مؤتمر وطني للمتسولين في برلين

مع تزايد الفقر والحاجة في ألمانيا بسبب الأزمات الاقتصادية المتتابعة

المشكلة أن الفقراء ليس أمامهم الكثير من الفرص لتحسين أوضاعهم والتي تنذر بمشكلات اقتصادية قريبة (شترستوك)
المشكلة أن الفقراء ليس أمامهم الكثير من الفرص لتحسين أوضاعهم والتي تنذر بمشكلات اقتصادية قريبة (شترستوك)
TT

مؤتمر وطني للمتسولين في برلين

المشكلة أن الفقراء ليس أمامهم الكثير من الفرص لتحسين أوضاعهم والتي تنذر بمشكلات اقتصادية قريبة (شترستوك)
المشكلة أن الفقراء ليس أمامهم الكثير من الفرص لتحسين أوضاعهم والتي تنذر بمشكلات اقتصادية قريبة (شترستوك)

تعقد في برلين مؤتمرات لها طابع غريب، من بينها مؤتمر حماية القطط والكلاب المشردة، أو حماية أنواع معينة من حشرات الغابات أو أنواع من الأشجار، لذا ليس غريبا أن يعقد أيضا مؤتمر للمتسولين. فالقائمون على «المؤتمر الوطني للمتسولين» الذي يعقد سنويا في برلين تحت شعار «الفقر ثروة توزيعها غير عادل» يريدون بدورهم لفت النظر في وضع الشحاذين الذين بدأوا يملأون المدن. فالكثير من شوارع ألمانيا «بلد المليونيرية» تحولت إلى ملاجئ للمتسولين والمتسكعين الألمان والأجانب خاصة الآتين من أوروبا الشرقية. وفي الصيف تتحول المقاعد في الحدائق العامة إلى أسرّة نوم لهم.
واللافت أن المشاركين في هذا المؤتمر ليسوا فقط جمعيات خيرية كنسية ومدنية، بل بعض المتسولين يحضرون لإبداء رأيهم، فهم كما يقول منظمو المؤتمر أفضل من ينقل صورة عن وضعهم.
ويحاول المؤتمر خلال مناقشة أوضاع الطبقة المسحوقة، كما أصبحت تسميتها هنا، إيجاد الطرق لتحسين وضعها الحياتي، وذلك في خلال برامج معينة منها إعادة التأهيل وتقديم العون والمساعد لهم، ومطالبة الحكومة بتحديد الحد الأدنى من الأجور والمساواة في الأجور وتوفير العناية الصحية، فهذا يساهم من تنامي الفقر، والنقطة الأهم والتي تناقش لكن لا أمل في تحقيقها هي التوزيع العادل للثروة.
ولقد حذر يوخيم شبايشر، رئيس المؤتمر الوطني للمتسولين، الحكومة الألمانية من حدوث سيل من الشحاذين، خاصة من المتقدمين في السن خلال السنوات المقبلة إذا ما لم يتم تحسين أوضاعهم عبر زيادة المعونات المادية لهم أو ما يسمى العون الأساسي للشيخوخة. فقبل أعوام كان 2.7 في المائة من المتقاعدين في ألمانيا يحصلون على مثل هذه المساعدة، لكن الأوضاع الاقتصادية العامة رفعت النسبة خلال عشر سنوات إلى نحو 60 في المائة خاصة في المدن الكبيرة مثل برلين وفرانكفورت.
ومن المتوقع ألا يتوقف الأمر عند هذا الحد. وحسب قوله التقدم في السن أصبح أحد أكبر مخاطر الفقر، وأكثر المعرضين للفقر هم أصحاب الأجور المنخفضة والعاطلون عن العمل لفترات طويلة والذين لا يجدون مكان عمل لأسباب منها قلة الخبرة العملية، وهم في الغالبية سن في الشباب أو الذين لم ينهوا تأهيلهم المهني أو دراستهم الجامعية.
لكن المشكلة أن المهددين بالفقر أو الفقراء ليس أمامهم الكثير من الفرص لتحسين أوضاعهم بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تنذر بمشكلات اقتصادية قريبة، والأسوأ حظا هم المتقدمون في السن، ما يدفع إلى القول إن شوارع ألمانيا سوف تشبه يوما شوارع روما أو نيويورك أو باريس المليئة بالمتسولين، والحل الأفضل الآن هو وضع برامج جدية للتخفيف من أعباء التكاليف الحياتية مثل تخفيض أسعار الكهرباء والماء والتدفئة، فأسعارها ارتفعت كثيرا بعد الوحدة الألمانية.
لكن ما يهدد بمواصلة الوضع على حاله وتزايد عدد المتسولين هو أن أغلب برامج المساعدات التي توضع لا يمكن تنفيذها كليا لأنها أيضا مسؤولية حكومات الولايات الألمانية، وهي تعاني بدورها من مشكلات في الميزانية، أي أنها تفتقد المال من أجل محاربة الفقر.
ويتهم الكثير من الجمعيات الإنسانية ومحاربة الفقر الحكومة الألمانية بإهمال الجانب المهم في ألمانيا وهي حياة الإنسان بتكريس الأموال الطائلة للمهمات العسكرية الخارجية وتقليص ميزانيات وزارات مثل وزارتي العائلة والعمل وتخفيض الدعم المالي للمؤسسات الاجتماعية.
ويبدو أن الحكومة الألمانية لا تريد الاعتراف بحقيقة تفاقم الفقر والتسول، بل تعالج الأمور على طريق ماري أنطوانيت ملكة فرنسا في منتصف القرن السابع عشر عندما أبلغت بأن البلد امتلأ بالفقراء والشحاذين بسبب الجوع، فقالت: «إذ لم يكن هناك خبز فليأكلوا بسكويت». فألمانيا تطلب من هؤلاء البحث عن عمل، وتقول إن معظم المتسولين من خارج ألمانيا ويجب طردهم.
بالطبع، هذا جزء من الحقيقة، لكنها ليست الحقيقة الكاملة لأن الألمان بدأوا بالفعل بالتسول ولم يعد هناك حاجة لإخفاء الأمر. فعدد من يعيش في حدود الفقر فيها تجاوز الـ12 مليون شخص (عدد سكانها 83 مليون) بعضهم جنحت به الظروف فأصبح عاطلا عن العمل وتراكمت عليه الديون وهجرته عائلته وتحول إلى مدمن على الخمر أو المخدرات ولم يعد يتمكن من دفع بدل إيجار الشقة فطرد منها وأصبح المقعد في مترو الأنفاق أو عند محطات المواصلات سريره وبيته. وتحاول بعض المؤسسات الخيرية بالتعاون مع البلديات تقديم العون منها المبيت لليلة، حيث يمكن للمتسول قضاء حاجته كالاستحمام وتناول وجبة ساخنة، لكن عليه مغادرة المكان في اليوم التالي. وهناك نوع من المساعدات على شكل توفير وجبات طعام يوميا، حيث تقف في مكان معين في الشوارع الرئيسية سيارة مطبخ متنقلة توزع الوجبات الساخنة على المتسولين أو الفقراء، وفي الساعة الواحدة ظهرا تكون صفوف من مئات المتسولين واقفة بانتظار وجبة ساخنة، ويستفيد من الوجبة يوميا نحو مليوني إنسان، ويعد القائمون على هذه المطابخ وهم عادة متبرعون، الطعام من تبرعات بعض المطاعم والفنادق الكبير وتكون بقايا الأطعمة بدلا من رميها في براميل النفايات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».