مع أن الزيارات واللقاءات التي يقوم بها إسماعيل قاآني، قائد «فيلق القدس» بالحرس الثوري الإيراني، سرية في العادة ولا يعلن عنها، فإن التيار الصدري حرص على إعلان اللقاء الذي جمع مساء أول من أمس في حي الحنّانة بمدينة النجف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقاآني الموجود في العراق منذ نحو أسبوعين، حيث يقوم بجولات مكوكية بين بغداد وأربيل والنجف.
كانت الصورة الوحيدة المعلنة التي ظهر فيها قاآني خلال زيارته الحالية للعراق قبل نحو عشرة أيام هي زيارته في مدينة النجف ضريح المرجع الشيعي الراحل آية الله محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر. ومع أن الإيرانيين لم يعلنوا عن لقاء قاآني بالصدر، فإن التيار الصدري أعلن عن زيارته. والذي لفت أنظار المراقبين والمتابعين للقاء غير المصور، هو ما أعقبه. فالصدر كتب بخط يده تغريدة نصها «لا شرقية ولا غربية... حكومة أغلبية وطنية». وهي إشارة واضحة إلى أن اللقاء فشل بين الرجلين، لا سيما أن المعلومات كانت تشير إلى أن قاآني حمل معه رسالة من المرشد الإيراني علي خامنئي إلى الصدر تشدد على استيعاب كل قوى «الإطار التنسيقي».
وقالت مصادر متقاطعة لـ «الشرق الأوسط» إن إسماعيل قاآني عبر لمقتدى الصدر، خلال اللقاء الذي جمعهما في الحنانة، عن مخاوف طهران «مما لا تحمد عقباه» في حال تفكك القوى الشيعية، ومن بينها إمكان حدوث «اجتياح جديد من تنظيم (داعش) وفق مؤامرة خارجية».
وقال مصدر سياسي تحدث مع الفريق المرافق لقاآني، إن «الجنرال الإيراني أكد للصدر أن بلاده لا تعترض على حكومة يقودها الصدر، ورسالتها له لا تتعلق بمن يشترك في الحكومة ومن يعارضها، بل إنها مهتمة بالحصول على ضمانات واقعية بعدم تهديد الأمن القومي الإيراني». ونقل المصدر عن أحد أعضاء الفريق الإيراني أن «عدم إشراك (الإطار التنسيقي) لا يشكل ضمانة أمام هذه التهديدات؛ لأنه يعني انقساماً شيعياً غير مسبوق، وأن مسألة حصص وأوزان هذه القوى داخل الحكومة يجب ألا تكون أولوية استراتيجية للفاعلين الشيعة، بل إدراك المخاطر المنتظرة من المسار القائم حالياً».
وقال مصدر سياسي من النجف إن «قاآني استخدم عبارة (الخطر أكبر مما يتصور البعض) في حديثه مع الصدر، وأن إيران لا يمكنها مطلقاً التغاضي عن التطورات السياسية في بلد يقع على حدودها وتتأثر به».
وبحسب مصدر آخر، فإن قاآني أكد أن بلاده لا تعارض حكومة يقودها الصدر، لكنها ترى أن وجود طرف شيعي في الحكومة وآخر في المعارضة «سيعوق عملهما، ويربك حسابات كثيرة حتى في المستوى الإقليمي»، داعياً الصدر إلى «إيجاد صيغة للتقارب أو التفاهم في أقل تقدير».
وقال مصدر مقرب من الهيئة السياسية لـ«التيار الصدري»، إن «قائد (فيلق القدس) لم يأت خلال لقائه الصدر على ذكر زعيم (دولة القانون) نوري المالكي وأمين (حركة العصائب) قيس الخزعلي (يشترط الصدر إقصاءهما)، فيما ركز في حديثه على الرؤية الإيرانية والمخاطر التي تراها طهران».
وسألت «الشرق الأوسط» قادة في الكتلة الصدرية عن أجواء اللقاء مع قاآني، فاكتفوا بالإشارة إلى تغريدة الصدر المعتادة: «حكومة أغلبية... لا شرقية ولا غربية». وقال أحدهم إن «من المستبعد التراجع عن المشروع الإصلاحي»، وإن الضغوط التي يجري الحديث عنها «محاولة ابتزاز مستمرة؛ جزء منها لتخويف الشركاء السنة والكرد». وتابع: «لديهم شهر ونصف للتكيف مع الوضع الجديد».
وتتضارب المعلومات بشأن رد الصدر على «تحذيرات» قاآني، لكن مقربين من الزعيم العراقي أفادوا بأنه لا يزال يرفض العروض التي يطرحها «الإطار التنسيقي» بشأن «الدور الذي يريده المالكي في الحكومة»، كما أنه أبلغ الزائر الإيراني «ضرورة التكيف مع تغييرات كبيرة ستطرأ على الوضع في العراق نتيجة مشروعه الإصلاحي، الذي لا يخطط لمعاداة إيران». لكن مصادر أخرى أشارت إلى أن الصدر لا يمانع في مشاركة أي طرف شيعي في الحكومة، «لكن عليهم القبول بمشروعه السياسي والأمني»، مضيفة أن قيادات من «الإطار» هي التي رفضت الفكرة لعدم قدرتها على استيعاب أن الصدر «سيبتلعها داخل تحالفه».
وعقب لقائه الصدر، عاد قاآني إلى بغداد بالتزامن مع اجتماعات يعقدها «الإطار التنسيقي» لإعلان مبادرة سياسية جديدة. ويقول مصدر مطلع إن قاآني على اطلاع على بنودها وقدم ملاحظات وتعديلات عليها بناء على نتائج حواره مع الصدر.
