انطلاق «البستان الدولي» بأسعار بطاقات موحدة

يتضمن 13 أمسية موسيقية من لبنان والعالم

يستمر «مهرجان البستان الدولي» حتى 13 مارس المقبل
يستمر «مهرجان البستان الدولي» حتى 13 مارس المقبل
TT

انطلاق «البستان الدولي» بأسعار بطاقات موحدة

يستمر «مهرجان البستان الدولي» حتى 13 مارس المقبل
يستمر «مهرجان البستان الدولي» حتى 13 مارس المقبل

في عام 1994 ولد «مهرجان البستان الدولي» بفكرة أطلقتها يومها ميرنا البستاني؛ فهي تعدّ أول سيدة لبنانية دخلت الندوة البرلمانية، والمعروفة باهتمامها الدائم بمجالي الفنون والثقافة. ومنذ ذلك التاريخ، ينتظر اللبنانيون موعد هذا المهرجان سنوياً، الذي يشكل مساحة ضوء يُطلون معها على باقة من الفنون العالمية والمحلية.
وبعد غياب قسري استمر نحو سنتين بسبب وباء «كورونا»، تعود فعاليات «مهرجان البستان الدولي» في نسخته الـ28. وتحت عنوان: «ريكونكت (reconnect)»؛ أي «إعادة التواصل»، انطلقت أمسياته التي تستمر حتى 13 مارس (آذار) المقبل.
يشارك في الليالي الـ13 للمهرجان عدد من الموسيقيين والمغنين الأجانب، إضافة إلى تخصيصه أمسيتين شرقيتين؛ إحداهما تحييها أميمة الخليل، والأخرى من تقديم علاء ميناوي.
انطلقت فعاليات المهرجان في 16 فبراير (شباط) الحالي مع السوبرانو جويس الخوري يرافقها عازف البيانو العالمي جيانلوكا مارتشيانو. قدما معاً حفلة فنية اتسمت بعزف وغناء أوبرالي لمقاطع موسيقية لبوتشيني وفيردي.
ومن الفنانين العالميين المشاركين في هذا الحدث «الخماسي العازف» من «الأكاديمية الملكية» في لندن، وعازف البيانو الشهير بوريس بريزوفسكي، وعازف الكمان الفرنسي رينو كابيسون وعازف التشيللو فيكتور جوليان لافيريير... وغيرهم.
تقول لورا لحود، الرئيسة التنفيذية للمهرجان وابنة مؤسسته ميرنا البستاني، إن صعوبات جمة واجهتها في تنفيذ هذا الحدث، سيما أنه يعود بعد غياب. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «إننا؛ كغيرنا من اللبنانيين، نعاني من مشكلات كثيرة، ولكننا قررنا أن نمضي في تنفيذ هذا الحدث على المستوى المطلوب، لنقاوم الإحباط بالفن والموسيقى».
وما سهل المهمة على لحود هو استعانتها بأسماء موسيقيين ومغنين سبق أن استضافهم المهرجان، ويعرفون سلفاً لبنان وأوضاعه المضطربة... «لم يكونوا نجوماً معروفين بعد، عندما دعوناهم في أولى سنوات المهرجان. اليوم صارت تربطنا بهم علاقة وطيدة. فهم أحبوا بلدنا واستقبالنا لهم والطعام اللبناني، وباتوا يشتاقون إليه. ولذلك لم نجد صعوبة في إقناعهم بالمشاركة في هذا الحدث؛ لأنهم متفهمون للأحوال المتردية التي نمر بها، ويساندوننا بمشاعر المحبة والتشجيع التي يكنونها لنا».
ومن ضيوف المهرجان الذين يشاركون لأول مرة، قائدة الأوركسترا فنزويلية الأصل غلاس ماركانو، و«الخماسي» من «الأكاديمية الملكية» في لندن، إضافة إلى الثلاثي السوبرانو كاتلين نورشي، والتينور مليندي أوبري باتو، والباريتون نيكولاي زمليانسكيخ.
وتتوزع فعاليات المهرجان على عدد من الأماكن في بيروت، بينها «كنيسة مار يوسف» في شارع «مونو»، و«متحف سرسق»، الواقعين في منطقة الأشرفية. فيما تجري غالبية باقي الحفلات في «فندق البستان» في برمانا.
وتقام على هامش المهرجان ورشات عمل وحلقات نقاش وصفوف تدريس، تشارك فيها السوبرانو جويس الخوري، لتعطي دروساً في الغناء لنحو 20 شخصاً. وكذلك فيكتور جوليان لافيريير ليعطي دروساً في العزف على آلة التشيللو. وفي الجميزة؛ وبالتحديد في «مبنى آل داغر التراثي»، تقيم قائدة الأوركسترا غلاس ماركانو حلقة حوار في الموسيقى.
وفي 20 فبراير الحالي، يخرج مهرجان البستان عن برنامجه التقليدي لينظم حفلاً في الهواء الطلق، وسيراً على الأقدام في منطقة عين المريسة. وفي 28 منه يحيي عازف البيانو بوريس بريزوفسكي حفلاً خاصاً لمرضى السرطان والأطباء في مستشفى «الجامعة الأميركية». ومن بين المحاضرات التي ينظمها المهرجان واحدة تتناول مؤلف النشيد اللبناني الوطني وديع صبرا، وتقام في 28 فبراير الحالي في «متحف سرسق».
ووضعت إدارة المهرجان في تصرف الراغبين بحضور الحفلات «سيتي باص»؛ وهو يتألف من طابقين، ينقل الزوار إلى مكان الحفلات في موعد ثابت من «ساحة الشهداء» وسط بيروت؛ أي في السادسة والنصف مساء بتكلفة 150 ألف ليرة للشخص الواحد.
ومن الحفلات التي ينتظرها اللبنانيون «رسايل» لأميمة الخليل التي يرافقها فيها زوجها هاني السبليني على البيانو والأوركسترا اللبنانية الشرقية بإدارة المايسترو آندريه الحاج في 11 مارس المقبل، في «فندق البستان». وتتخلل هذه الأمسية لوحات لفرقة تضم راقصين صُمّ يشكلون فرقة الشاب الفنان والراقص الموهوب بيار جعجع، المصاب بالصمم وبصعوبات في النطق. أما المخرج علاء ميناوي وتحت عنوان «يوم لم ينته» فسيتناول انفجار «4 آب»، على طريقته الفنية. وتوضح لحود في سياق حديثها: «سيطلب من الجمهور أن يكتب قصصاً عن تجربته مع هذا الحدث المأساوي في رسائل قصيرة. فيترجمها بدوره على المسرح مع الموسيقى وعازف البيانو فلادمير كوروميليان والرسام أحمد عامر».
ويختتم «مهرجان البستان» برنامجه بحفل يُنظم في 13 مارس المقبل، بعنوان: «الأوبرا من أجل السلام». ويشارك فيه 3 فنانين صاعدين من هولندا وروسيا وجنوب أفريقيا، وهم: كاتلين نورشي ومليندي أوبري باتو ونيكولاي زمليانسكيخ، إضافة إلى عازف البيانو العالمي جيانلوكا مارتشيانو.
وستتقيد الحفلات بالتباعد الاجتماعي وبشهادات اللقاح. وقد وُحد سعر بطاقات الدخول إلى الحفلات بمبلغ 350 ألف ليرة. وحدها حفلة 6 مارس «الكمان في باريس»، التي يحييها عازف الكمان الفرنسي الشهير رينو كابيسون ومواطنه غيوم بللوم على البيانو، ستكون بطاقاتها بأسعار أعلى؛ إذ سيعود ريعها إلى مجموعة «فرصة» التابعة لجمعية «بيت البركة» التي تهتم بتعليم الأولاد المحتاجين.
وتختم لحود لـ«الشرق الأوسط»: «هكذا نترجم شعورنا بالمقاومة، لنؤكد مرة جديدة أن لبنان لا يزال بلد الثقافة والفن وهويته المعروفة في العالم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».