سلافة معمار لـ «الشرق الأوسط»: هوة كبيرة تفصل الدراما عن الجيل الجديد

وصفت دورها في «عالحد» بأنه من بين الأصعب

مسلسل «عالحد»
مسلسل «عالحد»
TT

سلافة معمار لـ «الشرق الأوسط»: هوة كبيرة تفصل الدراما عن الجيل الجديد

مسلسل «عالحد»
مسلسل «عالحد»

ما قدمته سلافة معمار في مسلسل «عالحد» هو من نوع «الثريلر»، ولا يشبه أياً من الأدوار التي سبق ولعبتها. حتى أن الدراما العربية لم تتناول من قبل موضوع المرأة السفاحة، أو القاتلة المتسلسلة، كما تسمى في عالم الجريمة. تجسد معمار دور الصيدلانية ليلى التي تتخبط وحيدة في مشكلات عديدة.
جاء أداء الممثلة السورية خارجاً عن المألوف، فطبعت مشاهدها بأداء تمثيلي ماهر. فكيف أعدت لهذا الدور؟ ترد في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «كفريق عمل، كنا محظوظين بوجود نص كامل لـ12 حلقة. ذلك لا يحدث كثيراً في أعمال الدراما. هذا الأمر سمح لنا بقراءة قصة العمل أكثر من مرة والتوغل في حيثيات الأدوار، وتبني كل تفاصيلها. إضافة إلى الكاتبتين لبنى حداد ولانا الجندي، كنت على تواصل مستمر مع المخرجة ليال راجحة، قبل شهرين من بدء التصوير. قمنا بأبحاث كثيرة حول الشخصيات، واختلالها النفسي. كنا نتبادل المعلومات، لا سيما أننا استعنا باختصاصيين، كي تتوضح عندنا التركيبات النفسية للشخصيات».
تصف سلافة معمار دور ليلى بالأصعب في مشوارها حتى اليوم، «سبق وقدمت شخصية ورد الصعبة في (قلم حمرة)، ولكن في (عالحد)، كانت للدور أبعاد نفسية أعمق وأقوى».
مشكلة معمار كما تقول إنها تحب الأدوار الصعبة التي تتحداها كممثلة، فتستمتع في أدائها. وتؤكد أنها جاهزة لإعادة الكرة وتقديم دور مشابه، من دون تردد.
ترى معمار أن التمثيل بشكل عام تقوم أدواته على مشاعر صاحبه وذكرياته وصور يحتفظ بها في ذهنه. وهو ما يجعل هذه المهنة ثاني أصعب مهنة في العالم بعد عمال المناجم. فإذا فقد الممثل حسب تعبيرها، أدواته هذه خسر مهنته. «عملنا يؤثر بصورة مباشرة على حياتنا الشخصية، خصوصاً إذا كانت الموضوعات المتناولة غير سطحية. فهو يحدث الفوضى فيها، ويطبع علاقة الممثل مع عائلته وناسه مما يجعل الأمر متعباً جداً». وتتابع: «اليوم صرت أفهم لماذا في الخارج يقدرون الممثل مادياً، فعندها يكون في استطاعته أن يأخذ فترة استراحة طويلة بين عمل وآخر، يصبح جاهزاً بشكل أفضل لخوض تجربة تمثيلية جديدة».
وتشير معمار إلى أن أجور الممثلين العرب لا يمكن مقارنتها بتلك التي يحصل عليها الممثل في الغرب. «قد تكون مصر في تاريخنا المعاصر هي الوحيدة التي قدرت الممثلين عندها أمثال محمود عبد العزيز وأبناء جيله. ولكن عامة، عملنا لا يدر علينا المبالغ المالية الكبيرة، التي تسمح لنا بأخذ قسط من الراحة بين عمل وآخر».
