«مطل الحرة» في العُلا... لوحة سريالية تلامس السحاب

مواقد لا تنطفئ و«تلسكوبات» للتحديق من ارتفاع 600 قدم

«مطل الحرة» يقع في أعالي «حرة عويرض»
«مطل الحرة» يقع في أعالي «حرة عويرض»
TT

«مطل الحرة» في العُلا... لوحة سريالية تلامس السحاب

«مطل الحرة» يقع في أعالي «حرة عويرض»
«مطل الحرة» يقع في أعالي «حرة عويرض»

حين تنظر إلى العُلا (شمال غربي السعودية) من ارتفاع 600 قدم، تظن لوهلة أنّك أمام لوحة رسمها فنان عبقري ومُتقد الإحساس، فمن «مطل الحرة» الواقع في أعالي «حرة عويرض»، يظهر مشهد حالم قلّما يتكرر، يمكن وصفه بأنّه مكان يشبه تلك المواقع الخلابة التي نراها في المشاهد السينمائية، أو نقرأ عنها في القصص الحالمة.
هناك، تتنقل الأعين من «البلدة القديمة» إلى «واحة العُلا»، وبيوت أهاليها، مروراً بصحرائها الذهبية وتكويناتها الصخرية المذهلة وجبالها المليئة بالنقوش التاريخية الموغلة بالقِدم. كل هذه المناظر تختصرها وقفة مطولة من «مطل الحرة» الذي يغدو اليوم موقعاً سياحياً جاذباً من طراز رفيع، ليضيف وهجاً مختلفاً للعُلا التي يجد زائرها سلسلة من التجارب البصرية والصوتية والحسيّة الفريدة من نوعها.
من بعيد، تبدو العُلا كأنّها مدينة استوطنت أرضاً شبيهة بسطح القمر، مع كثرة الجبال البركانية المرتفعة، ذات الفوهات المتفاوتة، ومن بينها «حرة عويرض»، التي يقع على قمتها «مطل الحرة»، وهي حرة بركانية، يصل عرضها لنحو 90 كيلومتراً تقريباً، وتشتهر بتضاريسها الوعرة وأوديتها المختلفة، وفوهاتها البركانية.
ولأن العُلا وريثة لتاريخ طويل جداً، فقد أُرِّخت «حرة عويرض»، الطبقة البازلتية في العُلا، من فترة الميوسين الجيولوجية (9 ملايين سنة) إلى الهولوسين (ما بين 10 آلاف عام عن الوقت الحاضر). وعُثر على قليل من المواقع التي تعود إلى فترة العصر الحجري القديم الأوسط في «حرة عويرض»، حسبما يُظهر كتاب «العلا: واحة العجائب في الجزيرة العربية»، الصادر عن معهد العالم العربي، بالتعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا، عام 2019.
وتشير هذه المعلومات إلى أنّ المكان يأتي مزيجاً من الفن والمتعة والتاريخ السحيق. وتكتمل حلاوة التجربة مع التلسكوبات المنتشرة في «مطل الحرة»، للتحديق في السماء تارةً وفي الأرض تارةً أخرى. وتأتي فترة مغيب الشمس، لتكون الوقت الذهبي لهذه التجربة، للاستمتاع بأصوات الطبيعة الحالمة وألوان الغروب الساحرة على مد النظر، ومشاهدة تفاصيل الأمكنة المنتشرة التي تتضح للعيان في أعالي «مطل الحرة». أمّا في المساء، فالوقت متاح للاسترخاء وتأمل النجوم المضيئة في الجلسات الخارجية، بالقرب من لهيب النار التي تخفف من وطأة البرد، حيث تزداد البرودة ليلاً في منطقة «مطل الحرة»، بالنظر إلى موقعها المرتفع على قمة جبل بركاني قديم، مما يجعل المواقد لا تنطفئ، لتخفف من برودة الشتاء القارس، التي تلامس ما دون الدرجات الخمس المئوية هذه الأيام. ومع النزول المفرط في درجات الحرارة في «مطل الحرة»، تأتي الجلسات الخارجية بشكلها الدائري لتجمع الأسر والأصحاب حول مواقد النار، في سمرة ليل طويل، ينعشه نسيم الهواء البارد، ويتنافس أصحابه على ارتداء القطع الثقيلة من الفرو والصوف والثياب المقاومة للبرد القارس.
ويتربع مطعم «أوكتو» اليوناني على قمة المنطقة المخصصة لمشاهدة الإطلالات المذهلة في حرة عويرض، متميزاً بتصميمه العصري المستوحى من درجات اللون الأسود، في تجربة تتيح للزائر تذوق السلاطة اليونانية والساغاناكي والجيرو والموساكا وغيرها من الأطباق اليونانية الشهية التي يُعدّها الشيف العالمي أنتينوس فوتيناكيس، في أثناء تمتعه بتأمل المناظر الساحرة من أعالي «مطل الحرة».
ولاكتمال تجربة الإحساس العميق بالطبيعة الخلابة، تركز هذه الأطعمة على الأصناف النباتية، والخيارات الخالية من الغلوتين ومنتجات الألبان، مع فرصة الجلوس على قمة الجبل في تراس مصمم ليتناغم مع طبيعة المنطقة وسحرها، الأمر الذي يجعل الزائر يلتهم طعامه وهو يحاول اكتشاف جمال التفاصيل من حوله، في المكان الذي يصنع الدهشة في أعين كل من يزوره لأول مرة.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ تجربة الوقوف على أعالي «مطل الحرة» مجانية ومتاحة للجميع، ولا تتطلب الحجز المسبق، والأمر ذاته مع المطعم اليوناني التابع له، إلّا أنّ الطريق الوعرة للوصول تتطلب الكثير من الوقت لحين اجتياز المسافة والوقوف في الموقع الذي يُعد أعلى قمة في العُلا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».