القطاع المالي محور استراتيجية الغرب لـ«محاصرة» روسيا بعد غزو أوكرانيا

شعار منظومة «سويفت» على خلفية العلم الروسي (رويترز)
شعار منظومة «سويفت» على خلفية العلم الروسي (رويترز)
TT

القطاع المالي محور استراتيجية الغرب لـ«محاصرة» روسيا بعد غزو أوكرانيا

شعار منظومة «سويفت» على خلفية العلم الروسي (رويترز)
شعار منظومة «سويفت» على خلفية العلم الروسي (رويترز)

تركز الدول الغربية في استراتيجيتها لمعاقبة روسيا بعد غزوها الأراضي الأوكرانية على القطاع المالي، اذ فرضت عليه عقوبات مباشرة، إضافة الى تجميد أصول الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف.
وبعدما أعلن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تجميد أصول بوتين ولافروف، أكد البيت الأبيض، أمس الجمعة، أن الولايات المتحدة ستحذو حذو حلفائها وتفرض عقوبات على الرئيس ووزير خارجيته، بما يشمل منعهما من دخول أراضيها.
وأدرج الاتحاد الأوروبي على لائحته السوداء، أعضاء مجلس النواب الروسي (الدوما)، و26 من رجال الأعمال الروس.
كما تلزم العقوبات المصارف الأوروبية رفض أي ايداع مالي من مواطنين روس تفوق قيمته 100 ألف يورو. وستُمنع العديد من الشركات الروسية المرتبطة بالدولة من نيل تمويل أوروبي.
من جهتها، أعلنت كندا أنها ستفرض عقوبات على «58 شخصية وكياناً» روسيا بمن فيهم «أشخاص من النخبة الروسية» و«مصارف روسية كبيرة» و«أعضاء في مجلس الأمن القومي الروسي»، على أن تشمل هذه العقوبات بوتين ولافروف.
كما أعلنت اليابان «تجميد الأصول وتعليق منح تأشيرات الدخول لأشخاص ومنظمات روسية»، إضافة الى تجميد أصول مؤسسات مالية روسية.
وتستهدف أستراليا على وجه التحديد المتموّلين الروس وكل أعضاء الدوما، وتستعد لفرض عقوبات على بوتين ولافروف.
وركزت عقوبات واشنطن ولندن على عدد من المصارف الروسية وأبرزها «في تي بي» الذي أعلن أن استخدام زبائنه لبطاقات «فيزا» و«ماستركارد» الصادرة عنه بات «غير ممكن».
وقال ستيفان لو فسكونت، المحامي في مكتب «لينكلاترز»، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «استبعاد مصرف من النظام المصرفي الأميركي هدفه الحؤول دون تمكنه من سداد مدفوعات بالدولار». واستبعد فرض إجراءات مماثلة مرتبطة باليورو «نظرا لوجود مسائل مرتبطة بالاعفاءات المتعلقة بمدفوعات (مصادر) الطاقة» التي تستوردها دول أوروبية عدة من روسيا، خصوصا الغاز والنفط.
بالنسبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، تبقى العقوبات المعلنة حتى الآن ما دون المطلوب، وقد دعا عبر تويتر الى «زيادة الضغط على روسيا».

