«بيروت بعد الـ40» يحكي قصة انفجار المرفأ... لحظة بلحظة

المخرج أنطوني مرشاق لـ«الشرق الأوسط»: أردت أن يتعرف العالم على مأساتنا عن قرب

حصد «بيروت بعد الـ40» جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير
حصد «بيروت بعد الـ40» جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير
TT

«بيروت بعد الـ40» يحكي قصة انفجار المرفأ... لحظة بلحظة

حصد «بيروت بعد الـ40» جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير
حصد «بيروت بعد الـ40» جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير

بفكرة ذكية جمع فيها الوثائقي وفنون السينما، حاك المخرج اللبناني أنطوني مرشاق فيلمه «بيروت بعد الـ40» الذي فاز في مهرجان «هوليوود غولد آووردز». إذ تم اختياره كأفضل فيلم وثائقي قصير (Gold award short documentary) من بين مئات الأفلام المرشحة لهذه الجائزة.
يحكي الفيلم قصة حقيقية عن تاريخ انفجار المرفأ يوم 4 أغسطس (آب) عندما انقلبت حياة مرشاق رأساً على عقب في الساعة 6:07 مساءً، فهو كان على بُعد أمتار قليلة من الانفجار. يصف أنطوني في هذا الفيلم الوثائقي تجربته الشخصية، مصحوبة بلقطات حقيقية تُعرض للمرّة الأولى. أما سبب هذه التسمية للفيلم فتعود إلى استرجاع مرشاق تلك اللحظات الصعبة التي مر بها في ذلك التاريخ وبعد مرور 40 يوماً على حدوث الانفجار. كانت أول مرة يزور فيها الشارع الذي كان فيه عند حصول الانفجار، ويقع على مبعدة نحو 600 مترٍ عن المرفأ. يقول معلقاً لـ«الشرق الأوسط»: «استشرتُ طبيباً نفسياً قبل توجهي إلى هناك، لأني كنت أشعر بالاختناق كلما فكرت بالأمر. ولكنني أردت أن يتعرف العالم إلى مأساتنا عن قرب، وأن يشهد بالصور الموثَّقة لحظة بلحظة، كيف سقط الضحايا بالمئات، وتحولت بيروت إلى رماد».
استعان مرشاق، ابن بلدة غدراس الكسروانية، بكاميرا المراقبة لمطعم «سندويش ونص» كي يسجل بالصورة وباللحظة نفسها المسار الذي سلكه ذلك اليوم: «كنت محظوظاً كون هذا المطعم يقع أمام الاستديو الذي أملكه في شارع (مار مخايل) حيث كنت لحظة الانفجار. كاميرات المراقبة أسهمت في توثيق الفيلم بالصور ولقطات الفيديو منذ وصولي إلى الشارع حتى ساعة حصول الانفجار».
لجأ أنطوني أيضاً إلى «مستشفى القديس جاورجيوس» ليحصل على اللقطات التي تُظهره في باحتها إثر إصابته في قدمه، وبجروح في ظهره. سهم أحمر يدل على مرشاق. يسير مشاهد الفيلم في نفس الطريق التي سلكها. نرى كيف التقى محمد، أحد الأشخاص المشاركين في فيلم كان يعده بعنوان «خيط التماس». في الوقت نفسه، نرى أنطوني يفسر ويشرح تجربته بتفاصيلها، متوقفاً عند كل محطة مر بها.
«وصل محمد إلى الاستديو قبل لحظات من حصول الانفجار، غسل وجهه وتوجهنا إلى الطابق العلوي في الاستديو، كي نبدأ التصوير، وحصل الانفجار الأول. حاولنا تخمين أسبابه متصورين أن خزان مياه العمارة انفجر. مع الانفجار الثاني وجدت نفسي مرمياً على الأرض، وقد ضاع مني محمد».
لا يزال أنطوني يروي حكايته بتأثر بالغ رغم مرور نحو سنتين على الحادثة: «لم أستطع حتى الساعة أن أتخلص من تداعياتها عليّ، كل ما أستطيع قوله هو أنني منذ تلك اللحظة وُلدت من جديد. أنطوني مرشاق بعد الانفجار، لا يشبه بتاتاً من كان قبله». هكذا من فيلم كان يصوّره وسط بيروت يحكي فيه عن أسباب هجرة الشباب اللبناني، أصبح مرشاق بطل فيلم آخر.
إثر فوز مرشاق تم تعيينه كأحد أعضاء اللجنة التحكيمية الدولية للمهرجان (هوليوود غولد آووردز). يعلق: «كانت سعادتي كبيرة عندما اتصلوا بي لإعلامي بذلك. فأنا العربي الوحيد الذي يشارك فيه إلى جانب مخرجين من إيطاليا وأميركا وتايوان. طلبوا مني الإقامة في لوس أنجليس كي أواكب الأفلام المشاركة وعددها 144 شريطاً، بينها 120 فيلماً قصيراً، و24 من فئة الأفلام الطويلة. المطلوب مني مشاهدة هذه الأفلام وتقييمها بعلامة على عشرة، بحيث يتم اختيار فائز واحد من المرشحين في كل شهر. وفي الختام، ووفقاً للفيلم الذي يحصد أعلى النقاط يكون مخولاً للفوز بالمهرجان».
الحدث الأبرز الذي يشهده فيلم «بيروت بعد الـ40» هو ترشيحه للمشاركة في مهرجان «Golden state film festival 2022» في هوليوود. وهو يقام من 25 فبراير (شباط) حتى 3 مارس (آذار) في أهم سينما هوليوودية «تي سي إل - المسرح الصيني». وكان الفيلم قد حصد 11 جائزة في مهرجانات أخرى، وسيشارك في مهرجان «بانوراما» للأفلام القصيرة في تونس في 10 فبراير الجاري. كما أنه يحتل اليوم المرتبة 14 في نسبة المشاهدة على الموقع العالمي (IMDB)، حيث تمت إضافته إلى قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت، والأشهر من فئة الشرائط القصيرة عربياً.
وعما إذا كان يتوقع هذا النجاح للفيلم يرد: «كان هدفي الأول والأخير أن أحوّل أنظار الغرب إلى هذا الحدث. وأن يشاهدوا بأم العين ماذا حصل حقيقةً على الأرض، لا سيما أن هناك نوعاً من التعتيم على بلادنا. فنحن اليوم نعيش في زمن عنوانه (ممنوع). يمنع علينا الحكي وإبداء الرأي وحتى صناعة أفلام تخبر حقيقة مجتمعاتنا. وأنا كمخرج وكوني من بلاد تحدّ من طموح شبابها، قررت التوجه إلى الغرب. وفي لوس أنجليس كانت ردود فعل الناس كبيرة. فهم لم يتصوروا أننا خضنا تجربة مماثلة في بيروت».
ترافق أنطوني في رحلته في الفيلم كاميرا صديقه مدير التصوير يوسف الفضلي: «كنت بحاجة إلى أن يرافقني، لأنني كنت أشعر بخوف كبير وأنا أستعيد لحظات الانفجار».
كل ما عاشه أنطوني مرشاق من أحداث مؤثرة ومعاناة وكيفية عودته إلى منزله سليماً معافى بعد الانفجار -إذ بقي حياً بمعجزة كما يقول- يتضمنه فيلمه «بيروت بعد الـ40» بالصوت والصورة. وينتهي الفيلم ومدته 25 دقيقة بمشهد يجمعه بالشخص الذي أقلّه إلى منزله، بعد أن طلب منه الاتصال بوالده ليتعرف إلى عنوانه: «لقد أطلقت عليه اسم (خلصني من الانفجار) على جهازي الخلوي. تبين فيما بعد أن اسمه فؤاد. ساعدني لأن ذلك كان من واجبه في تلك اللحظات كما قال لي».
يخبر فؤاد، أنطوني، عن حالته عندما أقلّه بسيارته في 4 أغسطس: «لقد كنتَ تبكي وقد أصابك تشنج وقلق كبيرين، ما مررت به لم يكن سهلاً، والحمد لله ع السلامة، وتنذكر وما تنعاد». بهذه العبارة تنتهي أحداث فيلم «بيروت بعد الـ40» لمخرج لبناني شاب في العقد الثالث من عمره، لا يزال يستيقظ مرتعباً من كابوس الانفجار الذي تلازمه ذكراه.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».