وقال مستشار سياسي في «الإطار التنسيقي» إن إقرار المبادرة سيكون خلال اجتماع لقادة «الإطار»؛ من بينهم المالكي، وقد يحضره قاآني، لكن المشاركة في الحكومة أو مقاطعتها لا تزال مرتبطة بتكتيكات صغيرة قد تحقق اختراقاً، من بينها رد المحكمة الاتحادية على الطعن الذي قدمه أحد أعضاء البرلمان في قرار البرلمان إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية.
وقبل أن يسافر إلى الحنانة، كان قاآني قد التقى قادة من «الإطار» على انفراد في محاولة لاكتشاف التباين في المواقف والمصالح بينهم، ولاختبار قدراتهم على خلق مسار مواز لمشروع الصدر. وبحسب أجواء مرشحة من تلك اللقاءات، فإن إيران تحاول تقليل الخسائر على حلفائها بمحاولة أخيرة تشمل «تضحيات سياسية مؤلمة»، على حد تعبير سياسي شيعي شارك في اجتماعات «الإطار» الأخيرة.
وقال سياسي مستقل لـ«الشرق الأوسط» إن «الصدر يبدو حائراً الآن بين أن يتمسك باستقلالية قراره بشأن مفهوم الأغلبية الوطنية الذي يصر عليه وبين كيفية استيعاب جزء من الإطار التنسيقي». وأضاف أن «الصدر أقام من أجل مشروع الأغلبية تحالفاً واسعاً، ولولا التفسير الأخير للمحكمة الاتحادية بشأن انتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين لكان مضى في مشروعه، وذلك بانتخاب مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني رئيساً للجمهورية وإعلانه كتلته هي الأكبر، وبالتالي فإنه يختار رئيس الوزراء أيضاً». وأوضح أن «الصدر لا يريد الخضوع لما يبدو وكأنه إملاءات إيرانية لأنه يرى أنه لو قبل بها فسوف يمثّل ذلك تراجعاً كبيراً عما أقدم عليه. لكنه في الوقت نفسه يريد تخطي عقبة الثلث المعطل عن طريق إقناع الإطار التنسيقي الشيعي بالتحاق طرف منه معه وإقناع مسعود بارزاني، حليفه في التحالف، بالتفاهم مع الاتحاد الوطني الكردستاني بشأن منصب رئيس الجمهورية حتى لا يذهب الاتحاد الوطني إلى المعارضة».
ومع رفض الصدر شروط إيران بشأن إشراك كل قوى «الإطار التنسيقي» بمن في ذلك نوري المالكي، فإن زعيم «التيار الصدري» بدأ يتعرض لضغوط مشابهة لضغوط إيران، لكن هذه المرة من قبل «حزب الله» اللبناني. فبالإضافة إلى تواجد محمد كوثراني، مسؤول الملف العراقي في «حزب الله»، أطلق زعيم هذا الحرب، حسن نصر الله، تصريحات يشير فيها إلى أن حزبه مستعد للعب دور وساطة متى ما طلب من العراقيون ذلك؛ ما يعني أن «حزب الله» سيقوم على الأرجح بجولة أخرى من الاتصالات مع الأطراف العراقية لحلحلة العقدة بين الصدر والمالكي.
ويقول الباحث العراقي فرهاد علاء الدين، رئيس المجلس الاستشاري العراقي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «صدمة تفسير المحكمة الاتحادية للمادة 70 من الدستور بوجوب الثلثين داخل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية جعلت مشروع حكومة الأغلبية الوطنية التي يصر عليها التيار الصدري، يحتضر»، مبيناً أن «حضور الثلثين لن يتحقق دون اتفاقات وتوافقات مسبقة بين التيار الصدري، وبالذات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي». وأكد علاء الدين، أن «المفاجأة الأخرى التي يمكن أن تشكل صدمة على صعيد مسألة الأغلبية هي تلميح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في تغريدة إلى احتمال توجيه أعضاء الكتلة الصدرية بعدم التصويت لمرشح حليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري لرئاسة الجمهورية». وحيث إن زيباري لا تزال قضيته معلقة أمام القضاء، فإن البرلمان الذي يسيطر على رئاسته تحالف الأغلبية (التيار الصدري الشيعي، تحالف السيادة السني، الحزب الديمقراطي الكردستاني) قرر، في مخالفة دستورية طبقاً لآراء خبراء القانون، فتح باب الترشيح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية. ويهدف هذا الإجراء إلى إتاحة الفرصة أمام الحزب الديمقراطي الكردستاني لترشيح شخصية بديلة لزيباري خشية أن تصدر المحكمة الاتحادية قراراً ليس في صالحه. لكن علاء الدين يرى، أنه مع كل هذه التحركات فإن الصدر كان قد عبّر عن «رغبة مبكرة وواضحة بتسنم إدارة دفة الحكم عبر تغريدة له في عام 2020 أكد فيها أنه في حال وجد أن الانتخابات ستسفر عن أغلبية صدرية في مجلس النواب وأنهم سيحصلون على رئاسة الوزراء، فإنه سيتكفل بإكمال مشروع الإصلاح» الذي يعد به.
قاآني يخشى «اجتياحاً جديداً لداعش» إذا تفكك البيت الشيعي العراقي
أبلغ الصدر أن إيران لا تعترض على قيادته الحكومة
قاآني يخشى «اجتياحاً جديداً لداعش» إذا تفكك البيت الشيعي العراقي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة