«أصحاب… ولا أعز» دراما بديعة عن شخصيات تعيش حياتين

نال هجوماً لا يستحقه واتُهم بما لم يطرحه

فيلم {أصحاب... ولا أعز}
فيلم {أصحاب... ولا أعز}
TT

«أصحاب… ولا أعز» دراما بديعة عن شخصيات تعيش حياتين

فيلم {أصحاب... ولا أعز}
فيلم {أصحاب... ولا أعز}

بعد زوبعة فيلم «ريش» ثم عاصفة في «أميرة» ها هو إعصار جديد يضرب أوساط المتابعين ذوي المصادر المختلفة والاتجاهات المتعددة اسمه «أصحاب... ولا أعز».‬
بالنسبة لفيلم «ريش» كان الاتهام الموجه إليه أنه ليس واقعياً. مصر أفضل من الصورة الماثلة فيه. هي بالفعل أفضل، لكن هذا لا يعني أن الفيلم بحد ذاته جيد أو رديء، والنقد الفعلي هو من ينطلق من تحديد مستواه الفني قبل أي اعتبار آخر.‬
بالنسبة لفيلم «أميرة» كانت التهمة الموجهة إليه، أنه يُهين الفلسطينيين «بوضوح»، كما ذكر البعض، بسبب حكايته التي تروي كيف يهرّب السجناء الفلسطينيون نطفهم إلى زوجاتهم. من دون مشاهدة الفيلم بعد ليس هناك من معرفة لكيف يمكن أن يكون ذلك موضوعا إيجابيا أو سلبياً، لكن الفيلم تعرّض لهجوم حاد أدّى إلى منعه وسحب ترشيح الأردن له في سجالات الأوسكار الأولى (كما لو كان من المؤكد أنه سيفوز بالترشيحات الرسمية أساساً). بعض الكتّاب ذهب إلى حد التجريح الشخصي واصفاً محمد دياب بـ«الحقير»!‬
الآن، هناك فيلم ثالث، فيما يبدو أنه أصبح تياراً يتبناه المتشددون والرافضون الذين رأوا فيه عملاً مخلاً بالآداب يستورد ثقافة أجنبية ليزرعها في عقول مشاهديه العرب. يتبنى مفاهيم غربية موجهة صوب الجيل الجديد فتنشُر وتنتشِر. من يقرأ ذلك قد يعتقد أن السماء أمطرت بذوراً تسطو على البشر حين ينامون وتحوّلهم في اليوم التالي إلى أشرار، كما كان الحال في فيلم دون سيغال Invasion of the Body Snatchers سنة 1956.‬
طبعاً هناك أصوات عديدة أيّدت هذا الفيلم تحديداً وعارضت ما قيل بشأنه؛ وهذا ما زاد من حرارة النقاش الذي لم يستحق أن يقع على غير أسسه. هو فيلم ترفيهي ذو قيمة فنية جيدة، وهذا كل ما علينا البحث فيه. ‬

