آلام الظهر والرقبة في مؤتمر الصحة العربي 2022

وسائل متنوعة لتشخيصها وعلاجها

آلام الظهر والرقبة في مؤتمر الصحة العربي 2022
TT

آلام الظهر والرقبة في مؤتمر الصحة العربي 2022

آلام الظهر والرقبة في مؤتمر الصحة العربي 2022

اختتمت مساء يوم أمس (الخميس)، أعمال مؤتمر الصحة العربي 2022 المنعقد بمدينة دبي في الفترة من 24 إلى 27 يناير (كانون الثاني)، وحضره أكثر من 56000 متخصص في الرعاية الصحية، واشتمل على مجموعة واسعة من المؤتمرات الطبية المعتمدة من التعليم الطبي المستمر بلغ عددها 12 مؤتمراً في كل المجالات الطبية.
كان من أبرز المؤتمرات، مؤتمرٌ حول مشاكل الهيكل العظمي العضلي وجراحة العظام الذي قدم أحدث المعلومات حول علاجات آلام الفقرات وتقويم العظام والتطورات والإنجازات البحثية، كذلك أحدث التطورات التكنولوجية التي تم إحرازها في تشخيص أمراض العظام وإدارتها وعلاجها، إضافة إلى مجالات البحث والتطورات المستقبلية في جراحة العظام الأساسية والسريرية.
وفي هذا المقال سوف نركز على إحدى مشاكل العمود الفقري الشائعة وهي «آلام الظهر والرقبة».
لقاء
التقى محرر ملحق «صحتك» بـ«الشرق الأوسط» أحد المشاركين في المؤتمر، الدكتور محمد بيضون، جرّاح الأعصاب والمدير الطبي التنفيذي للشؤون الأكاديمية لدى «مايو كلينك» في أوروبا والشرق الأوسط والهند وأفريقيا الحاصل على تدريب في جراحة العمود الفقري المعقدة وأورام العمود الفقري وصحة الظهر والرقبة ومصمم دليل علاج ومنع آلام الظهر والرقبة، الذي أكد أن منطقة الشرق الأوسط تعد مركزاً مستقبلياً مهماً للابتكار والتعليم الطبي والأبحاث، ومن خلال جهود التعاون في المنطقة، تلتزم «مايو كلينك» بتقديم أعلى مستوى من الرعاية الطبية للمرضى في الدول الخليجية وما حولها. وقد كانت «مايو كلينك» من أحد أكبر المشاركين البارزين في مؤتمر الصحة العربي 2022، ومن أبرز المشاركات: المشاركة في معرض الصحة العربي لهذا العام والالتزام بخدمة قطاع الرعاية الصحية في دولة الإمارات والمنطقة.
وجهود تعاون «مايو كلينك» مع مدينة الشيخ شخبوط الطبية، التي تم افتتاحها في أبوظبي عام 2020 كمشروع مشترك. وأخيراً الابتكارات الجراحية الدقيقة، بما في ذلك الجراحات الروبوتية والعلاج بالخلايا الجذعية.

- آلام الظهر والرقبة
تصيب آلام الظهر والرقبة الناس من جميع الأعمار، وقد تترافق هذه الآلام مع الخمول البدني والأنشطة المهنية. تختفي آلام الظهر أو الرقبة، في معظم الأحيان، من تلقاء نفسها، وفي الوقت نفسه، قد تستمر بعض أعراضها أو كلها، مشيرة إلى الحاجة للاستشارة الطبية، وفي حالات نادرة قد تحتاج الذهاب إلى قسم الطوارئ.
يقول الدكتور محمد بيضون إنه عندما تحدث آلام الظهر أو الرقبة، فإن معظم أنشطة الجسم اليومية الطبيعية تتعطل مسببة التغيب عن العمل في أغلب الحالات، الأمر الذي يجعل البحث عن الراحة من آلام الظهر أو الرقبة أحد أكثر الأسباب شيوعاً للذهاب إلى مقدمي الرعاية الصحية. ويمكن أن تتراوح أسباب آلام الظهر والرقبة من العامل الوراثي إلى التعرض لحادث أو مرض شديد. ومع أن معظم آلام الظهر والرقبة تختفي من تلقاء نفسها، فإن النصيحة الطبية تؤكد عدم تجاهل مثل هذا الألم المستمر، لأن الألم هو طريقة الجسم في التحذير من وجود خطأ ما أو مشكلة تحتاج البحث.
ويضيف: «إذا لم يتم التخلص من أعراض آلام الظهر والرقبة في غضون من ثلاثة إلى أربعة أسابيع، أو إذا استجدت أعراض أخرى جديدة ومتفاقمة، مثل التنميل أو الوخز أو الضعف في الذراع أو اليد أو الساق أو القدم، فإن من الواجب استشارة الطبيب وأخذ الرعاية الصحية المناسبة».
ومن أمثلة المشاكل الصحية التي تبدأ بالألم وتتطلب البحث عن الرعاية الطبية ما يلي:
- أن يكون ألم الظهر والرقبة ناتجاً عن حدثٍ مؤلمٍ مثل حادث سيارة أو السقوط.
- أن يصاحب الألمَ حمى تصل إلى 38 درجة مئوية أو أعلى.
- أن يصاحب الألمَ عدم التحكم في الأمعاء أو المثانة.
- أن يصاحب آلام الرقبة صداعٌ أو وخزٌ أو تنميل.
- أن يكون هناك فقدان للقوة في الذراع أو الساق.
- أن يكون الألم شديداً ولا يستجيب للمسكنات العادية المعروفة.

- التشخيص والعلاج
ينصحُ بعمل الأشعة السينية أو التصوير بالرنين المغناطيسي، إضافة إلى اختبارات أخرى، فهي أساسية في المساعدة على تشخيص وتحديد مشاكل الظهر والرقبة وفي تحديد العلاجات الفعالة التي تتراوح من الرعاية الذاتية إلى الجراحة.
أما عن العلاج، فإن الخبر السار في هذه الحالة المرضية هو أن معظم حالات آلام الظهر والرقبة يمكن معالجتها في المنزل، وعندما لا تكون الرعاية الذاتية كافية، يمكن القيام بشيء للمساعدة - عادة ما تبدأ بتدابير غير جراحية، ومنها ما يلي:
• أولاً: تسكين الآلام. يمكن استخدام الخيارات التالية لتخفيف الألم:
- العناية الذاتية (Self-care)، فقد توفر الكمادات أو التدليك الساخن أو البارد الراحة المطلوبة. وقد تؤدي تمارين الإطالة اللطيفة والتمارين الخفيفة إلى إرخاء العضلات المشدودة. قد تساعد مسكنات الألم التي لا تستلزم وصفة طبية في السيطرة على الألم، ولكن يجب الحرص على تناول هذه الأدوية بالجرعة الموصى بها فقط.
- العلاج الطبيعي (Physical therapy)، يمكن أن يقدم المعالج الفيزيائي تمارين محددة تهدف إلى تخفيف الألم واستئناف النشاط وتحسين القوة والوضعية.
- التدخلات غير الجراحية (Nonsurgical interventions)، يمكن لمجموعة واسعة من التدخلات غير الجراحية أن تعالج آلام الظهر والرقبة، ومنها الوخز بالإبر، والعناية بتقويم العمود الفقري، والحقن إلى تحفيز الأعصاب، والوصفات الطبية.
إذا تم تطبيق هذه التدخلات العلاجية وفق توجيهات الطبيب، ففي الغالب تتم الاستفادة من واحد أو أكثر منها، والعودة إلى الأنشطة اليومية العادية. أما إذا لم تنجح هذه الخيارات، فقد تكون هناك حاجة لعملية جراحية.
عمليات الجراحة
• ثانياً: خيار الجراحة. الجراحة، عادةً، هي الخيار الأخير في علاج آلام الظهر والرقبة. قد لا تزيل الجراحة كل الآلام، وقد لا تعالج أمراضاً مثل التهاب المفاصل الذي يمكن أن يتسبب في تآكل وتمزق عظام العمود الفقري المرتبط بالعمر، وتسمى الفقرات، وأقراص العمود الفقري التي تعمل كممتص للصدمات بين كل فقرتين.
قد تساعد الجراحة عندما تنضغط الأعصاب أو النخاع الشوكي نفسه بسبب التغيرات التنكسية في العمود الفقري. قد يزيل الجراح العظام أو أنسجة القرص التالفة أو كليهما. وقد يستخدم جراحة الدمج بين فقرتين أو أكثر بشكل دائم بهدف القضاء على الحركة المؤلمة بين الفقرات. وأخيراً، قد تستدعي أورام العمود الفقري أو التشوهات اللجوء للعمل الجراحي أيضاً.
• ثالثاً: الجراحة الموجهة. تستمر التطورات التكنولوجية، مثل الجراحة الموجهة بالصور أو الروبوتات، في تحسين نتائج جراحة العمود الفقري للمرضى. إن جميع العمليات الجراحية لها مشاكل محتملة يمكن أن تتراوح من النزيف والعدوى إلى مضاعفات كارثية في حالات نادرة.
وعليه يجب أن يجري الجراح مناقشة صريحة ومفتوحة مع المريض حول مخاطر الإصابة بمضاعفات بناءً على التاريخ الصحي والمرضي، وقد يحتاج اتخاذ القرار إلى الاستعانة برأي ثانٍ ثقة إضافية باختيار الجراحة وأنها هي الطريق الأفضل للعلاج.

- الوقاية
سبل الوقاية من آلام الظهر والرقبة:
- التمرين المنتظم للعضلات والمفاصل والعظام، يقويها ومن ثم يدعم الظهر والرقبة. تساعد التمارين أيضاً في الحفاظ على وزن صحي مما يقلل من الضغط على الظهرك والرقبة. مع ملاحظة أن يبدأ النشاط البدني ببطء وإحماء. وأفضل نشاط يمكن أن يؤديه الجميع هو رياضة المشي، والرقص، واليوغا، والسباحة، وركوب الدراجات، وكل ما يحب الشخص ويروق له من وسائل تحريك العضلات والمفاصل. وينصح عادة بممارسة 30 دقيقة على الأقل من النشاط البدني المعتدل معظم أيام الأسبوع.
- الوضعية الصحية الجيدة للجسم، سواء كان الوقوف أو الجلوس أو الرفع، يمكن أن تؤدي الوضعية السيئة إلى ضعف العضلات المشدودة والأربطة المفرطة التي تضع ضغطاً إضافياً على العمود الفقري. تجنب التراخي.
- العادات الصحية، بما في ذلك طريقة النوم الجيدة وتقنيات الاسترخاء، فإنها تحدث فرقاً كبيراً في الصحة العامة، ويمكنها أن تمنع المشاكل الخطيرة لآلام الظهر أو الرقبة، أو تجعل التعافي منها أكثر سهولة ويسراً.

- 8 علامات لألم الرقبة والظهر تؤكد ضرورة استشارة الطبيب
1. إذا شككت في شدة أعراض آلام الرقبة والظهر واستمرارها، استشر طبيبك، خصوصاً عند توفر إحدى العلامات الثماني التالية:
2. الألم الذي يبقيك مستيقظاً في الليل، وكذلك الألم الذي يزداد سوءاً عند الراحة، خصوصاً عندما يكون مصحوباً بحمى، فقد تكون علامة على وجود عدوى مثل التهاب السحايا (meningitis). يمكن أن تصبح العدوى خطيرة وسريعة، لذلك لا تؤخر الاستشارة الطبية، فالتشخيص والعلاج الفوري قد ينقذ الحياة.
3. إذا كنت مصاباً بالسرطان، وشعرت بآلام الظهر لأول مرة، فقد تكون علامة تحذيرية لسرطان القولون أو المستقيم أو المبيض. قد يؤدي نمو السرطان إلى الضغط على الأعضاء والأعصاب و/ أو الأوعية الدموية؛ مسبباً آلام الظهر. والأسوأ من ذلك، أن الألم يحدث عندما يصبح الورم كبيراً إلى حد ما أو ينتشر.
4. إذا كنت فوق الخمسين من العمر، فاحتمالية حدوث آلام الظهر تزداد. وعند النساء اللائي ما زلن يَحِضْنَ، قد تتزامن زيادة الآلام مع ظهور فترة ما قبل انقطاع الطمث، وفقاً لدراسة أجريت عام 2015 نُشرت في مجلة Menopause Review، وحيث إن الشيخوخة غالباً ما يصاحبها تباطؤ ونمط حياة أكثر استقراراً، فقد تسهم أيضاً في السمنة، والتي ترتبط بزيادة خطر الإصابة بألم الظهر. ووجدت الدراسة، أيضاً، أن السمنة (مؤشر كتلة الجسم (BMI) فوق 30) تزيد من انتشار الألم لدى الإناث. هنا يكون استخدام مزيج من العلاج الطبيعي وإدارة الوزن والعلاجات الأخرى ذات الصلة مفيداً جداً.
5. سلس البول والمثانة أو ضعفٌ في الساق، مع فقدان الإحساس في منطقة المقعد من أعراض متلازمة ذيل الفرس (cauda equina syndrome)، وهي حالة خطيرة للغاية تتطلب رعاية طبية فورية، وجراحة عمود فقري طارئة.
6. إذا أُصبت مؤخراً بسقوط أو ضربة أو حادث، فيجب أن يفحص الطبيب آلام الظهر أو الرقبة في أسرع وقت ممكن، خصوصاً إذا كنت مصاباً بهشاشة العظام وسقطت مؤخراً أو تعرضت لحادث، فهناك احتمال متزايد لإصابة العمود الفقري.
7. إذا انتشر الألم أسفل الرجل أو الذراع، مع الضعف والخدر و/ أو الأحاسيس الكهربائية التي تنزل إلى ساق واحدة (عرق النسا sciatica). ولتشخيص عرق النسا، تتم إثارة الأعراض عن طريق اختبار الجلد (Dermatome) الذي تغذيه جذور الأعصاب الشوكية لتحديد جذر العصب الفقري أو الجذور المتهيجة. في المقابل، قد يساعد هذا في جعل اختيار العلاج دقيقاً قدر الإمكان.
8. تفاقم الأعراض سوءاً مع الانحناء أو ثني الركبتين نحو الصدر، هو مؤشر آخر محتمل لمشكلة الانزلاق الغضروفي التي تشمل انتفاخ القرص الغضروفي أو تفتقه أو المرض التنكسي التآكلي.
9. أعراض تضيق العمود الفقري الكلاسيكية، التقلصات، الضعف، الألم و/ أو الوخز في الساقين خصوصاً عند المشي، تستوجب استشارة الطبيب فوراً، فالتشخيص والعلاج المبكران أساسيان لنتائج شفاء أفضل.

- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».