كشف المهندس عبد الرحمن بن فاروق عداس، الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، أن الهيئة دخلت مرحلة تسريع الإنجازات وتحديد الأولويات التي ترتكز على مقومات كرامة الإنسان وعمارة المكان وازدهار الاقتصاد، من خلال تسريع تنفيذ مشاريع قطاع النقل، ومعالجة أوضاع المناطق العشوائية، وتقديم الدعم لقاطنيها، وأيضا العناية بالمواقع التاريخية، وتحسين الخدمات العامة، وزيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال الزيادة المتوقعة في أعداد ضيوف الرحمن في إطار المواءمة مع «رؤية المملكة 2030».
وأشار المهندس عبد الرحمن عداس، في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى أن العمل جار لتنظيمات تسمح بالاستفادة من استثمار المسلمين غير السعوديين في مكة المكرمة، لافتا إلى أن التوجه الاستراتيجي الذي انطلقت منه الهيئة الملكية، في خططها وبرامجها، والمعتمد من مجلس إدارتها له ركائز محددة مستمدة من آيات القرآن الكريم.
وأوضح عداس أن الهيئة تعمل على خلق بيئة تثري أوقات القادمين إلى مكة المكرمة مع احتفاظها بمكانتها وخصوصيتها، لا سيما أنها ثرية بتنوعها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وجاذبة للطاقات المبدعة والمنتجة، موضحا أن النجاح في الهدف الحالي سيولد فرصا متعددة ومتجددة للريادة، وعقد الشراكات من خلال مركز الاستثمار في الهيئة الملكية. وقال: «سيكون المركز وجهة موحدة لعقد ودعم الشراكات في المشاريع التي تشرف عليها الهيئة عن طريق عرض الفرص وتنظيمات وآليات واضحة وشفافة... تقلل من أثر تعدد الجهات والمرجعيات لتكون هناك جهة واحدة مشرفة وممكنة تسهل وتحفز أعمال شركاء الهيئة». إلى تفاصيل أكثر في متن الحوار:
- تطوير النقل
وعن قطاع النقل، أشار عداس إلى تنظيم وحوكمة ما يتصل بهذا القطاع، حيث من أولويات الخطة الاستراتيجية للهيئة الملكية، وبرنامج «التنقل والبنية التحتية للنقل» تفعيل منظومة متكاملة لإدارة خدمات التنقل، ورفع القدرة الاستيعابية لاستقبال الزيادة المتوقعة لضيوف الرحمن، وتحقيق الاستدامة المالية والبيئية، القائمة على بنية تحتية عالية الكفاءة، تشجع على استخدام وسائل النقل العام مع الحفاظ على أعلى معايير السلامة.
لذلك أطلقت الهيئة، المركز الموحد للنقل ليقوم بدور الإشراف على جميع أعمال وأنشطة قطاع النقل في مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، إذ يعمل المركز على توحيد التخطيط لمشاريع وسائل النقل المختلفة لتلبية تطلعات «رؤية المملكة 2030» مع رفع جودة القطاع لتأمين أرقى خدمات النقل لسكان وزوار مدينة مكة المكرمة، وضمان الاستدامة المالية يأتي من خلال زيادة العوائد المالية، وتمكين تمويل مشاريع إنشاء وتطوير الأصول.
وأطلقت الهيئة الملكية في 15 فبراير (شباط) الحالي، وفق عداس، المرحلة التجريبية لمشروع النقل العام تحت إشراف وإدارة المركز الموحد للنقل في مكة (نقل مكة) ليغطي عند اكتماله 12 مساراً تخدم المناطق الرئيسية في مدينه مكة المكرمة، مضيفا «سيبدأ التشغيل التجريبي بنقل ترددي من محطة قطار الحرمين السريع بمنطقة الرصيفة إلى المسجد الحرام، ذهاباً وإياباً».
- المناطق العشوائية
يقول المهندس عداس: «الأحياء العشوائية موضوع ليس وليد اللحظة وله تاريخه ومسبباته المتراكمة التي باتت تشكل عائقا أمام التخطيط الحضري، وعبئا على مستوى الخدمات المقدمة للسكان والزوار، والهيئة الملكية منذ اليوم الأول لتأسيسها عملت على وضع استراتيجية تقدم حلا شاملا وجذريا يغطي الجوانب العمرانية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية».
ففي الجانب العمراني، يضيف عداس، تحددت العلاقة ما بين المطورين، لهذه المناطق العشوائية، والجهة المنظمة (الهيئة)، عن طريق استخدام أداة «الصك الموحد»، لتكون الحقوق والواجبات واضحة، سواء كان لجهة المنظم أو لجهة المطور، مبينا أنه يجري تطبيقها الآن في «جبل عمر»، ومشروع «مسار»، و«الكدوة»، و«قوز النكاسة»، حيث إن هذا الترتيب أدى إلى وضوح المسؤوليات وحوكمة العلاقة لارتياح الجانبين.