‬أسرار وخفايا
هناك صِنف درامي يقوم على الحبكة التالية: أفراد عائلة واحدة، أو مجموعة من عائلات أو من أصدقاء، يلتقون في مناسبة غداء أو عشاء في جو منشرح وسعيد وتبقى الكاميرا معهم في داخل البيت ترقب سلوكياتهم وتفاعلاتهم عندما ‪تنفك العقد من معاقلها‬ فينكشف المستور وتبرز الخلافات وينقلب الجو المرح إلى أزمات شخصية عاصفة.
ما زلت أحتفظ بذكريات جميلة عن فيلم «الدعوة» للسويسري كلود غوريتا (1973)، وهناك بالطبع فيلم لوي بونييل «السحر الخفي للبرجوازية» (Le Charme discret de la Bourgeoisie) قبل فيلم غوريتا بعام واحد. بعد ذلك هناك «الاحتفال» (The Celebration) للدنماركي توماس ڤنتربيرغ (1993)، والكثير من الأفلام التي تأسست على هذه الثيمة بعضها - بطبيعة الحال - أنجح وأفضل من بعضها الآخر. وكان المخرج اللبناني لوسيان بورجيلي حقق فيلمه الأول (والأخير للآن) «غداء العيد» على هذا النحو سنة 2017.
في سنة 2016 قام المخرج الإيطالي باولو جينوڤيزي بتحقيق فيلم بعنوان Perfetti Sconoscuuti تضمّن حكاية بسيطة القوام حول مجموعة من الأصدقاء وزوجاتهم بقبول حفل عشاء، ودلفوا إلى لعبة مفادها فتح الهواتف على أي اتصال بحيث يسمع الجميع من اتصل بمن ولماذا. فكرة سخيفة لفيلم وسخيفة كلعبة داخل الفيلم، لكن العمل كان جيداً فيما أحب أن يكون عليه ويهتم بطرحه. صوّره فابريزيو لوتشي الذي صوّر بعد عام فيلماً آخر لجينوڤيزي عنوانه «المكان» (The Place) كان تحويراً للموضوع السابق إلى حد ملحوظ.
نال «غرباء مثاليون» رواجاً من نوع فريد: اشترت حقوق تنفيذه شركات فرنسية ويونانية وإسبانية وبولندية وتركية (ونحو عشرة سواها)، وكل منها حققته بلغتها ولجمهورها. النسخة العربية هي إنتاج لبناني - مصري قامت «نتفيلكس» بشرائه وانقسم حوله، كما هو معروف، الجمهور العربي ما بين معجب ومُهاجم.
هناك سبعة أشخاص في البيت: صاحبا البيت مي (نادين لبكي) وزوجها وليد (جورج خبّاز) والزوجان المصريان مريم (منى زكي) وزوجها شريف (إياد نصّار) والزوجان جانا (دايامان أبو عبّود) وزياد (عادل كرم) والصديق ربيع (فؤاد يمّين) منفرداً. جو البداية بطبيعته دافئ وأنيس يتوتّر بعد قليل مع بدء العشاء وقرار ممارسة لعبة في جوهرها سخيفة، لكن الجميع موافق عليها، ولو بدرجات. هذا ما سيكشف للجميع أسراراً تنسف الاستقرار البادي وتهز الثقة بين كل زوجين مع تبادل فضائح كانت خافية عن الجميع. كل واحد منهم كان يخفي سرّاً اضطر إلى البوح به، لكن شريف يقع في معضلة أكبر شأناً من الآخرين عندما يحاول أن يتحاشى تسلم صور خليعة يعلم أنها ستصله على هاتفه في الساعة العاشرة؛ ما يجعله يستبدل هاتفه بهاتف ربيع (الشبيه بهاتفه) دون أن يتوقع شريف أن لربيع صديقاً يرتبط معه بعلاقة مثلية سيتصل به. جزء كبير من الفيلم يتمحور حول هذا الإشكال بعدما اتصل الصديق وباح بحبه ما جعل شريف يواجه إحراجاً كبيراً لأن زوجته مريم وباقي الموجودين (باستثناء ربيع) اعتقدوا أن شريف مُثلي وهو بريء من التهمة، وأن صعب عليه الإدلاء بالحقيقة.

