سينما للدفاع عن الحرية والمظلومين

من «زورو» الأمس إلى «المنتقمون» اليوم

المحاربان ثور وكابتن أميركا في «المنتقمون: عصر ألترون»
المحاربان ثور وكابتن أميركا في «المنتقمون: عصر ألترون»
TT

سينما للدفاع عن الحرية والمظلومين

المحاربان ثور وكابتن أميركا في «المنتقمون: عصر ألترون»
المحاربان ثور وكابتن أميركا في «المنتقمون: عصر ألترون»

سواء نظرت إلى أول فيلم «سوبرهيرو» (وهو بالمناسبة «علامة زورو» أنتج عام 1920) أو إلى أحدث فيلم من هذا النوع، وهو «المنتقمون: عصر الترون» الذي يشمّر عن ساقيه ليبدأ عروضه خلال أسبوع، فإن الأساس في شخصيات وأحداث كل الأفلام التي تم اقتباسها من روايات شعبية ومجلات كوميكس هو واحد: رجل (أو مجموعة) تحارب في سبيل الحق دفاعا عن مستضعفين.‬
في روايات زورو (الكلمة في الإسبانية تعني الثعلب) هناك ذلك الرجل ذو الرداء الأسود والقناع الذي يغطي العينين وبعض الوجه يحمل على الحكّام الإسبانيين أيام ما كانت ولاية كاليفورنيا الجميلة واقعة تحت الحكم الإسباني أسوة بالمكسيك. زورو، حسبما كتب المؤلّف جونستون ماكولي، هو الدون (السيد) دييغو دي لا فيغا الذي يتظاهر بأنه من الإقطاعيين وأصدقاء الحاكم الجائر، لكنه يعرف كيف يتسلل ليستبدل لا ملابسه فقط، بل شخصيّته فيتمشق السيف وينقذ الناس التي كانت تعيش تحت وابل الظلم الاجتماعي والضرائب المرتفعة.
لا حاجة للقتال في سبيل هذا الواجب اليوم، فالناس قبلت نظام الضرائب وإن شكت فإنها تشكو لجيبها فقط، لكن الحرب على أشكال أخرى من الشر موجودة، وفي «المنتقمون: عصر الترون» سنتعرّف عليه في شخص البارون وولغانغ الذي يستخدم بشرا لتجاربه الخطرة. صنع كائنات بشرية تتمتع بقدرات فائقة على التدمير ولا يزال يمني نفسه بالمزيد من ذلك. المنتقمون، وهم كناية عن عدّة شخصيات بطولية احتلت صفحات مجلات شركة مارفل للكوميكس تتصدّى له في معقله في بلد أوروبي شرقي اسمه سوكوفيا. طبعا المهمّة ليست سهلة لكن المخرج جوس سعيد، كما يقول، في أنه أنجز فيلما أقل في مدّة عرضه بدقيقة واحدة من مدّة عرض الجزء الأول قبل ثلاث سنوات.
لكن ذلك الفيلم كان أرخص بثلاثين مليون دولار إذ بلغت تكلفته 220 مليونا في حين أن الجزء الثاني الحالي شق طريقه بثبات صوب فاتورة قدرها 250 دولارا قامت «ديزني» بدفعها وهي راضية، فالجزء السابق سجّل مليارا ونصف المليار من الإيرادات حول العالم. وجوس ويدون يعرف قيمة البضاعة التي بين يديه والعصبة من «السوبر هيروز» التي تتحرك تبعا لأوامره.

