بدا مجلس الأمن خلال الساعات الماضية عاجزاً تماماً عن اتخاذ أي موقف جماعي من الحرب التي أعلنتها روسيا ضد أوكرانيا، ليس فقط لأن الأولى تتمتع بحق النقض الفيتو، بل لأن الجلسات الحالية تعقد تحت رئاستها للمنتدى الأقوى عالمياً والمخول «صون الأمن والسلم الدوليين»، مما أثار تساؤلات علنية من العديد من ممثلي الدول الأعضاء فيه وفي الأمم المتحدة الذين رفعوا الصوت من أجل الدفاع عن ميثاق المنظمة الدولية.
وأعلنت الولايات المتحدة أنها أعدت مع الحلفاء مشروع قرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للتنديد «بأشد العبارات الممكنة» بالعدوان الروسي. وأقر دبلوماسي أميركي رفيع بأن روسيا ستمارس امتياز الفيتو عندما يطرح المشروع على التصويت اليوم الجمعة. لكن «واجب الدفاع عن مبادئ الميثاق» يوجب اتخاذ هذه الخطوة لإظهار العزلة المتزايدة لموسكو على الساحة الدولية.
وظهرت المفارقة خلال انعقاد جلسة طارئة عقدها مجلس الأمن ليل الأربعاء - الخميس في ظل تقارير عن هجوم روسي وشيك ضد الأراضي الأوكرانية. ولكن الحرب وقعت بالفعل خلال الاجتماع العاجل إذ أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بـ«عملية عسكرية خاصة» في شرق أوكرانيا. وأدى ذلك عملياً إلى تعديل مسار الجلسة والكلمات التي ألقيت فيها، وإلى إثارة التساؤلات العميقة حول «ازدراء» روسيا لمجلس الأمن ولميثاق الأمم المتحدة، وفقاً لتصريحات علنية أدلى بها عدد كبير من الدبلوماسيين.
وبطلب من أوكرانيا وتأييد من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وآيرلندا والنروج وألبانيا، عقدت الجلسة الطارئة بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي ناشد الرئيس بوتين «من صميم القلب بأن يوقف قواته عن مهاجمة أوكرانيا، وبأن يعطي السلام فرصة».
وتبعته وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو التي قدمت عرضاً لتطور الأحداث، معتبرة أنه «لا يمكن التكهن بالضبط بما سيحدث في الساعات والأيام المقبلة في أوكرانيا»، علماً أن الواضح «هو التكلفة الباهظة غير المقبولة – من معاناة إنسانية ودمار – الناجمة عن التصعيد».
- مشروع قرار... وفيتو
وأكدت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس - غرينفيلد أن روسيا وضعت شعبها، والشعب الأوكراني، والعالم بأسره على «شفا صراع سينتج عنه قدر لا يحصى من المعاناة الإنسانية»، مضيفة أن «هجوم روسيا على أوكرانيا بمثابة هجوم على الأمم المتحدة... وهذا يقوض المنظمة» الدولية. وأعلنت أنه سيجري تقديم مشروع للتنديد بالعدوان الروسي.
وأعلن نظيرها الفرنسي نيكولا دو ريفيير تأييد مناشدة الأمين العام، قائلاً إن «روسيا توشك على إحداث الفوضى في أوكرانيا، وتوجيه ضربة غير مبررة للسلام والأمن في قلب أوروبا». وحذر من أنه «إذا أكدت روسيا خيار الحرب، سيتعين عليها تحمل جميع المسؤوليات ودفع الثمن». واعتبر أن قرار بوتين إعلان الحرب «في نفس اللحظة التي يجتمع فيها هذا المجلس، يوضح ازدراء روسيا للقانون الدولي والأمم المتحدة».
وشددت المندوبة البريطانية باربرا وودوارد على أن إعلان بوتين «غير مبرر ويأتي بدون استفزاز». وقالت إن «هذا يوم خطير لأوكرانيا ومبادئ الأمم المتحدة»، مضيفة أن «أفعال روسيا ستترتب عليها عواقب. ندعم بشكل كامل دعوة الولايات المتحدة إلى تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن». وأكدت أنه «ينبغي على هذا المجلس أن يفعل كل ما بوسعه لوقف الحرب والتمسك بميثاق الأمم المتحدة».