وعن الجانب الاجتماعي، قال عداس، إن الهيئة بدأت العمل، مع الجهات المسؤولة، لتصحيح الأوضاع النظامية لبعض قاطني هذه العشوائيات، خاصة من الجاليات التي لجأت إلى البلاد في أوقات سابقة، لضمان انخراطهم في المجتمع، والاندماج في نشاط المدينة من حولهم بدلا من بقائهم في تكتل العشوائيات.
وفي الجانب الاقتصادي، وفق عداس، تعمل الهيئة مع الجهات الحكومية المشاركة، في المشروع، على تقديم الدعم الوظيفي للمواطنين عن طريق وزارة الموارد البشرية، والتنسيق مع القطاع الخاص، بحسب حاجته، لاستيعاب أصحاب المهارات المهنية من الجاليات سكان هذه الأحياء، في دورة الإنتاج لينخرطوا في اقتصاد المملكة وإبعادهم عن اقتصاد الظل والتكتلات الاقتصادية غير المندمجة مع الاقتصاد الكلي.
واستطرد «هناك أيضاً تعاون، في الجانب الأمني، مع الجهات المختصة لضمان توفير الوسائل التي تمنع عودة العشوائيات للظهور في مناطق أخرى في مكة المكرمة، وإن عادت تكون الإزالة فورية»، وزاد «الهيئة الملكية لديها الدراسات والمعلومات الوافية عن المناطق العشوائية في النطاق الجغرافي الذي تشرف عليه، وهناك خطة للتعامل معها بحسب كل مرحلة».
- منطقة النكاسة
تابع عداس حديثه، عن تطوير منطقة «النكاسة»، بقوله، إن أعمال المرحلة الثانية لتطوير منطقة قوز النكاسة انطلقت مع أول يوم من الشهر الجاري ضمن مشروع معالجة وضع الأحياء العشوائية في مكة المكرمة، مفيدا بأن جميع المناطق العشوائية ستشهد عمليات التطوير الشامل، بحسب الأولوية. وأضاف «هذا الملف من أولويات الهيئة الملكية منذ تأسيسها وتعطيه عناية كبرى، وهو جزء أساسي من استراتيجياتها التي تهدف إلى تحويل العشوائيات إلى مناطق حضرية تلبي احتياجات السكان وتحسن جودة حياتهم، بعد التطوير العمراني وإصلاح البنية التحتية وتحسين الخدمات».
- تحفيز المستثمر
وقال عداس، إن الاستثمار والشراكات مع المستثمرين في الداخل والخارج من الأولويات في استراتيجية الهيئة الملكية، لأن هذا النشاط يؤثر ويتقاطع مع جميع القطاعات الأخرى التي تعمل الهيئة على تطويرها مثل قطاع الأراضي والعقارات، وقطاع التنقل والبنية التحتية للنقل، وقطاع المرافق والبيئة.
وبحسب عداس، أطلقت الهيئة الملكية برنامج الاستثمار والشراكات الذي يتبنى استراتيجية موحدة هدفها استقطاب رؤوس الأموال وتحفيزها، وبناء شراكات مع القطاع الخاص والقطاع غير الربحي للمشاركة في التنمية من خلال خلق الفرص الاستثمارية الواعدة. ولتفعيل هذا التوجه، يستطرد عداس «تعمل الهيئة على إنشاء (مركز الاستثمار) ليكون الذراع التنفيذية للهيئة الملكية، والذي يتولى مسؤولية تطوير هذا القطاع، وتحفيز الاستثمار من خلال التنظيم والتمكين، وعقد الاتفاقيات والشراكات المختصة بالمشاريع التي تشرف عليها الهيئة الملكية».
في هذا الجانب أوضح المهندس عبد الرحمن أن المستثمر يحتاج إلى فرص وتنظيمات واضحة للتعامل معها، مبينا بالقول: «الهيئة الملكية تمتلك هذه الأدوات... لدينا الفرص ويجري العمل عليها... بدأنا بإطلاق البعض منها، سواء كانت الفرص في المناطق التاريخية، أو في تطوير العشوائيات، أو الفرص في المشاعر المقدسة، مع شركة كدانة للتنمية والتطوير، المملوكة للهيئة الملكية 100 في المائة».
- شركة كدانة
وعن «كدانة»، قال عداس، إن الهيئة الملكية لديها استراتيجية، قامت على رؤية واضحة، لتطوير المشاعر المقدسة، ولهذا تأسست شركة كدانة للتنمية والتطوير، لتكون الذراع التنفيذية المسؤولة عن وضع المخطط الشامل للمشاعر المقدسة، والمسؤولة عن تطويرها والمشرفة على جميع مشاريعها في «منى»، و«مزدلفة»، و«عرفات» وحماها. وأضاف «يهدف هذا المخطط إلى رفع الطاقة الاستيعابية وإثراء تجربة ضيوف الرحمن وتحسين الخدمات وزيادة كفاءة التشغيل، إضافة إلى تشغيلها طوال العام خارج موسم الحج، لتكون مركزا حضريا يستفيد منه سكان مكة المكرمة وزوارها على مدار العام»، مفيدا بأنه تحضيراً لحج هذا العام تشرف «كدانة» على مشاريع متعددة ونوعية تتعدى قيمتها مليار ريال (266 مليون دولار) سيتم إنجاز معظمها مع حلول موسم حج هذا العام.