العدو الجديد

كل واحد من تلك الشخصيات البطولية يتمتع بقوّة خارقة تختلف عن الأخرى: «آيرون مان» (روبرت داوني جونيور) يتمتع بتلك البذلة الفولاذية التي تمكنه من الطيران وإطلاق النار على أعدائه. «ذا هلْك» (أو «الضخم» ويقوم به مارك روفالو) هو ذلك الرجل الذي لا تريد أن تغضبه، إذا فعلت تبدّل كليا وأصبح شخصا بالغ الضخامة والقوّة وأخضر اللون. كابتن أميركا (كريس إيفانز) هو المحارب الذي يحمل درعا يستطيع رميها على أعدائه فيبيدهم بها وتعود الدرع إليه في كل مرّة. ثور (كريس همسوورث)، هو البطل الخارج من زمن ماض إلى الزمن الحالي. إنه، حسب الوصفة التي وُضعت له على صفحات مجلات مارفل، آلهة يحمل ملامح المحارب النورماندي أو الفايكنغ ولا يزال يتصرّف كواحد منهم.
هوكآي (جيريمي بَنر) على التضاد التام من ثور، ويختلف عن باقي هؤلاء الأبطال الخارقين في أنه إنسان لا يتميّز بقدرات غير عادية ولا يتحوّل من شخص إلى كائن. على ذلك فهو الإنسان «العادي» في مزاياه الأفضل: بالغ الذكاء ويجيد الألعاب البهلوانية التي تمدّه بالقدرة على المواجهة مهما كان الظرف.
أما «بلاك ويدو» (سكارلت جوهانسن) فهي حسب المواصفات المتّبعة امرأة تتميّز بالمهارة في فنون القتال المختلفة ومزوّدة بسوارين يستطيعان فعل المعجزات كونهما يطلقان نارا وإشعاعات.
في الأصل واجه «آيرون مان» و«كابتن أميركا» الأعداء الشيوعيين. خلال الخمسينات والستينات عندما كانت الحرب الباردة قائمة بين شرق قائم على التعسّف يمثله الاتحاد السوفياتي وغرب يؤمن بالحرية الاقتصادية، تمثله الولايات المتحدة، شارك الاثنان في درء الخطر الشيوعي عن أميركا ومحاربته. «بلاك ويدو» كانت بدورها عميلة روسية ولدت في ستالينغراد وترعرعت تحت سهر خبراء الجاسوسية في موسكو لكنها انضمت للمعسكر المعادي مشتركة في محاربة الخطر الشيوعي (آنذاك). الباقون كانوا من ذوي مهام مختلفة لكنهم اليوم جميعا يشتركون في محاربة شرور وآثام القوى المعادية للغرب والعالم الذين يسعون، من بعد انهيار المنظومة الشيوعية، لخراب العالم الحر تماما كما حاولت القوى السابقة.

جاء من الفضاء الخارجي

في الواقع، ما إن انتهت الحرب العالمية الثانية، أو الحرب الساخنة، حتى بدأت الحرب الباردة بعدما أدركت الولايات المتحدة أن الشيوعية قد تتسرّب إلى البلاد كأي أفكار أخرى إذا لم تعمد إلى مواجهتها. والسينما كانت خير سبيل لذلك. وفي حين أن الأشرار النازيين احتلوا في أفلام هوليوود وبريطانيا الجاسوسية موقع القلب، لم يعد هناك غاية من رصد النازيين بعد اندحار ألمانيا واستسلامها. فجأة جاء البديل في ثياب حليف الأمس.
لكن أفلام السوبرهيرو لم تكن الجبهة الأولى في ذلك التصدّي. معظمها الأول أنجز أيام الحرب العالمية الثانية حين كان العدو لا يزال النازيين واليابانيين المتحالفين. لاحقا هم الصينيون في بعض الأفلام، لكن العدو الروسي برز في أفلام الخيال العلمي والصورة، كما يمكن أن نلاحظها في الخمسينات معكوسة عن تلك التي تعرفها أفلام الكوميكس الحالية.
في «الصحون الطائرة» لفرد س. بانون و«الرجل من الكوكب X» لإدغار أولمن ثم «غزاة من المريخ» لويليام كاميرون منزيز و«جاء من الفضاء الخارجي» لجاك أرنولد و«غزو ناهشي الجسد» لدون سيغال والكثير سواها أوجدت الحياة على سطح الكواكب المحيطة لكنها رمزت إلى كائناتها الغريبة على نحو مجازي لا يتحمّل الالتباس. كل واحد من هذه الأفلام وسواها تحدّث عن خطر يهدد أميركا (والعالم الحر) ووحوش مختلفة تريد سلب الاختلاف والحرية الشخصية واستبدالها بكائنات بشرية ذات توجه فكري واحد يعملون حسب منهج لا يحيدون عنه.
المفارقة هي أن «القدرات الخارقة» ليست من ملك الإنسان الأميركي في هذه الأفلام بل تتبع القوى الخارجية المعتدية: الصحون الطائرة القادرة على التدمير الشامل، الكائنات ذات أسلحة اللايزر القاتلة. الكائنات التي تتقمّص أشكال الأشخاص العاديين وتديرهم بحيث يصبح من الصعب تفريقهم عن الأناس غير المتقمّصين بعد. أما الأبطال الحقيقيون فهم أميركيون عاديون حتى وإن كانوا عسكريين في بعض تلك الأفلام. قدراتهم الدفاعية لا تجدي لأنها تنتمي إلى أسلحة أقل تفوّقا من تلك المستخدمة من قِبل الفضائيين. ما ينقذهم في النهاية هو التحالف فيما بينهم («جاء من الفضاء الخارجي») أو الكنيسة («حرب العالمين» لبايرون هاسكين) أو اكتشاف سلاح تقني في آخر لحظة («الهدف هو الأرض» لشرمان روز). وفي بعض الأحيان، فإنه لا ملاذ سوى التوعية بالصوت الهستيري المرتفع كما الحال في «غزو ناهشو الجسد» لدون سيغال (1956) الذي يتحدّث عن انتشار شرانق تهبط مع المطر (لا حواجز تستطيع منع تسلل الفكر الشيوعي) وتنمو بسرعة ثم تستولي على الناس النائمين. بطل الفيلم هو شخص عادي (كَڤن مكارثي) يدرك ما يحدث ويقاوم النوم ويحاول النجاة بنفسه وتحذير المدينة الأخرى بعدما سقطت الأولى.
الفكرة ذاتها انتقلت إلى فيلمين آخرين مماثلين. ففي عام 1978 قام فيليب كوفمن بإخراج نسخة جديدة من هذا الفيلم بينما قام سنة 1993 بإخراج نسخة ثالثة مكتفيا بعنوان «ناهشو الجسد». لكن ما انتقل ليس الفكرة فحسب، ففي حين هاجم سيغال الشيوعية مرتدية ثياب الكائنات المخيفة، لازم كوفمن الفكرة الخيالية - العلمية من دون ميول خارجية، في حين أن العدو في النسخة الثالثة، وتبعا لاختلاف الأزمنة، أصبح القوّة العسكرية الأميركية ذاتها إذ هي التي تشهد محاولتها غزو الأبدان الأخرى. نسخة كوفمن قدّمت الممثل كيفن مكارثي من جديد مستعيرة حضوره من الفيلم السابق. ها هو لا يزال، في مطلع الفيلم، يحاول تحذير الأميركيين من غزو ناهشي الجسد ولا يزال الأميركيون يعتقدون أنه مجنون يهذي.