الصين: الحوار هو الحل
وقال المندوب الصيني تشانغ جون إن «الوضع في أوكرانيا يمر بمنعطف حرج»، مضيفاً أنه «يجب على كل الأطراف المعنية ممارسة ضبط النفس، وتجنب المزيد من تصعيد التوترات». وإذ أكد أن «موقف الصين في شأن حماية سيادة ووحدة أراضي جميع الدول ثابت. ويجب التمسك بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة بشكل مشترك»، أمل في أن «تظل كل الأطراف المعنية هادئة وعقلانية، وأن تلتزم بتعزيز الحوار والتشاور لحل القضايا ذات الصلة من خلال المفاوضات ومعالجة المخاوف الأمنية المشروعة لبعضها البعض بشكل صحيح بما يتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة».
ورد المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، فقال إن «احتلال أوكرانيا ليس وارداً في خططنا»، مضيفاً أن «الهدف من العملية الخاصة هو حماية الأشخاص الذين لأكثر من ثمانية أعوام كانوا يعانون الإبادة الجماعية من قبل نظام كييف». وأكد أن قرار بوتين اتخذ «تماشياً مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة» الذي يجيز للدول أن تدافع عن نفسها. وأسف لأن «إشاراتنا حول الحاجة إلى وقف الاستفزازات ضد جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، لم تسمع في أوكرانيا». وزاد أن «زملاءنا الأوكرانيين الذين تم تسليحهم أخيراً وتحريضهم من عدد من الدول، لا يزالون متوهمين بأنه بمباركة المنسقين الغربيين يمكنهم تحقيق حل عسكري لمشكلة دونباس».
- رئاسة مجلس الأمن
وأعطيت الكلمة للمندوب الأوكراني سيرغي كيسليتسيا الذي أشار إلى إعلان بوتين الحرب على بلده، مضيفاً أنه كان سيطلب من المندوب الروسي أن يؤكد علانية أن روسيا لن تبدأ بإطلاق النار على الأوكرانيين. لكن «لم يعد هناك جدوى من هذا الطلب». وقال إنه يجب على المندوب الروسي أن يتخلى عن رئاسة مجلس الأمن المخول بصون الأمن والسلم الدوليين.
وفور انتهاء الجلسة، وصف غوتيريش للصحافيين إعلان الحرب بأنه «أشد اللحظات حزناً في فترة عملي كأمين عام للأمم المتحدة». وأوضح أن الوضع تغير خلال انعقاد مجلس الأمن. ولذلك يعدل مناشدته للرئيس بوتين: «باسم الإنسانية، أعد قواتك إلى روسيا. باسم الإنسانية، لا تسمح بأن تبدأ في أوروبا ما يمكن أن يكون أسوأ حرب منذ بداية القرن، ذات عواقب مدمرة ليس فقط بالنسبة لأوكرانيا، ليس فقط مأساوية بالنسبة للاتحاد الروسي، بل ذات تأثير لا يمكننا حتى التنبؤ به». وقال: «يجب أن يتوقف هذا النزاع - الآن».
وقال المندوب الأوكراني إن الحرب الروسية ضد أوكرانيا «إحراج تاريخي للبشرية وخاصةً لتلك المنظمات التي فشلت في اتخاذ الإجراءات الضرورية على مدار الأعوام الثمانية الماضية». وطالب نظيره الروسي بأن «يتخلى عن مسؤولياته كرئيس لمجلس الأمن» للشهر الجاري، باعتبارها أيضاً «ممثلاً لدولة انتهكت بضراوة الميثاق». وأشار إلى مشروع القرار الذي أعد للتنديد بالحرب الروسية، مناشداً كل الدول الأعضاء التصويت لصالحه.
