروع القانون السينمائي بالمغرب، والمتمثلة في التنظيم الإداري ومهن السينما والخدمات المسموعة والمرئية والتعاون الدولي والأنشطة الثقافية والوساطة وصندوق الدعم والرقابة والأحكام الجزائية.
ويرى نور الدين الصايل، المدير العام للمركز السينمائي المغربي، أن أهم ما أنجز في السنة الماضية هو الكتاب الأبيض، مشيرا إلى أن لجنته تكونت من 25 شخصا، وأنه يحتم على المهنيين تغيير النظام السينمائي المغربي، وذكر الصايل أنه خلال لقاء الرباط الذي جمعه مع وزير الاتصال (الإعلام) مصطفى الخلفي، تقرر أن تكون سنة 2014 سنة السينما وإعادة النظر في الهيكل السينمائي المغربي، مضيفا أن الحكومة ستكون قادرة على تقديم القانون للنقاش وطرحه في البرلمان.
ودعا الصايل إلى تكوين لجنة تضم ممثلين عن وزارة الاتصال والمركز السينمائي المغربي وعن المهنيين، من أجل السهر على القرارات النهائية بخصوص الكتاب الأبيض والمساهمة في بلورة القانون السينمائي الجديد.
وقال الصايل إن الثورة الرقمية غيرت الكثير على مستوى الإنتاج والاستغلال وغيرت العلاقة التقليدية التي تضبط مختلف مراحل صناعة الأفلام، كما دعا الصايل إلى ضرورة تغيير هيكل المركز السينمائي، وعزا ذلك إلى افتقاره لوسائل المواكبة والمساهمة في القفزة النوعية التي يشهدها مجال الصناعة السينمائية، مبرزا أن هناك إرادة حقيقية للمغرب من أجل تغيير قانون السينما، وأنه يجب على القانون أن يسد ثغرات استغلال قاعات السينما وأن ينسجم مع باقي القوانين الأخرى.
وبخصوص القرصنة، قال الصايل «إن المركز العالمي للقرصنة الآن هو درب غلف (سوق تقليدية في الدار البيضاء، أضحت شهرتها عالمية)» مشيرا إلى أن هناك لجانا تراقب وتحارب القرصنة تكون بمعيتها وزارة العدل والشرطة القضائية، مضيفا أنه يصعب أو يستحيل محاربة القرصنة في ظل تطور الوسائل التكنولوجية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)