روبرت باتنسن لـ «الشرق الأوسط»: أردت تقديم باتمان «مختلفاً»

يحب أن يفعل ما لا يتوقعه أحد

باتنسن تحت رداء «باتمان» الجديد
باتنسن تحت رداء «باتمان» الجديد
TT

روبرت باتنسن لـ «الشرق الأوسط»: أردت تقديم باتمان «مختلفاً»

باتنسن تحت رداء «باتمان» الجديد
باتنسن تحت رداء «باتمان» الجديد

عندما صرّح روبرت باتنسن أنّه لا يشاهد أفلام المخرجين ولا يعرف شيئاً عن تاريخ السينما وممثليها السابقين، كان لا يزال في السابعة عشرة من عمره. في مثل سنّه يغفر البعض جهل البعض الآخر، وتلك النبرة في الاعتداد بالنفس وعدم المبالاة بشيء أكثر من حضوره هو ونجاحه.‬
كان ذلك في أعقاب نجاح أول فيلم من سلسلة «توإيلايت» سنة 2008، الذي قاد صانعي السلسلة وروبرت باتنسن نفسه إلى أربع حلقات أخرى قبل أن تتوقف سنة 2012 حاصدة النجاح الكبير خصوصاً في الأجزاء الثلاثة الأولى.
كانت السلسلة من تلك التي تستخدم الرعب لطرح موضوع فانتازي. يمكن القول أيضاً إنّها كانت من تلك التي تستخدم الفانتازيا لطرح موضوع مرعب، ذلك أنّ الفانتازيا والرعب اجتمعا في تلك السلسلة منذ البداية كونها دارت حول مصّاصي دماء شبّان وفتيات وكم هم عاديون في حياتهم لولا تلك الأنياب التي اضطروا لحمل أوزارها.
في الواقع اختلفت السلسلة عن أفلام رعب أخرى في أنّها كانت شبيهة بمسلسلات «سوب أوبرا» وهذا لأنّ جزءاً كبيراً منها دار حول مشاعر الحب التي عصفت بين ثلاثة شخصيات أساسية: كريستن ستيوارت وروبرت باتنسن وتايلور لوتنر. كل من ستيوارت وباتنسن خرجا من فخ السلسلة بسلام وأصبحا نجمين. لوتنر هو من لا يزال يراوح مكانه حتى الآن.
لاحقاً تغيّر شأن باتنسن كثيراً. لا بد أنّ هذا الممثل المولود في بريطانية سنة 1986. عليه أن يأخذ مهنة التمثيل جدياً إذا أراد الاستمرار. تلك السلسلة منحته الشهرة السريعة، لكن ما يليها هو ما كان سيحدد ما إذا كان هذا الممثل الشاب سينجح في مسيرته أو سيقفل عائداً إلى غياهب ما.
من بعد تلك السلسلة مباشرة أدرك باتنسن أنّه على مفترق طريقين: واحدة هي مداومة البحث عن مشاريع سريعة ومضمونة النجاح، أو البحث عن ذاته وعما يريده لنفسه. اختار الطريق الثانية ومنها أعاد تكوين نفسه ممثلاً يبحث عن الدور الخاص أساساً. فيلم الكندي ديفيد لين «كوزموبوليتن» (2012)، كان أول فيلم لمخرج معروف يقدّمه ضمن هذا التكوين. ولأنّ هذا الفيلم خرج في السنة ذاتها التي أُطلقت فيها الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة «توإيلايت» (The Twilight Saga‪:‬ Breaking Dawn‪ - ‬ Part 2)، يعني أنّ تفكير باتنسن بدأ حتى من قبل التقاط ثمار نجاح ذلك الفيلم تجارياً. ‬‬
بعد عامين، كان باتنسن على موعد آخر مع كروننبيرغ في «خريطة للنجوم» الذي توجه به المخرج إلى مهرجان «كان» وبصحبته بطله هذا. لا علم لأحد ما إذا كان الألماني فرنر هرتزوغ استوحى من ثقة كروننبيرغ ببطله الجديد الرغبة في التعامل معه أو أنّه اختاره لدور ثانٍ في «ملكة الصحراء» من تلقاء نفسه.
«ملكة الصحراء» Queen of the Desert (من بطولة نيكول كِدمان) استقبل بأقل ما يستحق من ترحاب في مهرجان برلين، لكنّ هذا لم يكن ليمنع الممثل من انتهاج ذلك الخط الجديد والالتزام به. في سنة 2019. شاهدناه في بطولة «المنارة» The Lighthouse))، لجانب ويلَم دافو وتحت إدارة روبرت إيغرز. كان الدور غريباً عليه أكثر مما كان سيبدو لو أنّ ممثلاً غير معروف هو من أدّاه. لكن الفيلم والدور كانا جيدين أتبعه الممثل بدور صغير في «الملك» لديفيد ميشو، من ثمّ دور أصغر في «بانتظار البرابرة» بسيرو غويرا أمام جوني ديب ومارك رايلانس.
هذه الأفلام الثلاثة ظهرت في سنة واحدة (2019) وقبل أن يعتقد الإعلام بأنّ الممثل لا يجذب اهتمام كبار صانعي الأفلام وقّع على بطولة «مبدأي» (Tenet) في العام التالي وتحت إدارة كريستوفر نولان.
والآن نراه في خلال الأيام التالية في دور الرجل الوطواط في The Batman لمات ريفز كنقلة أخرى صوب فيلم هوليوودي أساسي سيضعه في المستوى ذاته مع نجوم السلسلة أمثال جورج كلوني، ومايكل كيتون، وكريستيان بايل، وبن أفليك. هذا الأخير كان من المفترض به تمثيل الدور مجدداً (بعد «باتمان ضد سوبرمان) وإخراج الفيلم، لكنه قرر التنحي وهو الذي لم يكن واثقاً في الأساس من رغبته في تمثيل الشخصية.
يتحدث باتنسن هنا عن مراحل مهنته ونظرته إلى عمله وتفسيره الخاص لما يعنيه الانتقال بين الأدوار بصرف النظر عن أحجامها.

بطل في حيرة

> ما توقعاتك بالنسبة لفيلم «ذا باتمان»؟
- أعتقد أن الذين أقبلوا على أفلام باتمان السابقة والذين سيدخلون هذه التجربة للمرّة الأولى سيرتادون الصالات بكثرة. لا أملك توقعاً من نوع أنّه سيكون أعلى أفلام «باتمان» إيراداً أو أقل من ذلك أو أكثر. لكني متأكد من أنّه سيحظى بنجاح كبير.
> كيف يختلف هذا الفيلم عن أفلام باتمان السابقة؟
- أعتقد أنّه يختلف كثيراً وفي أكثر من جانب. التقنيات تتطوّر بينما نتحدث، وهذا هو أحد جوانب العمل؛ لكن (المخرج) مات (ريفز) لم يشأ تغليب التقنيات على أي جانب آخر. أعتقد أنّك سترى أنّ الفيلم فني وله مسحة خاصة في الوقت ذاته، وهذا هو اختلاف واحد.
> لا بد أنّك شاهدت أفلام باتمان السابقة.
- نعم. ليس كلها وأنا معجب بما شاهدته كثيراً. أعتقد أنّ كريستوفر نولان صنع «باتمان» مبهراً، ومن الصعب تجاوزه وهذا هو التحدي الذي عملنا جميعاً عليه. شاهدت أفلام مات ريفز أيضاً وأعجبت كثيراً بما يوفره من مدلولات عميقة في أفلام كبيرة. وهذا ما قام به أيضاً هنا.
> بالنسبة إليك، ما هو المختلف في شخصية باتمان كما تؤديها أنت؟
- أردت أن أقدم باتمان جديداً. هو شخصية غريبة الأطوار سواء عندما نراه في شخصية بروس أو عندما نراه في شخصية باتمان. أردت أن أقول إنّ شخصية كهذه لا بد أن تكون غير طبيعية تماماً. هي ليست أنت وأنا وهو. سوبر هيرو نعم، لكنّه يحمل في داخله جروحاً. ما يقوم به رائع لكنّه ليس كاملاً. هو يدرك ذلك ولديه الشجاعة لكي يواجه نفسه من دون أن يدين الدور الملقى عليه.
> أعتقد أنّ هناك ذكراً لأنّ مستوى الجريمة مرتفع رغم محاولات باتمان القضاء عليها؟
- في الفيلم سنرى أنّه بعد عامين من تحوّله إلى باتمان ارتفع مستوى الجريمة أكثر مما كان عليه سابقاً. هذا فشل. الفيلم يبدأ بملاحظات كهذه. يبدأ بأنه قد لا يكون الجواب الذي ينتظره الناس منه. ربما هو جواب فاشل. بالإضافة إلى ذلك، هذا الباتمان يفكر في حال المدينة. لماذا تردّى الوضع فيها إلى هذا الحد.
> هل هناك عدم ثقة بالدور الذي يقوم به؟
- بالتأكيد. هو ما زال السوبر هيرو الذي تعوّدنا عليه؛ لكن الأمور ليست أبيض وأسود.
> هذا منوال جديد، أليس كذلك؟ أقصد بالنسبة لسلسلة «باتمان».
- نعم هو كذلك، لكنّي أعتقد أنّه مطلوب. لا يمكن الاكتفاء بتقديم فيلم آخر عن باتمان بنفس المواصفات السابقة أو بحكاية تعيد الصراع بين الخير والشر على المبادئ ذاتها. طبعاً الصراع موجود هنا، وضروري، لكنه متعدد الجبهات. إنّه فيلم مثير وفي الوقت نفسه غير مصنوع لمجرد الترفيه والبهجة.

