إسرائيل تمتنع عن انتقاد روسيا

رغم مطالبات من الإدارة الأميركية و«الكونغرس»

إسرائيل تمتنع عن انتقاد روسيا
TT

إسرائيل تمتنع عن انتقاد روسيا

إسرائيل تمتنع عن انتقاد روسيا

على أثر ضغوط من الإدارة الأميركية ونواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في «الكونغرس»، ومطالب مباشرة من كييف، أصدرت الحكومة الإسرائيلية موقفاً قريباً من الغرب، ولكن من دون توجيه انتقادات لروسيا؛ فأعلنت أنها «تدعو إلى الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا»، وأنها «تأمل أن يوجد حل دبلوماسي يقود إلى الهدوء».
وأعربت عن استعدادها للتدخل والمساهمة في هذا الحل إذا طولبت بذلك. ومع أن هذه الدعوة نُشِرت باسم الخارجية الإسرائيلية، فإن مصادر دبلوماسية أكدت أن رئيس الوزراء، نفتالي بنيت، ورئيس الوزراء البديل، وزير الخارجية، يائير لبيد، ووزير الدفاع، بيني غانتس، صاغوا معاً هذا النص. وأن هذه الصيغة تبلورت إثر أبحاث عديدة جرت في الحكومة، وفي مجلس الأمن القومي. وبموجبها «تواصل إسرائيل الجهود لإعادة المسار الدبلوماسي إلى المشهد». وأعربت عن إتمام استعداداتها لتقديم مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا، حال نشوء حاجة لذلك. وكانت إسرائيل قد التزمت الصمت ولم تتخذ موقفاً علنياً من التطورات منذ نشوب الأزمة في أوكرانيا باستثناء تصريحين منفردين لكل من بنيت ولبيد بأنه «في حال الوصول إلى حسم، فإن مواقف إسرائيل ستكون أقرب إلى الغرب».
وعادت إلى الصمت، حتى بعد إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اعتراف موسكو باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا (لوغانسك ودونيتسك). وقد كشفت هيئة البث الرسمية «قناة كان 11»، أن الإدارة الأميركية طلبت من تل أبيب تغيير سياستها هذه والخروج بموقف علني حيال الأزمة و«الوقوف بوضوح إلى جانب الغرب واتخاذ إجراءات عملية في هذا السياق». وتم تكرار هذا الطلب من خلال عدد من نواب الكونغرس الذين التقوا بنيت وغيره من المسؤولين الإسرائيليين في اليومين الأخيرين. وجاءت هذه التوجهات في أعقاب التخبط العلني في الحكومة الإسرائيلية إزاء موضوع أوكرانيا. ففي إسرائيل لا يريدون إغضاب الإدارة الأميركية والظهور بموقف مختلف عنها، بسبب العلاقات الخاصة بين الدولتين والالتزام الأميركي بأمن إسرائيل وحاجة إسرائيل لأميركا في هذا الوقت بالذات على خلفية اقتراب التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.
ولكن، في الوقت ذاته، إسرائيل غير معنية بالدخول في أي مواجهة مع روسيا، حتى لا ينعكس الأمر سلباً على التنسيق العسكري بينهما في سوريا. فالروس يتيحون لإسرائيل ضرب أهداف لإيران وميليشياتها في سوريا بشكل حر تقريباً، ولكنها منذ أزمة أوكرانيا تتخذ إجراءات تظاهرية ضد النشاط الإسرائيلي، وتلمّح إلى الثمن الذي قد تدفعه تل أبيب في سوريا، في حال وقفت ضد موسكو في أوكرانيا.
لهذا، جاءت الصيغة الحذرة للبيان الإسرائيلي: تأييد وحدة أوكرانيا، ولكن من دون أي إشارة إلى روسيا أو الرئيس بوتين.
بيد أن هذا الموقف لا يلقى الرضا في كييف. وقال فالدسلاف رويتبريغ، مستشار الرئيس الأكراني فلودمير زيلانسكين إن «أوكرانيا دولة ديمقراطية وتتوقع من شركائها في القيم الوقوف معها ضد العدوان الذي يهدد أراضيها». وحسب «كان 11»، قال مسؤولون أوكرانيون، إنهم «يشعرون بخيبة أمل لامتناع إسرائيل عن إدانة العدوان الروسي». وأضافوا: «نتفهم أن هناك حساسية، ولكن هنالك حدود للحساسية أيضاً. سننتظر بضعة أيام أخرى ونرى. هذا هو الوقت الذي تقاس فيه مصداقية العلاقات بين أوكرانيا وإسرائيل». وأفادت القناة، نقلاً عن مصادر أوكرانية، أن كييف تعتقد أن الضغط الذي قد تمارسه على تل أبيب، ليس هو ما سيدفع الحكومة الإسرائيلية إلى إدانة «العدوانية» الروسية، إذ تعتمد أوكرانيا في هذا الشأن على واشنطن، ليس فقط على إدارة الرئيس جو بايدن، وإنما على أعضاء الكونغرس البارزين الذين تربطهم علاقات قوية مع إسرائيل من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي.
وفي هذا السياق، أدلى وزير الدفاع الأوكراني، ألكسي رزنيكوف بتصريحات لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، نشرتها، أمس (الأربعاء)، وقال فيها إنه وعلى أثر اللقاءات التي عقدها في إسرائيل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في تل أبيب، أصبحت بلاده تتلقى مساعدات «سايبر»، «لكننا نحتاج إلى تعلُّم سبل الدفاع عن النفس في وجه هجوم روسي على الصعيد الميداني وعلى صعيد الأسلحة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