«فتنة ميسان» تجبر الصدريين و«العصائب» على بحث تجنب اقتتال شيعي

أول مفاوضات بين التيار وجماعة الخزعلي... واتهامات لـ«الطرف الثالث»

اجتماع ممثلي التيار الصدري و«عصائب أهل الحق» في العمارة جنوب العراق أمس (شبكة رووداو)
اجتماع ممثلي التيار الصدري و«عصائب أهل الحق» في العمارة جنوب العراق أمس (شبكة رووداو)
TT

«فتنة ميسان» تجبر الصدريين و«العصائب» على بحث تجنب اقتتال شيعي

اجتماع ممثلي التيار الصدري و«عصائب أهل الحق» في العمارة جنوب العراق أمس (شبكة رووداو)
اجتماع ممثلي التيار الصدري و«عصائب أهل الحق» في العمارة جنوب العراق أمس (شبكة رووداو)

لأول مرة ومنذ نحو سنتين حين بدأت عمليات الاغتيالات والتصفيات التي بدت غامضة أول الأمر في محافظة ميسان جنوبي العراق يجلس الصدريون و«عصائب أهل الحق» على مائدة مفاوضات. الهدف من المفاوضات التي اتفق عليها كل من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقيس الخزعلي زعيم «العصائب» مساء أول من أمس وضع حد لعمليات الاغتيال في المحافظة لا سيما في الآونة الأخيرة.
المتهم بعمليات الاغتيال الذي يتفق عليه الطرفان ومعهم معظم القوى السياسية الشيعية هو «الطرف الثالث» الذي يريد عبر دعم إقليمي ودولي إشعال فتيل الاقتتال الشيعي - الشيعي. أصابع الاتهام لا سيما بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت خلال الشهر العاشر من العام الماضي باتت توجه إلى إسرائيل ومن يوصفون بأنهم عملاء الولايات المتحدة الأميركية سواء كانوا أطرافا سياسية داخل العراق أو أطرافا إقليمية دخلوا على الخط بقوة بعد ظهور نتائج الانتخابات.
مع أن عمليات الاغتيالات في محافظة ميسان التي يتنازع عليها كل من التيار الصدري وعصائب أهل الحق بدأت منذ أكثر من سنتين حين اغتيل القيادي البارز في العصائب وسام العلياوي وبقي الأمر مسكوتا عنه، فإن زيادة وتيرتها في الآونة الأخيرة جعلت الخزعلي يطلب من الصدر التبرؤ من قتلة حسام العلياوي وهو آخر قتلى «العصائب» في محافظة ميسان وشقيق كل من وسام وعصام العلياوي اللذين سبق أن قتلا عام 2019. وكان حسام وهو رائد شرطة اغتيل الأسبوع الماضي ومن ثم تبعته أكثر من عملية اغتيال مما جعل الأوضاع تزداد تعقيدا بشأن إمكانية جر الطرفين إلى اقتتال شيعي يبدأ من ميسان ويمتد إلى باقي محافظات الوسط والجنوب.
وفيما قال الخزعلي في بيان المخاطبة الذي وجهه إلى الصدر أن «اليد التي اغتالت حسام العلياوي هي نفس اليد التي اغتالت أخاه وسام وأخاه عصام من قبل وهذه اليد لا تريد إلا إثارة الفتنة وخصوصاً في هذا التوقيت» فإن الصدر لم يعلن البراءة من أحد.
يذكر أن اغتيال رائد الشرطة المنتسب إلى «العصائب» حسام العلياوي جاء بعد نحو ثلاثة أسابيع من اغتيال مسلم أبو الريش المتهم الرئيسي في اغتيال وسام العلياوي وشقيقه القياديين في «العصائب». لكن بعد أن بدا أن الأمور أصبحت على حافة الانزلاق بين الصدر والعصائب دعا زعيم تحالف الفتح هادي العامري كلا من الصدر والخزعلي إلى «التحلي بأعلى درجات ضبط النفس». واتهم العامري الأعداء دون أن يسمي أحدا بإنفاق «المليارات» من أجل تحقيق ما أسماه «الاقتتال المحلي ولم ينجحوا»، عادا أن ما يجري في ميسان هو بمثابة هدية لهؤلاء الأعداء «على طبق من ذهب».
وفي سياق مواجهة الأزمة فقد أعلن الصدر عن إرسال وفد عالي المستوى طبقا لما ورد في تغريدة له إلى ميسان من أجل إنهاء الفتنة بين التيار و«العصائب». وهدد الصدر بـ«إعلان البراءة من الطرفين في حال عدم التعاون لإنهاء الفتنة».
إلى ذلك أعلنت اللجنة المشكلة من كلا الطرفين (التيار والعصائب) نتائج أول اجتماع لها عقد أمس الجمعة في مدينة العمارة، مركز محافظة ميسان. وقال بيان للجنة إنه «تم الاتفاق على استنكار جميع جرائم القتل في المحافظة، ودعم ومساندة القضاء والأجهزة الأمنية من أجل أخذ دور الدور الأكبر في فرض القانون والحد من الجريمة، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، واستمرار عمل اللجنة ومتابعة التحقيق وكشف الجناة من أجل أخذ جزائهم العادل، ودعوة أهالي ميسان إلى التحلي بالصبر لتفويت الفرصة على من يريد إثارة الفتنة، ودعوة وسائل الإعلام توخي الحذر والدقة في نقل الأخبار من مصادرها الصحيحة».  



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».