تقول معمار إنها عادة، بعيد انتهائها من تصوير دور ما تنفصل عنه نهائياً، ولكن في دور ليلى كان الأمر أصعب. «إنني ممثلة أكاديمية أتذكر أحاديث كانت تدور مع أساتذتي، وكيف أن بعض الأدوار يمكنها أن تفرض عليك مشاعر معينة، فيصبح من الصعب الانفصال عنها. في مسلسل (زمن العار) مثلاً لامسني هذا الشعور إلى حد ما، ولكن مع ليلى وعلى قدر ما كانت الشخصية عميقة طبعتني. فالدور بحد ذاته هو فرصة قد لا تتوفر دائماً. لقد تأثرت بليلى، فأخذت مني طاقتي وأعصابي ومشاعري بشكل حقيقي. وكوني امرأة وأماً تأثرت بالدور، خصوصاً أنه يتطلب ليونة ومشاعر مختلفة. استغرق الأمر وقتاً طويلاً كي أتخلص من تصرفات ليلى وتعابيرها وملامحها التي سكنتني. حتى أني قمت برحلة سفر من دون ابنتي كي أستعيد طبيعتي».
ليلى التي تقدم على قتل أكثر من رجل في مسلسل «عالحد» تأخذنا إلى مجتمع مضطرب، يطل على موضوعات متنوعة بينها الإدمان على المخدرات وقضية اللاجئين والعنف ضد المرأة وغيرها. ومن خلال حالتها النفسية غير المتزنة تقربنا من حلم تحقيق الصلاح في عالم مليء بالأخطاء. فهل برأيها يمكن للمرأة أن تتحكم بلعبة يتقنها الرجل عادة؟ «لا شك أنه في استطاعتها القيام بذلك، إلا أن الأمر يتعلق بمدى رغبتها. فليس هناك الكثير من النساء اللاتي تتمتعن بهذه القدرة».
تستصعب سلافة معمار أن تتحدث عما أحبته أو كرهته في شخصية ليلى. وتقول في سياق حديثها: «لا أستطيع أن أكون حيادية تجاهها، فأنا شخصياً بررت لها كل ما قامت به، وإلا لما استطاعت أن تسكنني بهذا القدر. بالتأكيد القتل ليس الحل، ولكن في ظل ظروف سيئة نمر بها على المستوى الإنساني يمكن للإنسان أن يصل إلى مكان يفرز فيه الأمور بين الصح والخطأ وبين الشر والخير. جميل هذا الحلم الذي يسمح لنا بالتساؤل، لماذا الحروب لا تفرق بين الناس الصالحين وعكسهم؟ لماذا لا تكتفي بأخذ السيئين منهم؟ أنا شخصياً أحببت قوة ليلى وصلابتها رغم انهياراتها المتكررة. فهي تمنت لو كانت امرأة طبيعية مستقرة، ولكنها تعرضت للغدر أكثر من مرة، فانتفضت على واقعها».
وهل تصفق سلافة معمار لنفسها إثر أدائها دوراً بارزاً، كما في «عالحد»؟ «نعم قمت بذلك إثر هذا العمل، فَرِحت بما قدمته وهنأت نفسي على أدائي. عادة لا أقوم بذلك، ولكني اجتهدت وعملت في ظل ظروف صعبة، وأهمها فقداني لوالدتي أثناء تصوير العمل. فجاء هذا المسلسل ليكون ملاذي وراحتي، في ظل تعاوني مع شركة متفهمة وراقية ألا وهي (الصباح إخوان)».
تستسيغ معمار عملية تلوين المسلسلات بالعنصر الشبابي الجديد. فهو يذكرها ببداياتها فتتعاطف معهم لا شعورياً وتحتضن موهبتهم وتشد على يدهم. وفي «عالحد» استعانت المخرجة ليال راجحة بوجوه تمثيلية جديدة، تركت بأثرها الطيب على المشاهد. «يجب على الممثل الخبير احتواء هذه المواهب. فهذه المهمة لا تنحصر فقط بمخرج العمل. أعرف تماماً بما يشعر هؤلاء عندما يقفون أمام ممثلين محترفين. فالأمر عشته في بداياتي، ولا زلت أتذكره تماماً، فثقتهم بأنفسهم تضطرب في مواقف كهذه، خصوصاً من خريجي المسرح، لأن الكاميرا لها تقنيتها التمثيلية الخاصة بها».
وعن صناعة الدراما اليوم، تقول: «هناك كمية إنتاج جيدة، لكن المطلوب في المقابل أن نصدق ما نشاهد. فالإنتاجات النوعية قلت وفقاً لسوق المنصات الرائج وطغى الكم على حساب النوع. أنا شخصياً عندي مشكلة كمشاهدة، وهي أن الموضوعات المطروحة لا تلامسني ولا أصدقها. لست ضد التنويع والتطرق إلى موضوعات جديدة ومختلفة، شرط أن تقارب واقعي. فالمسلسلات اليوم تدور في حبكتها وحكاياتها حول أمور غير حقيقية». وتتابع: «أنا مع الأعمال الترفيهية لأننا بحاجة إليها، ولكن صناعة الدراما تدخل مرات في أماكن لا خبرة لنا فيها. باتت الأمور تتغربل بشكل أفضل وتتحسن وتتطور، لكن العمل الدرامي ينجح عندما يترك صوراً عند المشاهد يستذكرها بين وقت وآخر، ويحن إليها. في رأيي لم نصل بعد إلى مستوى ناضج بهذه الصناعة».
بالفعل تترك سلافة معمار لدى مشاهد «عالحد» أثراً كبيراً. فهو يتماهى لا شعورياً مع تصرفات شخصية ليلى ويشاركها أوجاعها، ومرات يصفق لردة فعلها. وبنظراتها الساخرة مرة والقاسية مرات، وبوادر القلق البارزة في بسمتها المستفزة وبأصابع يديها المتشنجة، تنقل إلى المتفرج حالة نفسية واقعية، فيتعاطف معها، وتحفر في ذهنه حتى بعد انتهاء الحلقة، لا سيما وأنها استخدمت جمالها الطبيعي أداة تمثيل أساسية بعيداً عن مساحيق التجميل.
في ظل الغوص في متاعب المهنة، يتساءل المشاهد عما إذا تنتاب الممثل مشاعر الندم لدخوله هذا المجال. فماذا عن سلافة معمار؟ «صراحة لا أندم على دخولي هذا المجال، بل أندم لأنني لم أسافر منذ بداياتي للحصول على فرصة خارج المنطقة. وأقول أحياناً بيني وبين نفسي، ليتني سافرت ولحقت بأحلامي الكبيرة. فمعايير هذه المهنة ضائعة، وفيها فوضى كبيرة، لا سيما في الشرق الأوسط. ليس عندنا تصنيف للممثل النجم والآخر صاحب المعيار التجاري. لا أقول هذا الأمر من باب التجريح، بل من باب معايير صناعية درامية معروفة في العالم. فنحن بحاجة للممثل الجميل صاحب الكاريزما، وكذلك الممثل الرفيع المستوى بأدائه، أما في بلادنا فلا فرق بين الاثنين. هناك من يجيد لعبته في المسرح أو في السينما وثمة من يجيد أدوار الأكشن. هي عوالم مختلفة لكل منها أربابه، في منطقتنا لا نملك هذه المعايير». وتتابع كلامها عن صناعة الدراما اليوم التي برأيها لا تجذب جيل الشباب، وتقول: «كانت أعمالنا في الماضي القريب يحضرها جميع أفراد العائلة، حتى مع ظهور الفضائيات على الساحة. اليوم ما عادت مسلسلاتنا تشد الجيل الجديد، هناك شرخ كبير بينهم وبينها. ابنتي مثلاً، لا تشاهد أعمالي وترى أن الدراما العربية لا تخاطبها. هذا الجيل يجهل أسماء الممثلين العرب، ولا يعرف شيئاً عن موضوعاتنا الدرامية. وأتساءل عن هذا الضخ الكثيف لمن ننتجه؟ يجب ردم الهوة بين صناعتنا الدرامية وأبنائنا. عندما يكبرون ستتوسع الهوة، عندها من سيتابع أعمالنا؟».
وعن أعمالها المستقبلية، تقول: «هناك عمل سأطل به في شهر رمضان بعنوان (303 بيروت) مع الممثلين عابد فهد ومعتصم النهار، من إخراج إيلي السمعان، وإنتاج شركة (الصباح). والشخصية التي ألعبها مختلفة لا تشبه ليلى، فهي أكثر بساطة وطبيعية. وبعده قد يكون عندي تجربة درامية أخرى من النوع القوي». وهل تخافين في مهنتك من الغد؟ «طبعاً لأن البوصلة ضائعة، كما أني شخصياً أسير في المختلف الذي يشبهني. أعتبر نفسي مسؤولة وعليّ أن أغتنم أي فرصة تسهم في التغيير. ولكن الأمور لا تدعو دائماً إلى التفاؤل، لدي قناعة وافية أنه باستطاعتنا أن نكون درامياً أفضل بكثير».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».