دور سينما تاريخية تواجه الإغلاق في المغرب

التلفزيون وخدمات البث عبر الإنترنت أضعفت الاهتمام

مدخل سينما «أ ب س» المغلقة هي الأخرى في الدار البيضاء (أ.ف.ب)
مدخل سينما «أ ب س» المغلقة هي الأخرى في الدار البيضاء (أ.ف.ب)
TT

دور سينما تاريخية تواجه الإغلاق في المغرب

مدخل سينما «أ ب س» المغلقة هي الأخرى في الدار البيضاء (أ.ف.ب)
مدخل سينما «أ ب س» المغلقة هي الأخرى في الدار البيضاء (أ.ف.ب)

فقد حارس سينما «الملكي» في الدار البيضاء، ربيع دراج، «أي أمل» في إنقاذ هذه القاعة العريقة «من الموت» بعدما طالها النسيان والإهمال، على غرار قاعات تاريخية كثيرة تمثل تراثاً سينمائياً في المغرب.
وسط سوق مكتظة بحي «درب السلطان» الشعبي في العاصمة الاقتصادية للمملكة، رأت هذه القاعة النور أواخر أربعينات القرن العشرين. وقد اعتمدت في بنائها أرقى الأساليب الهندسية بتوجيه من الملك محمد الخامس آنذاك، لجعلها تنافس الدور التي كانت مخصصة للفرنسيين أثناء فترة الحماية. لكنها اليوم فقدت بريقها؛ فقد أصبح بهوها مستودعاً كدست فيه البضائع، بينما احتل جهاز تلفزيون شباك بيع التذاكر، ولو أن قائمة الأسعار لا تزال معلقة فوقه شاهداً أخيراً على الهوية الأصلية للقاعة التي أغلقت أبوابها عام 2016.
وقد أصبح الولوج إلى مقاعدها الـ1060 مستحيلًا؛ إذ تعوق الدخول دمى يعرض عليها الباعة الملابس الجاهزة.
ويقول ربيع متحسراً: «للأسف لا يدركون الأهمية التاريخية لهذا المكان»، وهو يبلغ من العمر 42 عاماً قضى 20 منها حارساً لهذا المكان.
على غرار هذا الموقع العريق، شهد نحو مائة قاعة أخرى مأساة مشابهة بسبب هجر الجمهور وغياب الاهتمام، حتى إن بعضها استحال خراباً قبل هدمه.
يحدث ذلك رغم أن هذه القاعات تُعدّ جواهر معمارية، شاهدة على تاريخ يمتد أحياناً حتى بدايات القرن الماضي.
بدأت تلك الفترة الذهبية في تاريخ القاعات السينمائية بالمغرب مع تشييد أولاها على يد المستعمرين الفرنسيين، قبل أن تشرع الحركة الوطنية في بناء قاعات أخرى منافسة مخصصة لجمهور مغربي. لكن نجمها بدأ في الأفول خلال التسعينات.
يأسف المصور الفوتوغرافي الفرنسي فرنسوا بوران لهذا المصير قائلاً: «عاش المغاربة قصة حب مع السينما، لكن التلفزيون وأشرطة الفيديو وخدمات البث عبر الإنترنت اليوم قتلت هذا الحب».
وقد عمل فرنسوا على توثيق هذا التراث «الفريد من نوعه» في كتاب مصور ضخم بالفرنسية حول دُور السينما في المغرب، نشر في ديسمبر (كانون الأول).
بمدينة مكناس (وسط)، شكل إغلاق قاعة «ريجانت» عام 2006 ضربة قاسية بالنسبة إلى يحلى يحلى الذي تولى تسييرها على مدى 35 عاماً. وقد شُيدت الصالة في عشرينات القرن العشرين بأسلوب يحمل بصمات طراز الباروك الأوروبي، وكانت في الأصل قاعة مسرح.
يقول يحلى؛ ذو السبعين عاماً والذي التقته وكالة الصحافة الفرنسية بالدار البيضاء: «كان الأمر قاسياً عليّ لدرجة أنني مرضت بسببه».
ويضيف ببزته الأنيقة: «لدي ذكريات لا تمحى مع هذه القاعة، فيها تعلمت المهنة، ورأيت كثيراً من النجوم، واستطعت أن أعبر عن كل حبي للفن السابع».
وقد استطاع العودة إلى الميدان عبر قاعتي «أبولو» ثم «أ ب س» في مكناس، قبل أن يعيش مجدداً مأساة إغلاقهما في 2009 و2020 توالياً.
ويختم متحسراً: «إنها مأساة! الأجيال الجديدة لا تعرف للأسف قيمة السينما».
رغم هذا الانهيار؛ فإن بعض القاعات التاريخية القليلة لا تزال صامدة في بلد لا يضم سوى 27 دار سينما مفتوحة، وذلك بفضل جهود بعض عشاق الفن السابع والدعم الرسمي لتجديد القاعات وتحديثها باستخدام التقنيات الرقمية، وإن كان ذلك غير كاف بنظر المهنيين.
من بين القاعات الصامدة سينما «الريف» في أحد الشوارع الرئيسية بالدار البيضاء، والتي يعود تاريخ بنائها إلى عام 1957، وهي بمثابة «فضاء عابر للزمن» كما يصفها فرنسوا بوران، بجدرانها المغطاة بمنسوجات بنفسجية من طراز مخملي، بينما كسيت الكراسي الـ950 بثوب أحمر لا يقل رفعة.
ويقول صاحبها حسن بلقاضي (63 عاماً): «إنها قاعة فريدة من نوعها؛ لكنني لا أخفيكم حيرتي، فالوضع يصير صعباً أكثر فأكثر».
فقد عمق وباء «كوفيد19» أزمة القطاع؛ إذ لم يُسمح لدور السينما بأن تعيد فتح أبوابها إلا في يوليو (تموز) الماضي بعدما ظلت مغلقة لأكثر من عام.
رغم دعم حكومي بقيمة 9 ملايين درهم (أكثر من 950 ألف دولار) من «المركز السينمائي المغربي» (رسمي)، «فإننا لا نزال لم نتجاوز المأزق»، كما يضيف بلقاضي.
وللدلالة على صعوبة الوضع، يشير بلقاضي إلى اضطراره لإغلاق قاعتين تاريخيتين في الدار البيضاء منذ 2020، وهما «أ ب س» التي بنيت عام 1948 و«ريتز» التي شيدت في 1950.


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.