أدوار بأحجام مختلفة

> هل تسمح لي أن أقول إنّ أحداً لم يتوقع نجاحك المضطرد في السنوات الأخيرة. أقصد أن بداياتك في سلسلة «توإيلايت» لم ترسم الطريق الذي سرت عليه.
- (يضحك) يسرني أن تقول ذلك. أحبّ أن أفعل ما لا يتوقعه أحد مني. لكن بصراحة أنت تتحدث عن بدايات لم أكن قادراً على توجيهها أو حتى توقعها. أفلام «توإيلايت» كانت في مجموعها ثاني خطوة لي في السينما بعد ظهوري في «هاري بوتر»، ولم أكن أفكّر إلا في الاستفادة من هذا النجاح على نحو يمكنني من الاستمرار بعد انتهاء السلسلة. لكني، جواباً على سؤالك، أحب الخروج عن التوقعات.
> لعبت أدواراً صغيرة في أفلام كبيرة مما دفع البعض للتساؤل عن السبب.
- هذا بعض ما أقوم به خارج التوقعات. عندما عُرض علي دور لورنس في «ملكة الصحراء» لم أنظر إلى حجم الدور، بل إلى اسم المخرج (ڤرنر هرتزوغ) ومؤخراً ظهرت في «المنارة» (The Lighthouse)، لمجرد أنّي أعجبت بالفكرة. لا أجده أمراً مفيداً أن أسعى للتمثيل فقط في أفلام تحمل احتمالات نجاح عالية. أحب اختراق الجهات الأربع وأذهب إلى حيث لا يتوقع أحد مني الذهاب.
> هذه شجاعة كبيرة أن تقوم بلعب دور صغير أو دور في فيلم تدرك مقدّماً أنّه لن يكون جماهيرياً.
- أعتقد أنّ ذلك ليس مهمّاً على الدوام. أختار ما أرى نفسي معجباً به وما سيعني لي أو للآخرين. إنني أمتلك القدرة على النفاذ تحت بشرة أي شخصية إذا ما اقتنعت بها. طبعاً يتيح لك السيناريو إدراك ما إذا كان ذلك الهدف قابلاً للتحقيق أم لا.
> مثال آخر هو «بانتظار البرابرة» قبل ثلاثة أعوام.
- نعم. استمتعت فيه بصحبة جوني دِيب. كذلك أعجبني الموضوع. أحياناً كثيرة أسأل نفسي ماذا سيحدث لو أني اخترت فيلماً لم يكن يجب أن أختاره، لكن هناك دوماً سبباً أقوى من هذا السؤال.
> هل بات لديك مفهوم خاصّ بك حيال مهنتك أو حيال التمثيل بصورة عامّة؟
- ربما. أعتقد أنك تمر بمرحلتين مختلفتين كممثل. أنا بدأت شاباً والسوشيال ميديا والإعلام والباباراتزي كلها تحب ذلك. ستديوهات السينما... المنتجون... يحبون ذلك. لكن عندما تنتقل من تلك البدايات ومن سن معيّنة إلى سن معيّنة آخرى، يبدأ الوسط ذاته باعتبارك أصبحت ناضجاً. في السابق كان مسموحاً لي أن أقدم على فعل أرعن. الآن من غير المسموح.
> هل هي الفترة ذاتها التي بدأت فيها اختيار أدوار لمخرجين ذوي سمعة فنية عالية مثل هرتزوغ؟
- بعد أن مثلت قبل عشر سنوات فيلمي الأول مع ديفيد كروننبيرغ («كوزموبوليتان»)، وجدت أنّ صورتي تغيّرت تلقائياً. من ثمّ تأكد لي ذلك بعد عامين عندما طلبني كروننبيرغ لفيلم ثانٍ (هو «خرائط للنجوم» Maps to the Stars). هي نقلة مهمّة يتم فيها بداية استقبالك لمشاريع لم تكن معروضة عليك سابقاً. يبدأ (سينمائيو الوسط الفني) بالنظر إليك نظرة مختلفة، وهذا أمر جيد تشعر معه بأنّ خطواتك تسير في الاتجاه الصحيح.
> ما الذي تريده من وراء مهنة التمثيل؟ ما هو الطموح الأبعد؟
- هو أن أستمر في عملي هذا وبنجاح؛ لكنّ تعريف النجاح يختلف من شخص لآخر، وبالنسبة لي هو الظهور في أفلام مختلفة وأن يُنظر إلي كفنان في ثياب ممثل. لا أدري إذا كان هذا يحدث الآن أو سيحدث مستقبلاً، لكنّني أسعى إليه.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».