- المواقع التاريخية
تزخر مكة المكرمة بالكثير من المواقع التاريخية، والحديث لعداس، إذ تعيد للأذهان مواقف ومراحل بالغة الأهمية على مدى التاريخ، ورغم اختلاف ارتباطها بالمراحل التاريخية، فإنها جميعها، تكتسب أهمية كبرى لدى المسلمين والمهتمين بالتاريخ والثقافة.
وقال، إن هذه المواقع تشهد إقبالاً في مواسم الحج والعمرة، وتحديداً مواقع (جبل النور، غار حراء، وجبل ثور، وجبل الرحمة في عرفة ومسجد البيعة في مشعر منى، ومنطقة صلح الحديبية وغيرها)، مفيدا بأن الإحصاءات تشير إلى أن غالبية ضيوف الرحمن والزوار يحرصون على زيارة المواقع التاريخية بمكة المكرمة والمدينة المنورة، الأمر الذي يدعو للعناية بها وتحسين وضعها وتطوير الخدمات المحيطة بها وتمكين سكان مكة المكرمة وزوارها، من الوصول إليها وتهيئتها من خلال خلق فرص استثمارية تحفز القطاع الخاص للشراكة في تطوير تلك المواقع وما حولها من خدمات للمساهمة في إثراء تجربة مرتاديها.
وأضاف، أن الهيئة حالياً تعمل على تطوير معرض الوحي بجبل النور (غار حراء)، والمركز الثقافي في سفح جبل ثور، ومشروع المسار التاريخي (مسار مكة المكرمة)، الذي يسلكه الحجاج والمعتمرون والزوار لزيارة المعالم التاريخية والتراثية، و«الباص التاريخي» الذي يمكن الراغبين من زيارة معظم المعالم التاريخية في الجزء الشرقي من مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بطريقة تعليمية مشوقة.
- الاستثمار الأجنبي
وعن الاستثمار الأجنبي، يؤكد الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، أن المستثمر الأجنبي دائماً مهتم جداً بمكة المكرمة، والمدينة المنورة، وفي السابق كانت توجد تنظيمات حدت من التقدم في هذا الجانب، إلا أن الأمور بدأت بالتغير وخصوصاً بعد أن سمحت هيئة السوق المالية لفئة معينة من الصناديق الاستثمارية بالدخول في السوق العقارية بمكة المكرمة حتى وإن كان ملاك هذه الصناديق غير سعوديين، لافتا إلى أنه جار العمل على وضع تنظيمات معينة تسمح للمستثمرين المسلمين غير السعوديين بالاستثمار في مكة المكرمة وخاصة في مجال العقارات.
- المؤسسات الصغيرة
وأشار المهندس عداس إلى أن من أبرز الصعوبات التي تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في مكة المكرمة صفة (الموسمية)، ولهذا تعمل الهيئة على تقليل تأثير «الموسمية» على أعمال هذه المؤسسات ونموها، فمعظم هذا النوع من المؤسسات، وفق عداس، يغلب على نشاطه تقديم خدمات الحج والعمرة. وزاد «لكن الترتيبات القائمة الآن وفتح المجال للسياحة من جميع أنحاء العالم، سيشجع المسلمين على الاستفادة من التنظيمات الجديدة، وهذا سيخلق سوقا دائمة في مكة المكرمة، حتى خارج المواسم الرئيسية، وبالتالي يؤدي إلى حركة اقتصادية على مدار العام، وستكون من نتائجه تخفيض أثر (الموسمية)، على عمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة».
- دمج الأمانة
وأشار الرئيس التنفيذي، بخصوص العلاقة مع أمانة العاصمة المقدسة إلى أن من أهداف تأسيس الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة تطبيق نموذج «الإدارة المحلية الشاملة والفاعلة» في النطاق الجغرافي للهيئة من أجل وحدة القرار، وتوظيف الموارد لرفع كفاءة التشغيل في المرافق، وتطوير البنية التحتية والارتقاء بالخدمات، سواء مع أمانة العاصمة المقدسة أو أي من الجهات الأخرى العاملة في نطاق إشراف الهيئة، وما أثير حول العلاقة بأمانة العاصمة المقدسة، فإنه تم اعتماد توجه معين من قبل مجلس إدارة الهيئة الملكية، وهو الآن تحت الدراسة والتقييم لضمان التنفيذ بالمنهجية والخطة الأصوب.
- كوادر الهيئة
يقول عداس: «أكبر تحد يواجه أي جهاز جديد، وتحديدا الأجهزة الإبداعية أو التحولية، يتمثل في صعوبة توفر كوادر تمتلك الشغف والطموح والإبداع والكفاءة العالية، ومع ذلك فإن الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة تحتضن 200 مبدع حتى الآن منذ إنشائها في يونيو (حزيران) 2018، وهم يقومون بواجباتهم على أكمل وجه في بيئة عمل تساعد على خلق روح الإبداع والابتكار والتنسيق والمواءمة مع شركاء الهيئة أينما كانوا».