أنطونيو بانديراس ما زال يحلم ببيكاسو

الممثل الإسباني عاد إلى مسقط رأسه في الأندلس

مع خطيبته الجديدة في باريس
مع خطيبته الجديدة في باريس
TT

أنطونيو بانديراس ما زال يحلم ببيكاسو

مع خطيبته الجديدة في باريس
مع خطيبته الجديدة في باريس

بعد طلاقه الودي من زوجته النجمة الأميركية ميلاني غريفيث، قرر الممثل أنطونيو بانديراس العودة إلى مسقط رأسه في مدينة مالقة، جنوب إسبانيا، وهي المدينة التي شهدت، أيضًا، ولادة بابلو بيكاسو، أشهر رسامي القرن العشرين. وفي طريق العودة، مر بانديراس بباريس حيث حل ضيفًا على برنامج النجم ميشال دروكير الذي تبثه القناة الثانية كل أحد.
تحدث الممثل الإسباني الذي لقي شهرة طيبة في هوليوود، خلال العقدين الماضيين، عن مشروع قديم جديد ما زال يأمل أن يرى النور، وهو فيلم يؤدي فيه دور بيكاسو في الفترة التي رسم فيها لوحته ذائعة الصيت «غيرنيكا». وقال إن مشروعه ما زال يتأجل، مرة تلو المرة، بسبب الخلافات على التمويل. وكان بانديراس قد وقع عقدًا، قبل ثلاث سنوات، للقيام بدور مواطنه الرسام، لكن الفكرة تلاشت بسبب إشهار الشركة المالكة للحقوق إفلاسها. ثم عاد الممثل، في العام الماضي، وأعلن أن المشروع ما زال قائمًا وأن التصوير سيبدأ قبل نهاية السنة وسيحمل الفيلم عنوان «33 يومًا».
اليوم، يبدو أن العمل يمر بانتكاسة جديدة، حسب اعتراف الممثل البالغ من العمر 54 عامًا. وهي سن تقترب من عمر بيكاسو حين أنجز لوحته الشهيرة موضوع الفيلم. والسبب هو الخلاف على السيناريو مع الممولين، رغم أن المخرج كارلوس سورا ما زال شديد الحماسة للمشروع. وبحسب ما نشر حول الفيلم، فإن الممثلة الأميركية غوينيث بالترو مرشحة للقيام بدور دورا مار، عشيقة بيكاسو الكرواتية الأصل المولودة في فرنسا وأشهر النساء اللواتي خلدهن في لوحاته الرسام الذي عاش 91 عامًا وتوفي عام 1973.
وتثير «غيرنيكا» اهتمام عشاق الفنون منذ أن أبدعها بيكاسو في باريس لتصبح أبرز إنجازاته وواحدة من اللوحات الأكثر شهرة في العالم، بعد «الموناليزا». وقد نفذها بالأصباغ الزيتية على القماش وبأسلوبه التكعيبي مبتدئًا العمل فيها في الأول من مايو (أيار) لينهيها في الرابع من يونيو (حزيران) 1937، بناء على طلب من الحكومة الجمهورية في إسبانيا لتوضع في جناحها بمعرض باريس الكوني لتلك السنة. وسعى الرسام لأن تكون هذه اللوحة صرخة احتجاج ضد القصف الذي كانت بلدة غيرنيكا الإسبانية قد تعرضت له قبل شهر من ذلك التاريخ، خلال الحرب الأهلية، وتهديم بيوتها ومقتل الكثيرين من أبنائها. ونفذت العدوان قوات ألمانية نازية وإيطالية فاشية بطلب من القوميين الإسبان الذين انقلبوا على الشرعية الجمهورية.
عرضت اللوحة في بلدان كثيرة قبل الحرب العالمية الثانية، وكان لها دور معنوي في التحريض ضد المعتدين على البلدة واكتسبت سمعة سياسية عالمية في التنديد بأهوال الحروب بشكل عام. وللحفاظ عليها خلال فترة حكم الديكتاتور فرانكو، أودعت «غيرنيكا» في الولايات المتحدة الأميركية بناء على رغبة رسامها. وفي عام 1981، تم نقلها إلى إسبانيا حيث وضعت في متحف الملكة صوفيا في مدريد.
بانديراس، العائد إلى مالقة لتمضية أيام عيد الفصح، كعادته كل عام، أخذ معه خطيبته نيكول كمبل، ذات الأصول الألمانية والهولندية، لكي يقوم لها بدور الدليل في مرابع تلك المدينة الأندلسية المسكونة بعبق التاريخ. وقد جمعتهما مائدة عشاء مع بالوما بيكاسو، إبنة الرسام الشهير، التي قالت له: «يخيل لي حين أغمض عيني وأسمع صوتك أن الذي يتحدث هو أبي». وكان في صحبة الممثل، أيضًا، الشاب ألكسندر، نجل طليقته ميلاني غريفيث الذي يعتبره مثل ابنه.
في باريس، أدلى بانديراس بحديث لمجلة «باري ماتش» قال فيه إن علاقة روحية خاصة تربطه ببيكاسو. وهو قد حرص، يوم نال جائزة الشرف السينمائية الإسبانية «غويا»، على استعارة جملة للرسام يقول فيها «لقد أتيت من البعيد لكنني طفل». وأضاف أن بيكاسو رحل عن الدنيا قبل ثلاث سنوات من رحيل الديكتاتور فرانكو، ولم تتسن له العودة إلى مالقة. وفي لقاء مع أوليفييه فيدماير بيكاسو، حفيد الرسام، عرف بانديراس أن بيكاسو كان يتذكر مسقط رأسه ويتحدث كثيرًا عن شاطئ مالقة وزوارق صياديها وطيور الحمام المحلقة فوق مبانيها وساحة «مرسيد» التي تتوسط المدينة.
هل يعود الممثل الذي قدم أجمل أدواره في أفلام موطنه المخرج بيدرو المودوفار، للاستقرار في مدينة ولادته؟ يرد على السؤال بأن من يعود هو من غادر. وهو لم يغادر مالقة تمامًا رغم سنوات إقامته في الولايات المتحدة. أما حاليًا، وبعد طلاقه وتركه لوس أنجليس، فقد يقيم في لندن أو نيويورك، المدينة التي تستعد ابنته من زوجته السابقة ميلاني للدخول في جامعتها. لكن مالقة تبقى الحضن المفتوح على الدوام.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».