حرب أوكرانيا... آثار على الاقتصادات الدولية

حرب أوكرانيا... آثار على الاقتصادات الدولية
TT

حرب أوكرانيا... آثار على الاقتصادات الدولية

حرب أوكرانيا... آثار على الاقتصادات الدولية

كأنه لم ينقص البشرية مشاكل كافية خلال العامين الماضيين من جائحة كورونا وما جلبته من وفيات وإصابات وإغلاق تام، وتغيير في أنماط المعيشة، اندلعت الآن حرب أوكرانيا حيث الصراع على ميزان القوى ما بين الدول الكبرى.
تتعدد الأسباب وراء هذه الحرب: منازلة حول النفوذ ما بين روسيا والولايات المتحدة على الساحة الأوروبية، صراع حول النفوذ الجيوسياسي للدولتين العظميين على أوروبا من خلال توسع رقعة الحلف الأطلسي في دول «حلف وارسو» المنحل، ومحاولة أقطار «الحلف الأطلسي» إيصال صواريخها إلى الحدود الروسية مباشرة.
كان من الممكن حل أزمة أوكرانيا كما حلت دبلوماسيا أزمة برلين 1961 وأزمة الصواريخ الكوبية 1962 خلال الحرب الباردة. لكن يتضح أن الحل العسكري الآن شبيه بالحرب الكورية 1950 - 1953 والحرب الفيتنامية 1955 - 1975 وحرب أفغانستان 1979 – 1989 وحرب احتلال العراق 2003.
تختلف الحروب الواحدة عن الأخرى. من ثم من عديم الجدوى التكهن في هذا الوقت المبكر بمدة أو طبيعة حرب أوكرانيا. لكن نظرا للمعطيات المتوفرة لكل من روسيا وأوكرانيا من موارد طبيعية ضخمة من البترول والقمح، ونظرا إلى التهديدات الغربية باستعمال سلاح العقوبات المالية والعقوبات الاقتصادية، ونظرا أيضاً، لأن هذه حرب حول الأمن الأوروبي ونفوذ حلف الأطلسي، بما معناه أنها حرب ما بين الدول الصناعية الكبرى نفسها، وليس في ساحة جانبية في قارة أخرى، فالمخاطر جسيمة، ليس فقط على هذه الدول نفسها، بل ما سيلحق ببقية دول العالم من تحديات اقتصادية، تتمثل بتأثير الحرب على إرباك الأسواق العالمية وارتفاع أسعار السلع الأساسية والبضائع الصناعية. وبما أن أغلبية الدول النامية هي أقطار مستوردة للبضائع الصناعية من الدول المتصارعة، فإن ارتفاع أسعار هذه السلع والبضائع الصناعية والخدمات في أوروبا ستتحمل وزرها أيضاً الدول النامية، ومنها طبعا بعض الدول العربية.
بما أن روسيا من الدول المنتجة الكبرى للنفط والغاز. فالحرب هذه ستصيب صناعتها النفطية، بالذات في حال تنفيذ الولايات المتحدة والدول الأوروبية تهديداتهم بالعقوبات على النظام المالي والصادرات البترولية الروسية. ففي حال تنفيذ التهديدات المعلنة، من حصار وعقوبات، فإن هذا سيؤدي إلى إرباك الأسواق، بدءا بارتفاع الأسعار، التي فاقت 100 دولار للبرميل، والتي يستمر ارتفاعها يوميا أثناء الاشتباكات العسكرية. كما ستؤثر الحرب على استمرار عمليات شركات النفط الغربية في القطاع البترولي الروسي من حيث إمكانية استمرار العمل في الحقول الروسية بمشاركة الشركات الروسية، وصعوبة حصول الصناعة الروسية على المكائن وقطع الغيار اللازمة، مما سيؤدي بدوره إلى تباطؤ تطوير القطاع وتراجع الخطط التنموية له، بمعنى إمكانية انخفاض الطاقة الإنتاجية أو التصديرية مستقبلا.

هذا ناهيك عن الخسائر المتوقعة لإيقاف خطوط تصدير الغاز، كما أعلنت ألمانيا في حال خط الغاز «نورد ستريم - 2» الذي كلف تشييده 11 مليار دولار وأصبح جاهزا للعمل في شهر سبتمبر (أيلول) 2021، لكن لا يزال متوقفا عن العمل.
ستلحق التحديات دولا عدة، وليس روسيا أو أوكرانيا فقط. إذ تعتمد ألمانيا وبقية أقطار السوق الأوروبية على ثلث استهلاكهم من الغاز على الصادرات الروسية. فمن أجل تعويض الإمدادات التي يمكن أن تتوقف أو تنخفض أو تتأخر، سيتوجب اللجوء إلى دول منتجة أخرى، مثل قطر، الولايات المتحدة، أستراليا، الجزائر أو النرويج ومصر (في حال توفر إمدادات إضافية ووسائل إنتاج ونقل لهم للتصدير). كما من الممكن أن تحول دول مستهلكة، مثل اليابان أو كوريا الجنوبية، جزءا من إمدادات الغاز التي تم استيرادها، إلى أوروبا.
إن محاولة إيجاد إمدادات غازية لتعويض أوروبا بالغاز ليس أمرا مستحيلا، لكنه صعب جدا. فالأمر سيتطلب جهودا ضخمة لتحقيق هذا الهدف. والسبب في صعوبة التعويض هو أن تجارة الغاز محددة التوجه، إذ أن الغاز المستورد يتوجه مباشرة لتوليد محطات الكهرباء أو لقيما للمصانع البتروكيماوية. فأي تأخير سيؤدي إلى توقف محطات الكهرباء، وهذا طبعا سيؤدي إلى مشاكل عدة مع المواطنين.
وحتى في حال تعويض الغاز الأوروبي، فمن المتوقع أن المعادلات السعرية ستختلف عن تلك مع الشركات الروسية المستمرة بعضها منذ عقد الثمانينات.
المشكلة في صناعة الغاز المسال هي أنها لا تتوفر لديها نفس المرونة المتوفرة في صناعة النفط. فالعقود تخدم محطات كهرباء معينة، وأي تغيير في حجم الإمدادات أو مواعيد وصولها يؤثر سلبا على الإنتاج المستمر للكهرباء.
إن قرارات الحصار والمقاطعة للغاز الروسي لأوروبا ستؤدي حتما إلى انتهاز الولايات المتحدة الفرصة في تصدير الغاز المسال إلى الأسواق الأوروبية لمنافسة موسكو في واحدة من أهم أسواقها.
وقد أصبحت الولايات المتحدة منذ الربع الأخير لعام 2021، ضمن مجموعة أكبر ثلاث دول مصدرة للغاز المسال (الولايات المتحدة، قطر، وأستراليا). والشركات الأميركية تصدر الغاز المسال للسوق الصينية. لكن، أي محاولة للفوز بجزء من حصة روسيا الغازية في السوق الأوروبية على المدى البعيد سيخلق نزاعا جديدا بين الدولتين الكبريين.
كما أن واشنطن في وضع صعب أيضاً. إذ تحاول إدارة الرئيس جو بايدن خلال الأشهر الماضية الضغط علنا على مجموعة أقطار «أوبك بلس» زيادة الإنتاج النفطي الشهري عن 400 ألف برميل يوميا، للمساعدة في تخفيض أسعار النفط وكبح جماح التضخم المالي في الولايات المتحدة الذي يتنافى مع سياسات الإدارة الأميركية، بالذات مع الانتخابات التشريعية النصفية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
إن إمكانية أوروبا الاستغناء عن الغاز الروسي سيؤدي إلى هزة كبيرة في أسعار الغاز العالمية وزيادة أسعاره، وستمتد انعكاسات هذا إلى ارتفاع سعر الغاز ومن ثم زيادة أسعار المواد الصناعية والبتروكيماوية التي تستوردها الأسواق الأجنبية، منها الأسواق العربية. كما أن ارتفاع سعر الغاز أو ارتباك تجارته سيؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على المنتجات البترولية وحتى الفحم الحجري، كما حصل خلال الأشهر الماضية.
لكن رغم إعلان ألمانيا سابقا عدم استعدادها استيراد الغاز الروسي عبر خط أنبوب «نورد ستريم - 2» في حال غزو أوكرانيا، لم يصدر حتى الآن قرار أوروبي لمقاطعة النفط أو الغاز الروسي. فالحقيقة، أن الخاسر الأكبر ستكون الأقطار الأوروبية نفسها. من جانبها، أعلنت شركة «غازبروم» الروسية أنها على استعداد لتزويد زبائنها الأوروبيين بالإمدادات الغازية المتعاقد عليها. والملاحظ أيضاً، أن الولايات المتحدة لم تضم حظر نظام «سويفت» لتحويلات الحظر على روسيا التي أعلنتها بعد الغزو، مما يعني أن العقوبات المالية ليس بنفس الشدة أيضاً التي تم التهديد بها.
من المحتمل جدا أن تتأثر سلبا نتيجة هذه الحرب المفاوضات الدولية لتصفير الانبعاثات بحلول 2050، نظرا للأجواء السلبية التي ستخيم على العلاقات الروسية –الغربية. كما من المتوقع أن تخفض الأقطار الأوروبية من جهودها للتحول بسرعة إلى الطاقات المستدامة بسبب الآثار الاقتصادية والمالية للحرب على ميزانيات دولهم.
لكن، لا تقتصر الآثار المترتبة على حرب أوكرانيا على الدول الكبرى. فمن المتوقع أيضاً أن تنعكس هذه الآثار على توفر إمدادات القمح الضخمة من روسيا وأوكرانيا على الأسواق الدولية. فدولة مثل مصر، تعتمد كل الاعتماد على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا. وأسعار القمح، كما النفط قد بدأت ترتفع. أما مدى ارتفاع أسعار القمح وتوفر إمدادات الصادرات على معدلاتها المعتادة، فهذا سيعتمد على كيفية تطور النزاع العسكري، كيفية التوصل إلى نهاية له، وما هي الفترة الزمنية لكل هذا.
سيؤدي ارتفاع أسعار النفط، كما تدل التجارب السابقة، إلى دعم ميزانيات الدول العربية المنتجة للنفط والغاز (والأمر نفسه ينطبق على إنتاج القمح). أما الدول العربية غير المنتجة للبترول أو القمح، فستجد تلك الدول ذات الأوضاع السياسية والاقتصادية المهترئة أوضاعا صعبة أكثر ما هي عليه الآن. إذ إن الطبقات العاملة وغير الميسورة في هذه الدول (سوريا، لبنان وتونس) تجد صعوبة حاليا في تلبية احتياجات عائلاتها من الطعام أو في الحصول على كلفة النقل للعمال من وإلى منازلهم ومقرات أعمالهم.



شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
TT

شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)

سجلت شركات البتروكيميائيات المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً كبيراً نتائجها المالية خلال الربع الثالث من 2024، مقارنةً بالربع المماثل من العام السابق، لتتحول إلى الربحية وبنسبة نمو تجاوزت 200 في المائة.إذ وصلت أرباحها إلى نحو 525 مليون دولار (1.97 مليار ريال) مقارنةً بتسجيلها خسائر في العام السابق وصلت إلى 516 مليون دولار (1.93 مليار ريال).

ويأتي هذا التحول للربحية في النتائج المالية لشركات القطاع، وتحقيقها لقفزة كبيرة في الأرباح، بفعل ارتفاع الإيرادات ودخل العمليات والهامش الربحي وزيادة الكميات والمنتجات المبيعة.

ومن بين 11 شركة تعمل في مجال البتروكيميائيات مدرجة في «تداول»، حققت 8 شركات ربحاً صافياً، وهي: «سابك»، و«سابك للمغذيات»، و«ينساب»، و«سبكيم»، و«المجموعة السعودية»، و«التصنيع»، و«المتقدمة»، و«اللجين»، في حين واصلت 3 شركات خسائرها مع تراجع بسيط في الخسائر مقارنةً بالربع المماثل من العام السابق، وهي: «كيمانول»، و«نماء»، و«كيان».

وبحسب إعلاناتها لنتائجها المالية في «السوق المالية السعودية»، حققت شركة «سابك» أعلى أرباح بين شركات القطاع والتي بلغت مليار ريال، مقارنةً بتحقيقها خسائر بلغت 2.88 مليار ريال للعام السابق، وبنسبة نمو تجاوزت 134 في المائة.

