هل فجر القضاء العراقي لغماً سياسياً؟

(تحليل إخباري)

TT

هل فجر القضاء العراقي لغماً سياسياً؟

بغياب قوانين تنظم أحكام الدستور العراقي، كانت عملية تصدير النفط والحصول على إيراداته في إقليم كردستان خاضعة لاتفاقات سياسية. وطوال 17 عاماً اتفق الفاعلون السياسيون على ملء الفراغ القانوني المتعلق بإدارة الثروات الطبيعية بتسويات هشة.
وخلال 3 دورات برلمانية، أخفق المشرعون العراقيون في سن «قانون النفط والغاز» لأسباب كثيرة؛ أهمها التضارب في إدارة الدولة بين منهجي المركزية والفيدرالية. ولما كان إقليم كردستان بحاجة إلى غطاء قانوني يتيح له التعاقد مع شركات النفط الكبرى، لجأ عام 2007 إلى سن قانون خاص بالحقول الواقعة في منطقته الإدارية، وبعدها توافدت شركات عالمية، مثل «توتال» و«إكسون موبيل»... وغيرهما.
وزارة النفط الاتحادية، وبحسب خبراء ومسؤولين عراقيين، شريكة في ترسيخ هذا التضارب؛ المتنامي في ظل الفراغ القانوني، ففي الوقت الذي يمنح فيه الدستور العراقي الحق للمحافظات في مشاركة السلطات المركزية إدارة الملف النفطي، تمسك الوزارة بإدارته في حقول ميسان والبصرة ومدن غيرهما بمركزية مفرطة، بمعزل عن الفاعل المحلي، والمستفيد الأهم.
اليوم رُفعت الأقدام عن اللغم وانفجرت تراكمات سياسية، بتداعيات قانونية في وجه الجميع. لقد كان الملف طوال نحو عقد من الزمن رهناً بحالة من التوجس والارتياب من كلا الطرفين؛ بغداد وأربيل، قدر تعلق الأمر بالحوار على الحق الحصري أو التشاركي في التصرف بحقول النفط والغاز.
لقد صرح صناع قرار في بغداد وأربيل، مراراً، بشهاداتهم بشأن الحوارات الفنية المشغولة بالسياسة للاتفاق على «مسودة قانون النفط الاتحادي»، ولأن المسودة بنسخها المتعددة تنتهي إلى لا شيء، فقد فشلت المنظومة السياسية في تشريعها، وتحويها إلى غطاء قانوني عام، لا ينظم العلاقة بين الطرفين ويحدد حقوقهما فحسب؛ بل حسم الهوية السياسية للنظام. وتبين بعد سنوات أن حسم مسألة الفيدرالية يبدأ من شعلة نار في حقل نفط.
ما المأزق الآن؟
ظاهرياً؛ المأزق فني وقانوني. على حكومة إقليم كردستان تسليم إدارة حقول النفط الواقعة في مناطقها الإدارية إلى موظفي وزارة النفط الاتحادية، فضلاً عن حراستها بشرطة تتبع السلطات الأمنية المركزية. ورغم أن الترتيب اللوجيستي لهذا التحول الإداري بحاجة إلى كثير من التفاهمات وتأمين الحاجة اللوجيستية، فإن هذا سيبدو أقل التداعيات صعوبة على الطرفين. ثمة إشكالات أكبر تتعلق بمصير عقود الشركات، والتي قد تصل إلى انسحابها بالكامل، فضلاً عما يترتب على هذا الانسحاب من خسائر للعراق، وديون بذمة حكومة إقليم كردستان. بهذا المعنى؛ فإن قرار المحكمة أربك سوق النفط العراقية وصلاتها كلها بالمستوردين الكبار.
والحال؛ أن نص القرار يفيد بأن المحكمة لا تكترث بالتداعيات السياسية أو المالية أو الإدارية المترتبة عليه، وهنا يظهر المأزق السياسي الأكبر، بدخول القضاة الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، على خط الأزمات المتراكمة لحسمها بإجراءات «مؤلمة»، في لحظة عجز سياسي تام.
المأزق السياسي يحاصر نص قرار المحكمة. من تحدثت «الشرق الأوسط» إليهم من سياسيين كرد، لم يترددوا في وصف الإجراء القضائي، بحكم التوقيت والظرف، بأنه «ضربة سياسية ثانية» بعد قرار إقصاء القيادي في «الحزب الديمقراطي الكردستاني» هوشيار زيباري عن سباق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. مثل هذه الردود تعثر سريعاً على سياقها الذي تفرضه التحالفات المتعثرة لتشكيل الحكومة الجديدة. في مكاتب الأحزاب الكردية تنتعش نظرية «العقاب» السياسي على مشاركة أربيل في محاولات إقصاء قوى «الإطار التنسيقي» من تحالف «الكتلة الكبرى».
لكن «التيار الصدري»، بزعامة مقتدى الصدر، دعا خلال مؤتمر صحافي، أمس الأربعاء، إلى «احترام قرارات المحكمة الاتحادية»، سوى أنه في الكواليس، ومن خلال مقربين من قرار الحنانة، يرى أن «ضرب» الخاصرة الكردية لتحالف الأغلبية الثلاثي سينتهي إلى تسوية تحت الضغط؛ هذه المرة ضغط من سلطة قضائية حاكمة لا يمكن استيعابه إلا بالقبول. ومع ذلك، فإن الصدر نفسه مضطر للانسجام مع شعار الإصلاح الذي رفعه، ومنه تفاقم أكبر وأخطر عجز سياسي تعيشه الفعاليات العراقية النافذة.
قرار صادم... فما التالي؟
معرفة الخطوة المقبلة؛ سياسياً وحكومياً، مرهونة بقدرة القوى السياسية على التكيف مع الواقع الجديد. ومن الواضح أن جزءاً من الطيف السياسي يحتاج إلى مزيد من الوقت للتعايش مع لاعب جديد في المعادلة العراقية، المتمثل في «المحكمة الاتحادية» المختصة أصلاً بحسم النزاعات ذات الطابع السياسي.
ومنذ انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تواجه الأحزاب العراقية صعوبات جدية في ابتكار الحلول، ووضع خطط بديلة للتسويات السياسية. وما حدث مؤخراً يمثل اختراقاً قضائياً لهذا التراكم من الكسل السياسي.
وتفيد المعطيات الراهنة بأن المحكمة الاتحادية العراقية ستواصل اختراقاتها بمراجعة أخرى للملفات الخلافية بين الأطراف النافذة في العراق، ولن يكون الحكم بعدم دستورية «قانون نفط الإقليم» هو الأخير في هذا السياق؛ مما قد يضعنا أمام معادلة سياسية جديدة ستحدد أجواء التفاوض على الحكومة الجديدة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.