«روائح السعودية»... فن «شمّي» يستلهم رائحة الحداثة والغد في «بينالي الدرعية»

أشرف عثمان لـ«الشرق الأوسط»: 3 عطور تُبتكر لأول مرة تُطرح للبيع بعد أسبوعين

TT

«روائح السعودية»... فن «شمّي» يستلهم رائحة الحداثة والغد في «بينالي الدرعية»

يقول الشاعر الراحل محمود درويش «كل مدينة لا تُعرف من رائحتها لا يُعوَّل على ذكراها»... هذا النص ألهم الباحث اللبناني أشرف عثمان، وهو قيّم فني على حاسة الشم، مما دفعه لتصميم ورش عمل جديدة من نوعها، تقدم لأول مرة في البلاد، بعنوان «روائح السعودية»، ضمن البرنامج الثقافي لبينالي الدرعية، الذي يقام حالياً في الرياض.
ورغم أنّ مدن السعودية غنيّة بعبق الروائح المستلهمة من عمق الأمكنة، فإنّ هذه الورش تقدم مضموناً مختلفاً، إذ تختزل رائحة بلاد وليست مدينة فقط، بكل ما تحويه من تنوّع وتاريخ وتضاريس وثقافات، والجامع المشترك هنا هو الحراك والتغيير الحاصل في السعودية، كما يوضح عثمان، قائلاً: «نحاول في ورش العمل تناول ثلاثة مراحل: التقاليد (الماضي)، والحداثة (الحاضر)، والغد (المستقبل)، لنخرج بثلاثة عطور، تُباع للراغبين بشرائها بعد أسبوعين».
ويتابع عثمان حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «أردنا أن نعمل شيئاً مختلفاً، لأنّ بينالي الدرعية هو أول بينالي يقام في السعودية، لذا جاءت الفكرة مستوحاة من عمق المكان». وربما كثيرون يربطون السعودية بروائح العود والقهوة والورد والبهارات والجلد والمسك، إلا أنّ عثمان يرى ما هو أبعد من ذلك، إذ أضاف إلى هذه المواد التقليدية مكونات جديدة، مثل رائحة النباتات الخضراء ورائحة طبقة الأوزون، وهناك مواد غير مألوفة في العطور، مثل رائحة المعادن والشمس والرمال، والأغرب رائحة الأثير.
وتطلب الأمر الكثير من البحث والتعمق في الثقافة السعودية من أشرف عثمان، الذي قرأ خماسية «مدن الملح» للروائي الراحل عبد الرحمن منيف، ليتعرف على تقاليد وعادات البيئة القديمة، واكتشف خلال قراءته تقليداً قديماً في إطلاق النار تعبيراً عن الابتهاج في المناسبات والأفراح وقدوم المواليد، وهو عُرف لدى بعض القبائل، قائلاً: «هنا فكرت بإضافة رائحة (البارود) تعبيراً عن الابتهاج وليس الحرب، في إضافة مختلفة تعطي نظرة صادقة للروائح التقليدية القديمة».
ويشير عثمان إلى أنّ اللافت في ورش العمل هو مزجها المشاركين، ما بين السعوديين والمغتربين، ما يراه تعبيراً عن شكل المجتمع الجديد في السعودية وحالة التجانس ما بينهما. وكشف أن مخرجات الورش تتضمن 3 عطور يتفق عليها المشاركون، وتمثل رؤيتهم للسعودية خلال ثلاث مراحل مهمة، وستتاح لزوار البينالي لتجربتها، إلى جانب بيعها في متجر بينالي الدرعية، كمنتجات رسمية بعد أسبوعين.
ويقدم المشاركون في الورشة الروايات التي يمكن دعمها بصور أرشيفية، وصور عائلية، ومقاطع فيديو، واقتباسات من نصوص ومستندات، وغيرها. على أن تتاح لكل مشارك فترة تمتد من 5 إلى 10 دقائق ليروي للجمهور ما يقدمه من روحية السعودية خلال إحدى المراحل المذكورة (بما في ذلك المستقبل)، مع التركيز على الجانب الحسي. وكما هو واضح، يمزج عثمان ما بين الفن والابتكار، وهو ما يراه من صميم فكرة بينالي الدرعية، على اعتبار أنّ الروائح التقليدية يجدها الناس في كل مكان، بينما دوره هنا هو التحفيز للإبداع الشمّي خارج الصندوق. ومن الشروط ألا يتعطّر الحضور، وهنا يقول: «طلبنا من المشاركين عدم استخدام العطور قبل مجيئهم، لكثرة الروائح، إذ سيكون من الصعب أن يشتموها جيداً وهم متعطرون».
وأشرف عثمان الذي يزور السعودية للمرة الأولى، هو قيِّم على فن حاسة الشم، واستشاري وكاتب وباحث. أكمل درجة الماجستير في الدراسات المتقدمة في التنظيم الفني في جامعة زيوريخ للفنون في سويسرا، وحاضَرَ في التاريخ الثقافي لحاسة الشم في عدد من الجامعات الأوروبية. صمم الكثير من مشاريع الفن الرائحي، لا سيما سلسلة معارض شمّية لمدة عام في متحف «تون» الفني و«Urban Scent Walk» لبينالي برن. كما كان عضواً في اللجنة العلمية للخبراء لمعرض «Parfums d’Orient» في معهد العالم العربي في باريس، وعضواً في لجنة التحكيم لمعهد الفن والشم في لوس أنجليس. وفي الآونة الأخيرة، نظّم ورش عمل حول الروائح في «Google»، كما أنه يشارك حالياً في المؤتمر الدولي حول تاريخ وثقافة العطور في مدريد.
ويشير عثمان لتزايد الاهتمام بالثقافة الشمّية وفنونها في العالم العربي، وهو ما يراه مؤشراً واعداً للكثير من التجارب والمشاريع المستقبلية في هذا المجال، وهو يقدم ورش العمل اليوم بالتعاون مع شركة «أو لا لاب»، استكمالاً لتجارب سابقة أنجزها، مع إيمانه بأن مستقبل الفنون الشميّة في طريقة نحو النمو في الفترة المقبلة.


مقالات ذات صلة

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.