وحلت «سابك للمغذيات» في المركز الثاني من حيث أعلى الأرباح، رغم تراجع أرباحها بنسبة 21 في المائة، وحققت أرباحاً بقيمة 827 مليون ريال خلال الربع الثالث 2024، مقابل تسجيلها لأرباح بـ1.05 مليار ريال في الربع المماثل من العام السابق.

وفي المقابل، حققت «اللجين»، أعلى نسبة نمو بين الشركات الرابحة، وقفزت أرباحها بنسبة 1936 في المائة، بعد أن سجلت صافي أرباح بلغ 45.8 مليون ريال في الربع الثالث لعام 2024، مقابل أرباح بلغت 2.25 مليون ريال في العام السابق.

مصنع تابع لشركة كيميائيات الميثانول (كيمانول) (موقع الشركة)

توقعات استمرار التحسن

وفي تعليق على نتائج شركات القطاع، توقع المستشار المالي في «المتداول العربي» محمد الميموني خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تستمر حالة التحسن في أرباح شركات قطاع البتروكيميائيات خلال الربعين المقبلين، بفعل حالة ترقب التحسن في الاقتصاد الصيني الذي يعد من أهم وأكبر المستهلكين لمنتجات شركات البتروكيميكال، والاستقرار المتوقع في الأوضاع الجيوسياسية، مضيفاً أن تلك العوامل ستعمل على بدء انفراج في أسعار منتجات البتروكيميكال، وتجاوزها للمرحلة الماضية في تدني وانخفاض أسعارها. وقال «لا أتوقع أن يكون هناك مزيد من التراجع، ومن المتوقع أن يبدأ الاستقرار في أسعار منتجات البتروكيميائيات خلال الربعين المقبلين، وهو مرهون بتحسن أسعار النفط، وتحسن الطلب على المنتجات».

وأشار الميموني إلى أن أسباب تراجع أرباح بعض شركات القطاع أو استمرار خسائرها يعود إلى انخفاض متوسط أسعار مبيعات منتجات البتروكيميكال نتيجة لاتجاه السوق والأسعار نحو الانخفاض بالإضافة إلى فترة الصيانة الدورية لعدد من مصانع شركات القطاع، وكذلك ارتفاع تكلفة وقود الديزل في الفترة منذ بداية يناير (كانون الثاني) 2024 وارتفاع تكلفة الشحن بسبب الاضطرابات الجيوسياسية التي أثرت على مسار الشحن من خلال مسار البحر الأحمر، وارتفاع تكاليف التمويل، ورغم اتجاه أسعار الفائدة نحو الانخفاض منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، فإنه لم ينعكس بشكل جيد على وضع نتائج شركات البتروكيميكال حتى الآن، مجدِّداً توقعه بتحسن النتائج المالية لشركات القطاع خلال الربعين المقبلين.

تحسن الكفاءة التشغيلية

من جهته، قال المحلل المالي طارق العتيق، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن شركات القطاع أظهرت منذ بداية السنة تحسناً في الكفاءة التشغيلية لجميع عملياتها وأدائها، وارتفاع في أعداد الكميات المنتجة والمبيعة، وتكيّف شركات القطاع مع تغير ظروف السوق. وقابل ذلك تحسّن ظروف السوق وزيادة الطلب على المنتجات البتروكيماوية، وتحسّن الهوامش الربحية ومتوسط الأسعار لبعض منتجات البتروكيميائيات الرئيسة.

وعّد العتيق تسجيل 8 شركات من أصل 11 شركة تعمل في القطاع، أرباحاً صافية خلال الربع الثالث، أنه مؤشر مهم على تحسن عمليات وأداء شركات القطاع، ومواكبتها لتغير الطلب واحتياج السوق، مضيفاً أن القطاع حساس جداً في التأثر بالظروف الخارجية المحيطة بالسوق وأبرزها: تذبذب أسعار النفط، والظروف والنمو الاقتصادي في الدول المستهلكة لمنتجات البتروكيميائيات وأهمها السوق الصينية، والأحداث الجيوسياسية في المنطقة وتأثيرها على حركة النقل والخدمات اللوجستية، لافتاً إلى أن تلك الظروف تؤثر في الطلب والتكاليف التشغيلية لمنتجات البتروكيميائيات، إلا أنها قد تتجه في الفترة الراهنة باتجاه إيجابي نحو تحسن السوق والطلب على منتجات البتروكيميائيات.