قلباً وقالباً
الفيلم يقول كل شيء بخصوص شخصياته التي لديها ما تخفيه وحول مجتمع يؤمن بإخفاء الحقائق أو مزاولة حياتين معاً، لكن الكتابة لا تدعو لأي شيء. بالتأكيد ليس للانحراف والخيانة والمُثلية ولا تذهب لتبني رأي أخلاقي مع أو ضد أحد. ليس هناك رسالة واحدة في هذا الفيلم تحبّذ توجّهاً غير أخلاقي. ما يقوله لا يُنظر إليه من هذه الزاوية لأنه غير موجود في هذا الإطار. إن كان هناك ثمة رسالة فيه فهي عن واقع نعيشه وهي تغليف حياة الشخص الواحد منّا بما يناسبه من ادعاءات ليبدو نزيهاً ونظيفاً وخالياً من العثرات والشوائب.
الفيلم لبناني اللهجة يتحدّث عن لبنانيين، لكن هذه الرسالة لها صدى عربي كما كان للنسخة الإيطالية صدى غربي.
ما توقف عنده كثيرون أن الفيلم يدعو للخيانة الزوجية وللمثلية. لا هذا صحيح ولا ذاك، لكن الصحيح أن الخيانات من قِبل الطرفين موجودة بطبيعة التكوين الإنساني والمُثلية كذلك. من المضحك أن نعتبر أن هناك دعوة لوضع موجود. الرأي الشخصي هنا لا علاقة له بالمسألة المطروحة في الفيلم.
كذلك قال المنتقدون إن الفيلم نسخة كاملة من الفيلم السابق. البعض وصفه بأنه Cut and Paste. ولنا أن نتصوّر المخرج وسيم سْميره وهو يجلس كل يوم وليلة على الكومبيوتر يفحص كل لقطة ليصوّر في اليوم التالي مثلها. ربما معه في الغرفة الممثلون وهم يمعنون في كيف قام جيسيبي باتستن وآنا فوغلييتا وماركو جيالي وباقي الطاقم الإيطالي من الممثلين بتحريك أيديهم وأبدانهم والتعبير بوجوههم وأصواتهم لتكون نسخاً أمينة للأصل.
الشيء الوحيد الذي أبقاه المخرج حاضراً هو أن لحى بعض شخصياته الرجالية تشبه لحى بعض شخصيات الفيلم الإيطالي. بطبيعة الحال، المكان في الفيلمين مغلق والحكاية واحدة، لكن تحريك الكاميرا، على سبيل المثال، مختلف تماماً ووراء ذلك كيفية معالجة كل من المخرجين (سْميرَة و جينوڤيزي) للعلاقة بين الصورة والموضوع.
تمثيل الجميع، بلا أي استثناء، كان رائعاً في ارتداء الشخصية قلباً وقالباً. كل واحد من الممثلين تعايش مع شخصيته بطريقة طبيعية وباحتراف رائع. لم يكن هناك داعٍ للتمثيل بوتيرة درامية عالية تنضوي تحت سطح المتوقع لفيلم يريد كل شيء على مستوى طبيعي من التصرفات والسلوكيات.
في هذا الإطار، يا له من دور مختلف للممثلة المصرية منى زكي. كانت هناك خشية من ألا تتأقلم مع ممثلين معظمهم لبناني. لكن قبضة المخرج على الجميع كانت متساوية. لم يسمح بأي خلل من أي نوع في هذا الشأن.
الأمر ذاته منسحب على عنصري التصوير (لسفيان الفاني) والتوليف (لشيرين دبس) حيويان بلا هفوات. هذا ليس فيلماً للفن لكي نتوقع لقطات ذات بؤرة عميقة أو لعب على الإضاءة والظلال، ولا لنتوقع مشاهد ذات إيقاع يختلف عما اختاره المخرج بعناية.
النهاية وحدها هي التي تمر في أزمة. حال خروج الجميع مغادرين المنزل يعود إليهم صفاء سريع غير واضح السبب. هناك اعتقاد بأن النهاية رمزية وأن اللعبة لم تقع أو ربما كانت لعبة محسوبة (لعبة داخل لعبة). الواضح أن اللعبة وقعت بأزماتها لأن هذا هو جوهر الفيلم بأسره. لكن الالتباس الحاصل نتيجة مشكلة لم ينجح المخرج وكاتبه (غبريال يمّين) في تفاديها: أكثر من مرّة يركض الجميع لمراقبة القمر وهو في حالة خسوف. الرغبة هنا هي تأكيد دور الخسوف في الحكاية. حال يقع تنطلق الأزمات. حال ينتهي تنتهي الأزمات.
«أصحاب... ولا أعز» إضافة جيدة لتجارب شبابية مبهرة. الحكم ليس على ما نريده نحن من الفيلم بل على ما أراده المخرج وإذا ما نجح فيه أو لا. الباقي آراء شخصية ووجهات نظر تُحترم لحق أصحابها في إبداء الرأي، لكنها ليست نقداً، خصوصاً إذا ما كان المنتقد لم يشاهد النسخة الأصلية وربما لم يشاهد النسخة العربية أيضاً.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».