واحتفظت الدول الغربية الحليفة بخيار استبعاد روسيا من منظومة «سويفت» للتعاملات بين المصارف، إحدى أبرز الأدوات في النظام المالي العالمي.
وسيكون استبعاد موسكو من هذه المنظومة من أقسى العقوبات التي يمكن للدول الغربية فرضها. لكن الخطوة لم تحظَ بعد بالاجماع خصوصا في ظل تخوف عدة دول أوروبية من أن تؤثر على امداداتها في مجال الطاقة من روسيا.
من جهته، اعتبر لو فسكونت أن العقوبات حتى الآن «غير ضعيفة وغير قوية»، وهي ثمرة «تسوية» تتيح للدول الغربية أن «توجع» روسيا، من دون أن تضرّ في الوقت عينه بمصالحها الذاتية.
وتشير التقديرات الى أن احتياط روسيا من العملات الصعبة ناهز 640 مليار دولار في 18 فبراير (شباط)، نحو ضعف ما كان عليه في 2014 مع بدء التوتر بين موسكو والغرب بسبب أوكرانيا. وتصل أصول الصندوق السيادي الروسي الى 175 مليار دولار، مما قد يتيح لموسكو تمويل الشركات الاستراتيجية، والمملوكة بجزء كبير منها للدولة.
تجدر الإشارة إلى أن لدى العديد من المصارف الأوروبية فروعاً أو شركات تابعة في روسيا، أبرزها «سوسييتيه جنرال» الفرنسي و«أونيكريدي» الإيطالي و«ريفشن بنك انترناشونال» النمسوي.
وأوضح لو فسكونت أن هذه المصارف «لا تواجه الى الآن تبعات قانونية»، الا أنها «ستعمل في بلد حيث ستتراجع قيمة العملة المحلية (الروبل)، وتواجه خطر زيادة التضخم بشكل حاد». كما سيكون عليها الاستغناء عن بعض زبائنها في حال تم تجميد أصولهم.

وأكد «سوسييتيه جنرال» و«أونيكريدي» لوكالة الصحافة الفرنسية، عبر متحدث باسم كل منهما، أنهما يتابعان الوضع عن كثب، مؤكدين أن نشاطهما في روسيا يشكّل نسبة ضئيلة من أعمالهما الاجمالية.
وأوضح «ريفشن بنك انترناشونال» أن لفروعه في روسيا وأوكرانيا ما يكفي من رأس المال «وتموّل نفسها ذاتياً».
قال المحامي لدى «سويفت ليتيغايشن» جوليان مارتينيه، إن التحايل على العقوبات أمر ممكن عمليا، مشيرا على سبيل المثال الى إيران التي تعاني من عقوبات أميركية صارمة تفوق بدرجة كبيرة تلك المفروضة على روسيا. وأوضح أن التحايل قد يتم عبر طرف ثالث «لكن ليس رسميا وليس مقبولا من المؤسسات المصرفية الكبيرة» التي تفرض قيودا صارمة في مجال «مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب».
لذلك، تواجه المؤسسات المالية خطر عقوبات وخيمة في حال التحايل على العقوبات. وعلى سبيل المثال، أُلزم مصرف «بي أن بي باريبا» الفرنسي بدفع غرامة مقدارها 8,9 مليار دولار لقيامه بين عامي 2004 و2012، بتحويل أموال عبر النظام المصرفي الأميركي لمصلحة سودانيين وإيرانيين وكوبيين.
وأشار المحلل في «ميرابو» جون بلاسارد الى أن الشركات النفطية الروسية مثل «روسنفت» و«غازبروم نفت» سبق لها أن أعلنت «أن خيار الدفع بعملات بديلة (عن الدولار) مدرج في العديد من عقود التزويد» المبرمة مع أطراف آخرين.
وبحسب نيكولا فلوريه، المتخصص بالصناعة المالية في شركة «ديلويت»، يمكن أن تلجأ روسيا الى استخدام العملات الرقمية كوسيلة للدفع، مشيرا الى أن موسكو تزيد إنتاجها من هذه العملات.



«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
TT

«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)

قال البنك المركزي الروسي إن مستويات أسعار النفط الحالية لا تشكل تهديداً لاستقرار الاقتصاد الروسي، لكنها قد تتحول إلى تحدٍّ خطير إذا انخفضت الأسعار دون الهدف الذي حُدد في الموازنة والذي يبلغ 60 دولاراً للبرميل.

وتشكل عائدات النفط والغاز نحو ثلث إيرادات الموازنة الروسية، وعلى الرغم من التوقعات بتراجع هذه النسبة في السنوات المقبلة، فإن إيرادات السلع الأساسية تظل تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد الروسي، كما أن سعر النفط بالروبل يعد عنصراً مهماً في الحسابات المالية للموازنة.

ووفقاً لحسابات «رويترز»، فإن سعر مزيج النفط الروسي «أورال» في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) قد تجاوز السعر المُستخدم في حسابات موازنة الدولة لعام 2024، وذلك بفضل الانخفاض الحاد في قيمة الروبل. وأكد البنك المركزي أن سعر النفط «أورال» بلغ 66.9 دولار للبرميل بداية من 15 نوفمبر.

وفي مراجعته السنوية، قال البنك المركزي: «لا تشكل مستويات أسعار النفط الحالية أي مخاطر على الاستقرار المالي لروسيا»، لكنه حذر من أنه «إذا انخفضت الأسعار دون المستوى المستهدف في الموازنة، البالغ 60 دولاراً للبرميل، فإن ذلك قد يشكل تحديات للاقتصاد والأسواق المالية، بالنظر إلى الحصة الكبيرة التي تمثلها إيرادات النفط في الصادرات الروسية».

كما أشار البنك إلى أن روسيا قد خفضت إنتاجها من النفط بنسبة 3 في المائة ليصل إلى 9.01 مليون برميل يومياً في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، وذلك في إطار التزامها باتفاقات مجموعة «أوبك بلس». وأضاف أن الخصم في سعر النفط الروسي مقارنة بسعر المؤشر العالمي قد تقلص إلى 14 في المائة في أكتوبر، مقارنة بـ 16-19 في المائة في الفترة من أبريل (نيسان) إلى مايو (أيار).

الإجراءات لدعم الروبل فعّالة

من جانبه، قال نائب محافظ البنك المركزي الروسي، فيليب جابونيا، إن البنك سيواصل اتباع سياسة سعر صرف الروبل العائم، مؤكداً أن التدابير التي اتخذها لدعم قيمة الروبل كافية وفعالة.

ووصل الروبل إلى أدنى مستوى له منذ مارس (آذار) 2022، إثر فرض أحدث جولة من العقوبات الأميركية على القطاع المالي الروسي. وفي خطوة لدعم العملة الوطنية، تدخل البنك المركزي، وأوقف شراء العملات الأجنبية بداية من 28 نوفمبر.

وفي مؤتمر صحافي، صرح جابونيا: «نعتقد أن التدابير المتبعة حالياً كافية، ونحن نلاحظ وجود مؤشرات على أن الوضع بدأ في الاستقرار». وأضاف: «إذا كانت التقلبات قصيرة الأجل الناجمة عن مشكلات الدفع تشكل تهديداً للاستقرار المالي، فنحن نمتلك مجموعة من الأدوات الفعّالة للتعامل مع هذا الوضع».

وأكد جابونيا أن سعر الفائدة القياسي المرتفع، الذي يبلغ حالياً 21 في المائة، يسهم في دعم الروبل، من خلال تعزيز جاذبية الأصول المقومة بالروبل، وتهدئة الطلب على الواردات.

وكانت أحدث العقوبات الأميركية على القطاع المالي الروسي قد استهدفت «غازبروم بنك»، الذي يتولى مدفوعات التجارة الروسية مع أوروبا، ويعد المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية في السوق المحلية. وقد أدت هذه العقوبات إلى نقص حاد في سوق العملات الأجنبية الروسية، ما تَسَبَّبَ في حالة من الهلع واندفاع المستثمرين نحو شراء العملات الأجنبية. ورغم هذه التحديات، أصر المسؤولون الروس على أنه لا توجد أسباب جوهرية وراء تراجع قيمة الروبل.

النظام المصرفي يتمتع بمرونة عالية

وفي مراجعة للاستقرار المالي، يوم الجمعة، قال المركزي الروسي إن الشركات الصغيرة فقط هي التي تواجه مشكلات في الديون في الوقت الحالي، في وقت يشكو فيه بعض الشركات من تكاليف الاقتراض المرتفعة للغاية مع بلوغ أسعار الفائدة 21 في المائة.

وأضاف أن نمو المخاطر الائتمانية قد أدى إلى انخفاض طفيف في نسبة كفاية رأس المال للبنوك الروسية في الربعين الثاني والثالث، لكنه وصف القطاع المصرفي بأنه يتمتع بمرونة عالية. كما نصح البنوك بإجراء اختبارات ضغط عند تطوير منتجات القروض، بما في ذلك سيناريوهات تتضمن بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترات طويلة.