كل أنواع البطولة

لا يجدي مع أفلام «الكوميكس» طبعا أن تكون القدرات في يد الأعداء وحدهم. ربما أبطال هذه الأفلام يبدون رجالا عاديين في أزمنة السلم، لكن ما إن يكتشفوا موقع الخطر حتى تجدهم انقلبوا إلى أدوات مجابهة وقتل وتدمير. الممكن هو أن يكون هناك نوع من المساواة في القدرات لأن البطل القوي لا يمكن أن يستمد صورته الخارقة إلا من خلال شرير مماثل في قوّته. الشرير الضعيف يجعل المقارنة أقرب إلى نمر يتسلّى بفأر، عوض أن يكون العدو من حجمه وقوّته. على هذا الأساس فإن أعداء اليوم، ولو على نحو مكرر، هم كأعداء جيمس بوند يعدون بإنزال الهزيمة بكل محاولات تقويضهم. وعادة ما يبدأ الفيلم باكتشاف إمبراطورية الشر التي تضرب في مكان ما فيثير ذلك انتباه الأبطال. المجابهة الأولى بينهما ليست حاسمة. الأشرار يزدادون قدرة على الفتك وهذا يستدعي مواجهة أخرى صعبة لكنها تنتهي، والفيلم، بنصر الخير على الشر.
مخرج فيلمي «ذا أفنجرز» جوس ويدون أكد حتى من قبل بدء التصوير سنة 2013 أنه لا يرغب في تحقيق فيلم يعلو الأول، بل فيلم منفصل عنه ولو بالأبطال أنفسهم. وربما تم له ذلك. الواضح أن السعي لتجاوز المغامرة السابقة ليس مجرد نيّة بل يتطلب الكثير من الجهد لاحتواء ما سبق وتطويره.
كل ذلك يتماثل والرغبة الأم وراء هذه الأفلام بأسرها، تلك المقتبسة عن شخصيات «الكوميكس» («سوبرمان»: «باتمان»: «المنتقمون» الخ…) وتلك المتحوّلة من الروايات الشعبية («زورو»: «طرازان»: «الشبح»: «الظل» إلخ…) مشتركتان في توطيد الأمل بالحق يهزم الظلم والإنسان السوي ينتصر على الشرير بشرا كان أو من غير البشر.
لكن في السابق كان هناك مجال لكل أنواع البطولة، خيالية كاملة أو واقعية أو ما بينهما من درجات. فجأة لم يعد واردا تقديم أبطال فعليين من الحياة الواقعية. لا يهم الشخص الذي يشبه أيا منا بل الشخص الذي لا يستطيع أيا منا الاحتذاء به. هو في نهاية مطافه ليس فقط أقوى من عدوّه، ولو بالقدر الذي سيسمح له في النهاية بقهره، بل أقوى من قدراتنا المتواضعة. وفي حين كان الواحد منّا يخرج من الفيلم وفي باله صورة ماثلة لهمفري بوغارت أو ألان لا أو روبرت ميتشوم في وضع يمكن تطبيقه على الأرض، بات من العبث على المرء أن يتصوّر، ولو على نحو ولادي، أنه يستطيع أن يحتذي بأحد هؤلاء الأبطال أو أن يقارع ما شاهده من بطولاتهم بخياله المحدود.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».