النمسا في صيف 2018.. خالية من التدخين

قرار بالحظر يشمل الأماكن العامة وتحفيزات للمقاهي التي تبادر

مقهى موتسارت في فيينا
مقهى موتسارت في فيينا
TT

النمسا في صيف 2018.. خالية من التدخين

مقهى موتسارت في فيينا
مقهى موتسارت في فيينا

بعد ثلاث سنوات من الآن لن يكون بمقدور مدخن بالنمسا أن يدخن إلا داخل منزله، وفي حال انزعج جيرانه وقاموا بالشكوى فإن المحكمة هي الفيصل بينهما، وغالبا ما قد يخسر القضية.
يرجع ذلك لقانون جديد يحظر التدخين تماما في الأماكن العامة بما في ذلك المطاعم والمقاهي كافة بدءا من مطلع صيف 2018 مما يحسم قضية رأي عام استمرت لسنوات وسنوات.
هذا وكانت النمسا التي تعتبر الأسوأ سمعة أوروبيا من حيث حرية التدخين قد اضطرت في عام 2009 لإصدار قانون أخف حظر التدخين في الأماكن العامة مع استثناءات بأن تفصل المقاهي والمطاعم بين المدخنين وغير المدخنين.
القانون الجديد، والذي حظي بدعم وموافقة الأحزاب السياسية كافة، يمنع التدخين تماما في الأماكن العامة بدءا من شهر مايو (أيار) 2018 فيما يشجع على الحظر طوعا قبل الموعد المضروب مع تحفيزات بتقديم مكافآت مالية للمقاهي والمطاعم التي تبادر من الآن.
وتأتي المكافآت مساهمة وتعويضا لتقليل ما خسرته مقاهي ومطاعم اضطرت من قبل لاستحداث وتحديد أماكن لغير المدخنين.
ووفقا لتصريحات رسمية فقد كان من المتوقع أن ينفذ القرار هذا الصيف إلا أن الحكومة رأت ضرورة منح تلك الأماكن بعضا من الوقت للتكيف، خاصة وأن القانون لا يزال وبعد ثلاث سنوات من النقاش العام، يجابه حملات اعتراض واسعة من قبل أعضاء بالغرفة التجارية.
يشمل القانون الجديد جميع أنواع التبغ حتى السجائر الإلكترونية ويعتبر قرارا حازما يهدف لتغيير ما تعانيه النمسا من سمعة سيئة بالمقارنة مع بقية نظرائها من الدول الأوروبية. وأكثر ما يسيء للنمسا نسبة التدخين العالية بين الشباب في المرحلة العمرية من 18 إلى 22 على وجه الخصوص وهو ما منحها لقب «جنة المدخنين في أوروبا»، وذلك رغم كل الدراسات والبحوث التي أثبتت خطر التدخين على الصحة.
هذا وقد قاوم أصحاب مقاه قرارات الحظر بدعوى أنها جزء من ممتلكاتهم، وبالتالي فإنهم أحرار في التحكم فيها، ولا شأن للحكومة بها، مشيرين إلى أن التدخين في المقاهي معروف كعادة نمساوية قديمة تصاحب فنجان القهوة وكوب الماء وقطعة الجاتوه وقراءة الصحف التي توفرها المقاهي مجانا.
وعلى الجانب الآخر فقد لجأ عدد من أصحاب مقاه بالعاصمة فيينا إلى إدخال تعديلات بقصد تغيير النمط والصورة التقليدية لما عرف عن المقاهي النمساوية الشهيرة من تسامح تجاه المدخنين. ومن ذلك مثلا افتتاح مقهى باسم «مقهى الأثاث» يمنع التدخين حفاظا على أثاثاته التي يجلس عليها رواده والتي هي كذلك معروضة للبيع. لهذا وكما هو متوقع فإن الديكور الداخلي لهذا المقهى في حال تغيير وتجديد مستمرين على العكس تماما من مقاه قديمه لا تزال تحتفظ بطاولات وكراسي منذ افتتاحها مطلع الأربعينات من أشهرها مقهى هابيلكا الشهير الذي لم يغير أيا من أثاثاته منذ الحرب العالمية الثانية.
ولجأ مقهى «فييل» لحيلة لصرف انتباه زبائنه عن التدخين بأن ملأ أرجاءه بأرفف مرصوصة بمختلف أنواع الكتب والأشرطة والأسطوانات والأقراص المدمجة التي يمكن للرواد الاستماع لها وتقليب صفحاتها وهم يحتسون القهوة.
مقهى آخر التزم منذ افتتاحه بمنع التدخين (هذه المرة حرصا على صحة سكانه أولا قبل رواده) هو مقهى القطط وجاء اسمه من وجود 5 قطط مدللة تحظى بإعجاب ورفقة الزبائن الذين يأتون أساسا لرؤيتها. وكان يوم افتتاحه حدثا غطته وسائل الإعلام باعتباره الأول من نوعه بالعاصمة فيينا والنمسا عموما.
افتتحت المقهى سيدة يابانية تعيش بفيينا واتتها فكرة العمل والاستثمار فاستحضرت عادة يابانية تسمح لرواد هذه النوعية من المقاهي باللعب مع القطط. فنفذت الفكرة التي لاقت إقبالا وكان أن صممت مقهاها بحيث يتناسب أولا وراحة قططه التي يضايقها دخان السجائر فكان قرار الحظر.
وخشية أن تشاغب القطط مما قد يتسبب في عواقب غير محمودة، فإن المقهى لا يقدم تلك الأنواع من القهوة التي تعلوها طبقات الكريمة البيضاء كما تأت الأطعمة مغطاة.
وبينما يسمح للزبائن بملاطفة القطط ولمسها والربت على جلدها وحتى حملها إلا أنهم محرومون من تغذيتها إذ لها وجبات خاصة ومواعيد طعام أكثر خصوصية خشية أن تصاب بالسمنة.
في سياق آخر ورغم أن البرلمان النمساوي قد أجاز مطلع هذا الشهر قرار الحظر فإن النقاش ما زال محتدما بسبب بعض أصحاب مقاهٍ تقليدية ومطاعم ممن يرون في حظر التدخين خسارة فادحة قد تلاحقهم، مهددين برفع الأمر للمحكمة الدستورية.
هذا فيما تطالب جهات أكثر حرصا للتضييق على المدخنين برفع سعر السجائر أولا باعتبار أن السجائر النمساوية لا تزال هي الأرخص أوروبيا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».