جائزة عالمية لجامع طوابع لبناني

ماجد حلاوي يؤرشف في «أصداء الإمبراطورية» تاريخ سيراليون

يتألف كتاب «أصداء الإمبراطورية» من جزأين
يتألف كتاب «أصداء الإمبراطورية» من جزأين
TT

جائزة عالمية لجامع طوابع لبناني

يتألف كتاب «أصداء الإمبراطورية» من جزأين
يتألف كتاب «أصداء الإمبراطورية» من جزأين

كان لا يزال اللبناني ماجد حلاوي طفلاً عندما بدأ يجمع الطوابع البريدية. هوايته هذه التي تفتحت براعمها منذ كان يزور سيراليون حيث ولد، كبرت معه لتصبح شغفه. ولكنه لم يتوقع أن يحصد في أغسطس (آب) من عام 2021 جائزة عالمية لحبه الكبير هذا. وبين المئات من هواة جمع الطوابع في العالم، استطاع ماجد حلاوي أن ينال «الميدالية الذهبية الكبرى»، في المعرض الأميركي الكبير للطوابع الذي يقام في شيكاغو.
جاءت الجائزة تقديراً لكتابه «أصداء الإمبراطورية» Echoes of empire، المؤلف من جزأين، جمع فيه مئات الطوابع البريدية التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بتاريخ سيراليون. «أول طابع بريدي جرى طبعه كان في عام 1840 في بريطانيا.
ولغاية عام 1859 لم تكن سيراليون لديها إصدارات بعد. فكانت المراسلات فيها تحصل عبر السفن». يتابع الدكتور ماجد حلاوي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «في كتابي أعرض الطابع البريدي لأول رسالة خرجت من سيراليون. فتاريخ الطوابع البريدية لهذا البلد منذ بدايته حتى اليوم جمعته في هذا الكتاب».
تفاجأ المسؤولون الرسميون بما أنجزه حلاوي، ولذلك في زيارته الأخيرة إلى هناك في عام 2020 جرى عقد مؤتمر صحافي على شرفه تقديراً لإنجازه. «يومها حملت أولى طبعات كتابي كي أوزعها على المكتبة الوطنية هناك، وكذلك على المدارس والجامعات.
وصدفة علمت أن رئيس الوزراء في سيراليون يومها جون فرانسيس، اهتم بالموضوع واتصل برئيس الجمهورية السيراليوني يخبره بالأمر. فما كان منه إلا أن عقد مؤتمراً صحافياً حول الكتاب وأهميته. اعتبروه بمثابة أرشيف يحكي عن بلادهم عبر حقبات ترويها هذه الطوابع. فهذه البلاد شهدت حرباً أتت على موجوداتها في المراكز الرسمية، التي احترقت أو سرقت ونهبت وبينها مبنى البريد العام».
استعان دكتور ماجد حلاوي باللبنانية لينا عز الدين لتتولى مهمة تصميم كتابه. ويعلق: «كان من الضروري أن يحمل بصمة لبنانية مبدعة، واخترت لينا لأنها صاحبة خبرة طويلة، وأعجبت بأعمالها التصميمية».
تربط حلاوي بسيراليون علاقة وطيدة، إذ إن جده من ناحية والده هاجر إلى هناك في الأربعينات. «عندما كنت طفلاً أزور سيراليون مع والدي كان للطابع أهميته الكبيرة هناك. وفي الستينات شهدت الإصدارات أوجها، سيما وأنها كانت تتألف من خلفية حرة غير محددة. فرحت أجمعها من هنا وهناك حتى اكتملت، فقررت نشرها في كتاب».
لحق حلاوي بشغفه إلى أبعد حدود، فتنقل بين عدة بلدان لإكمال مجموعته. ولم يتوانَ عن دفع مبالغ طائلة لشراء بعضها.
يقول: «هواة جمع الطوابع البريدية يشبهون إلى حد كبير زملاءهم هواة جمع لوحات الرسم. تعذبت كثيراً للحصول على بعضها، ومرات كنت أنتظر الورثة لهاوٍ مثلي، أن يتكرموا علي ويقبلون بشرائي هذا الطابع أو ذاك».
بلغ أقل سعر دفعه مقابل الحصول على طابع بريدي نحو 5 دولارات، فيما فاق ثمن بعضها آلاف اليوروات. ولكن كيف كانت تتم هذه العمليات؟ يوضح: «هناك أشخاص معروفون في هذا المجال تحت اسم (ديلر). ترتكز طبيعة عملهم على إعلام هاوي مجموعة ما عن مكان القطعة التي يبحث عنها. تعرفت إلى رئيس مجموعة هواة جمع الطوابع في لندن، فسهل علي مهمتي كثيراً».
يفتخر الاختصاصي بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور ماجد حلاوي بالقيمتين المادية والمعنوية اللتين تحملهما مجموعته. فهو إضافة إلى تضمنها أول طابع استخدم في رسالة من سيراليون، هناك بينها ما هو نادر. «تملك الملكة اليزابيت أهم مجموعة طوابع ورثتها عن جدها جورج الخامس وتعرف بـ«المجموعة الملكية» (Royal collection) وهي مميزة جداً. أما أنا فأملك طوابع قيمة غير موجودة حتى في تلك المجموعة. هذه الطوابع غالية كثيراً على قلبي وأعتبرها بمثابة كنز».
يتألف كتاب «أصداء الإمبراطورية» من جزأين بحيث يحتوي الأول على 9 مجموعات، فيما الثاني فيه نحو 20 مجموعة ويبلغ عدد صفحات الكتابين 950 صفحة. يروي فيه حكايات وقصصاً، منذ بداية هذه الإصدارات في سيراليون في عام 1859 ولغاية عام 1985.
في المجموعات الأولى نلحظ قصصاً عن بداية هذه الإصدارات وعن الرسوم التي حملتها. وكانت في غالبيتها، تغلب عليها صور الملكة فكتوريا والملك إدوارد السابع، وصولاً للملك جورج الخامس. وفي أيام هذا الأخير بدأت الطوابع البريدية تشهد تغييراً بحيث صارت تتألف من صور ولوحات تحكي عن سيراليون.
فصارت بمثابة موضة عرفت باسم «تروبيكالز لوكال ساينز». لقد كانت مستعمرة من قبل الإنجليز، لذلك غلبت شخصيات العائلة المالكة على أولى طوابعها. يوضح ماجد حلاوي الذي يتابع: «بعدها نرى طوابع تحمل لوحات عن الأرز وزراعته. لقد اكتشفت أن الأفارقة هم الذين حملوا هذا المكون إلى أميركا وعرفوا أهلها به».
أما في المجموعة الثانية فنشاهد طوابع تحكي عن إلغاء العبودية في عام 1933 إضافة إلى غيرها من الموضوعات التي تحكي عن تطور البلاد ونموها. «لم أكن أنوي بداية أن أتعمق في تاريخ سيراليون» يقول ماجد حلاوي. ويضيف: «لكن عندما اكتشفت الرابط الكبير بين هذه الطوابع والحقبات الزمنية التي مرت بها البلاد بدلت رأي، سيما وأن بعض الإصدارات هذه تدخل في عمق حياة أهل البلاد ونمط حياتهم. كما أن بعضها يبرز التفكير الأوروبي الخاطئ تجاه الأفارقة ككل».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».