- الجمعية العامة
وكان اليوم الطويل في الأمم المتحدة بدأ باجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة تحت بند «الوضع في الأراضي المحتلة مؤقتاً في أوكرانيا». وألقى رئيس الجمعية عبد الله شهيد كلمة خلالها تركز على ما ورد في ديباجة الميثاق حول «إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب».
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن «التطورات الأخيرة المتعلقة بأوكرانيا هي مصدر قلق بالغ»، مشدداً على أن قرار روسيا الاعتراف بـ«استقلال» منطقتي دونيتسك ولوغانسك «انتهاك لوحدة أراضي وسيادة أوكرانيا ويتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة».
وعرض وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا لأحدث التطورات في الأزمة مع روسيا، قائلاً: «نحن عند منعطف حاسم في تاريخ العالم». وإذ ذكر بـ«أخطاء السياسيين في الفترة التي سبقت عامي 1914 و1939» قبل الحربين العالميتين، دعا إلى «تجنب كارثة مدمرة جديدة في أوروبا». ووصف اتهامات روسيا لأوكرانيا بأنها «سخيفة» لأن «أوكرانيا لم تخطط أبداً ولا تخطط لأي هجوم عسكري في دونباس».
- روسيا ستتحمل المسؤولية
وخاطبت المندوبة الأميركية الدائمة في المنظمة الدولية ليندا توماس غرينفيلد الدول الأعضاء، قائلة: «نحن نقف على مفترق في تاريخ المنظمة الدولية». وحذرت من أن «عدوان روسيا لا يهدد أوكرانيا كلها فحسب، بل يهدد كل دولة عضو والأمم المتحدة نفسها». وقالت إن «التهديد الأوسع» يتمثل في أن «تصرفات روسيا تقلب نظامنا الدولي، وتهزأ بميثاق الأمم المتحدة، وتشكك في أهم مبادئنا الأساسية المتمثلة في السيادة والدبلوماسية والسلامة الإقليمية». وحذرت من أنه إذا اختار الرئيس بوتين المزيد من التصعيد «ستتحمل روسيا، وروسيا وحدها، المسؤولية الكاملة عما سيأتي». وتحدث المندوب الليتواني الدائم لدى الأمم المتحدة ريتيس بولاوسكاس نيابة عن البلدان الثمانية في الشمال الأوروبي والبلطيق الدنمارك، إستونيا، فنلندا، أيسلندا، لاتفيا، النروج، السويد وليتوانيا، قائلاً إن قرارات روسيا «غير قانونية». وحض روسيا على «سحب قواتها وعتادها من داخل أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم والمناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك، وكذلك من المناطق المتاخمة لحدودها، وإلى التوقف فوراً عن تأجيج الصراع».
وأعلن المندوب الفرنسي الدائم نيكولا دو ريفيير أن بلاده «تدين بشدة» قرارات الرئيس الروسي، مؤكداً أن «المرحلة الجديدة» من زعزعة الاستقرار تشكل «تهديداً خطيراً للأمن الأوروبي»، داعياً إلى «استجابة موحدة من المجتمع الدولي للدفاع عن المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة».
وبعدما توالى العشرات من ممثلي الدول على الكلام، اعترض المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا على اسم البند الموضوع على جدول الأعمال، معتبراً أنه «غير صحيح» و«ينبغي ألا يكون حول: الأراضي المحتلة مؤقتاً» بل «حول الأراضي المفقودة نتيجة لسياسة الكراهية». وحمل على «الانقلاب غير الشرعي في الميدان عام 2014» في إشارة إلى السلطات الحالية في كييف بعد إطاحة الرئيس الموالي لموسكو ألكسندر لوكاشينكو.
المشروع الغربي للتنديد بغزو أوكرانيا يصطدم بالفيتو الروسي
غوتيريش يتخوف من «عواقب مدمرة» ... والدبلوماسيون يحملون على «ازدراء» بوتين للميثاق
المشروع الغربي للتنديد بغزو أوكرانيا يصطدم بالفيتو الروسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة