قضايا المناخ تعزز وجودها داخل غرف الأخبار

التدريب وعدم تفاعل الجمهور أهم التحديات

صحف تتناول قضايا المناخ
صحف تتناول قضايا المناخ
TT

قضايا المناخ تعزز وجودها داخل غرف الأخبار

صحف تتناول قضايا المناخ
صحف تتناول قضايا المناخ

«احذروا... هذه المدن مُعرَّضة للغرق»، «ارتفاع درجة الحرارة يهدد الأرض»... عناوين انتشرت أخيراً في وسائل الإعلام، بالتزامن مع تغطية الفيضانات وحرائق الغابات، وموجات ارتفاع درجات الحرارة في العالم، جاءت نتيجة طبيعية للتغيرات المناخية الناتجة عن ارتفاع نسبة الانبعاثات الكربونية، والتي لطالما حذر منها العلماء.
وفي ظل هذه التطورات، يؤكد خبراء الإعلام أن «قضايا المناخ، وارتفاع درجة حرارة الأرض، لم تعد موضوعات رفاهية؛ بل باتت قضايا مهمة عرفت طريقها إلى غرف الأخبار».
الخبراء أشاروا أيضاً إلى «إطلاق كثير من المبادرات الدولية لتأهيل وتدريب الصحافيين والإعلاميين، والاهتمام بتغطية قضايا المناخ».
وفي الوقت الذي تتوجه فيه أنظار العالم إلى المنطقة العربية، بالتزامن مع استضافة مصر والإمارات مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP27)، و(COP28) خلال العام الجاري والعام المقبل. يتوقع خبراء الإعلام أن «تحظى (قضايا المناخ) بمساحات أكبر من التغطية الإعلامية في الصحافة العربية»، مطالبين بأن «تهتم التغطيات والمتابعات بالتوعية بمخاطر التغيرات المناخية، والتركيز على المبادرات المتعلقة بكيفية التأقلم مع هذه التغيرات، وإيجاد بدائل للممارسات الضارة بالبيئة، فيما يعرف بـ(صحافة الحلول)».
الدكتورة أروى الكعلي، أستاذة الإعلام بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، أكدت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «قضايا المناخ لطالما طُرحت على أنها نوع من أنواع الرفاهية الصحافية، فهي ليست من الموضوعات التي يفضلها رؤساء التحرير، أو التي تحظى بأولوية بالنسبة إليهم. وينسحب ذلك على وسائل الإعلام في العالم بشكل عام».
وتضيف الكعلي أن «الإعلام يهتم بالقصص التي يرى نتائجها بسرعة، ولأن الاعتقاد السائد كان يردد أن آثار التغيرات المناخية بعيدة، فلم تكن قصص المناخ جاذبة للإعلام».
لكن أشرف أمين، الصحافي المصري المتخصص في العلوم وقضايا المناخ، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا النوع من القضايا كان يحظى بالاهتمام في فترات سابقة في مصر، مع وجود جيل من الصحافيين المهتمين بقضايا المناخ؛ لكن هذا الاهتمام تراجع على المستوى المحلي، رغم الاهتمام العالمي بهذه القضايا». ويتابع: «للأسف ملفات العلوم والمناخ هي أول ما يتم التضحية به، عند محاولة وسائل الإعلام تقليل النفقات».
في حين علقت الصحافية الأردنية، المتخصصة في مجال التغير المناخي، صفاء الجيوسي، لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إن «الصحافة البيئية مهمة؛ لكنها قليلة جداً في الوطن العربي»؛ موضحة أنها بوصفها صحافية متخصصة في قضايا المناخ، «تتلقى عديداً من الاتصالات عند كل مؤتمر أو كارثة أو خبر مناخي؛ لكن دون وجود هذه الأحداث لا يوجد اهتمام حقيقي بقضايا المناخ، مما يعني أن الاهتمام بها موسمي».
وتتفق معها الصحافية المصرية المتخصصة في العلوم وقضايا المناخ، علياء أبو شهبة. وتقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «التغطيات تغلب عليها النمطية، كما أنها موسمية، مرتبطة بأحداث معينة، كما حدث أخيراً مع تغطية مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، المعروف بـ(COP26) في غلاسكو».
من جهة ثانية، عالمياً يبدو أن هناك اهتماماً بقضايا المناخ، من خلال مجموعة من المبادرات الدولية لتدريب الصحافيين وتأهيلهم على تغطية قضايا المناخ، ومن بينها شبكة «أكسفورد لصحافيي المناخ» التابعة لمعهد «رويترز» للصحافة، و«مشروع تغطية المناخ الآن» التابع لـ«كولومبيا جورناليزم ريفيو».
وهنا يقول وولفانغ بلاو، المؤسس المشارك لشبكة «أكسفورد لصحافيي المناخ» في بريطانيا، إن «قضايا التغير المناخي تعتبر الآن أكبر وأطول قصة صحافية سيعمل عليها الجيل الحالي من الصحافيين، ومن وجهة نظر اقتصادية هي أيضاً أكبر قصة اقتصادية سوف يسجلها التاريخ. والإنسانية الآن تواجه سؤالاً مفاده: كيف ستتعامل وتتأقلم مع التغيرات المناخية وتأثيراتها؟ حيث يجب خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030، إذا كنا نريد الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية».
وبالفعل تؤكد الكعلي أن «درجة اهتمام الإعلام بقضايا البيئة تغيرت مع بدء المعاناة من تبعات التغيرات المناخية، فلم يعد الأمر يتعلق بصور نراها في أفلام الخيال العلمي؛ بل أصبحنا نرى ما تمثله هذه التغيرات على حياتنا اليومية، من ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، وحرائق الغابات، وذوبان الجليد، والفصول التي لم نعد نفهمها، إضافة إلى التبعات على الأمن الغذائي والاقتصاد وغيرها، لذلك نجد أن التقارير والتغطيات في وسائل الإعلام الغربية تكثفت، وتزداد في الدول العربية». وتشير إلى أنه «في تونس عرفنا في الصيف الماضي درجات حرارة قياسية، فأصبحنا نتحدث عن حجر مناخي بدلاً من الحجر الصحي؛ لأن الحرارة تدفع إلى البقاء في المنزل، ومن الطبيعي أن نجد أن وسائل الإعلام تهتم بالموضوع؛ لكن هذا الاهتمام لا يتزامن مع وضع استراتيجيات للتعامل مع هذا الملف؛ خصوصاً من مقاربة قائمة على صحافة الحلول».
عودة إلى أبو شهبة التي تؤكد أن «الدول العربية تتحمل بعض تبعات مشكلة تغير المناخ، رغم أنها ليست من صنعها، وبمرور الوقت تزداد آثار المشكلة وعواقبها في صور عدة، وهو ما يتطلب التوعية، إما بإظهار تأثير التغير المناخي على النواحي كافة؛ لأن له أثراً صحياً واقتصادياً، وليس بيئياً فقط، وإما عبر التوعية بتوقف سلوك أو نهج صناعي معين».
وتظهر قضايا المناخ الآن بشكل أكبر في التغطيات الصحافية بوسائل الإعلام العالمية، معظمها كان مدفوعاً بتغطية قمة الأطراف في غلاسكو، نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والأهم هو الحوادث المناخية التي شهدها العالم، من موجة الحرارة في مقاطعة كولومبيا البريطانية في كندا التي قتلت 569 في الصيف الماضي، والفيضانات في ألمانيا، والحرائق في اليونان وتركيا وإيطاليا، وهذه هي التأثيرات الظاهرة على السطح للتغيرات المناخية، بحسب تقرير نشره موقع رابطة ناشري الأخبار العالمية «وان إيفرا»، الشهر الماضي.
ووفق وولفانغ بلاو، فإن «عام 2030 يبعد عنا أقل من 3000 يوم، وبعده سيكون علينا خفض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر، بحلول عام 2050، وهذا يتعلق بـ(كيف نزرع ونأكل وندفئ منازلنا وننتقل من مكان لآخر وننتج الملابس والأدوات)، فيجب أن نجد طريقة لعمل ذلك دون تدمير الكوكب». ويستطرد بقوله: «إن كثيراً من المؤسسات الإعلامية الآن تنوي توسيع تغطيتها لهذه القضايا؛ لكنها تواجه تحديات تتعلق بالتدريب، وعدم الاقتناع بصحافة الحلول، إضافة إلى التحديات المتعلقة بمكانة هذا النوع من القصص وأهميتها لدى الجمهور».
عودة إلى الجيوسي التي ترى أن «الإعلام والصحافة بشكل عام، والصحافة الاستقصائية بشكل خاص، هي جزء من الشركاء في حلول التغير المناخي، وأحد الشركاء الذين ساهموا في إنجاح اتفاقية باريس 2015، والإعلام العربي يمكنه فعل الكثير بالتوعية بحلول وآثار المناخ، والضغط على أصحاب القرار، والعمل مع الشركاء المحليين والإقليميين».
الجيوسي أعربت عن أملها في أن «يزداد الاهتمام بقضايا المناخ في الإعلام العربي مع استضافة قمتي مناخ في المنطقة؛ حيث سيسلط العالم الضوء على التغير المناخي في المنطقة العربية، وهو ما يدفعنا إلى إنتاج مواد صحافية مبتكرة تجذب المشاهدين، وقصص من حلول وآثار من المجتمعات المحلية الأكثر هشاشة وتأثراً».
بدوره، أعرب أمين عن أمله في «ألا يكون الاهتمام العربي بقضايا المناخ الآن مرتبطاً بتنظيم مؤتمرَي المناخ في مصر والإمارات؛ بل أن يكون اهتماماً حقيقياً، ويتم إفساح المجال لاستعراض مبادرات المجتمع المدني لمواجهة التغيرات المناخية، مع استعراض تأثيراتها، فهذه فرصة لتسليط الضوء وإعادة إحياء صحافة المناخ».
وحول مشكلات تغطية قضايا المناخ، يشير أمين إلى أنها تتلخص في «نقص التدريب لإعداد جيل من الصحافيين المتخصصين، إضافة إلى عدم منح هذه القضايا المساحة المطلوبة من الاهتمام».
وهنا تؤكد أبو شهبة «ضرورة أن يتمتع الصحافي بدرجة كبيرة من الوعي والمعرفة بكل ما يتعلق بالتغير المناخي وتبعاته والمستجدات الدائمة، إضافة إلى المعرفة العلمية، والقدرة على اختيار زاوية مختلفة ومميزة لطرح موضوعات المناخ، وربطها بالحياة اليومية للأفراد، وتبسيط المعلومات بقدر الإمكان». وتشير إلى «زيادة الاهتمام عربياً بتأهيل وتدريب الصحافيين على تغطية القضايا البيئية بوجه عام، والمتعلقة بتغير المناخ على وجه الخصوص، كما حدث في مؤتمر (أريج الرابع عشر للصحافة الاستقصائية) الذي عُقد الشهر الماضي»، مطالبة «بتنظيم مسابقات صحافية في هذا التخصص، لتحفيز الصحافيين على تقديم أفكار مبتكرة».
«العثور على صحافي متخصص ومؤهل لتغطية قضايا المناخ (أمر ليس سهلاً)»، وذلك بحسب وولفانغ بلاو الذي يؤكد أن «تأهيل صحافي متخصص في قضايا المناخ أمر مكلف، إضافة إلى أن هذا النوع من الصحافة لا يحظى بالتفاعل المطلوب من الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو تحدٍّ تنبغي مواجهته».
في السياق نفسه، تقول الكعلي إن «التغيرات المناخية موضوع يمكن تناوله من زوايا مختلفة، ويتطلب مستوى أدنى من التخصص، وهذا يبرر ما نراه أخيراً من دورات تدريبية في العالم العربي، تقدم للصحافيين ممن يريدون التخصص في هذا المجال؛ ولكن تدريجياً سيكون هذا الموضوع هو السائد على أجندة الصحافيين»، مشيرة إلى ضرورة «طرح هذه القضايا من زواياها المختلفة اقتصادياً وسياسياً، وتوضيح تبعاتها على حياة المواطنين لاجتذاب تفاعلهم واهتمامهم، والأهم تقديمها مع مقاربة الحلول؛ لأن الأهم من تسليط الضوء على قضايا المناخ ومعرفة تبعاتها، أن نوضح للمواطن ما يمكنه أن يفعله تجاهها؛ لأن هنالك الكثير مما يمكن أن نفعله، ومن شأنه أن يُحدث لو تغييراً بسيطاً، أو على الأقل يؤجل من تبعات التغيرات المناخية أو يحد منها؛ لأننا كبشر تأخرنا كثيراً في التعامل معها».
الكعلي تشدد أيضاً على «ضرورة التعاون الدولي في تغطية قضايا المناخ، باعتبارها ظاهرة كونية تمتد خارج الحدود الجغرافية، وأن يتم العمل أيضاً على التدقيق في المعلومات المرتبطة بالتغيرات المناخية، والتي ينتشر حولها عديد من المعلومات (المضللة والمغلوطة)».
وهنا، يعتبر خبراء الإعلام أن «عام 2022 فرصة للصحافة لإنقاذ كوكب الأرض، عبر الكتابة عن تأثير التغيرات المناخية»، بحسب تقرير نشره موقع «كولومبيا جورناليزم ريفيو» الشهر الماضي.
وقال الصحافي المتخصص في قضايا المناخ، أندرو فريدمان، في مقال نشره الشهر الماضي موقع «نيمان لاب» المتخصص في دراسة الصحافة والإعلام، إن «عام 2022 هو العام الذي سنتحول فيه كلنا إلى صحافيي مناخ؛ حيث نبهت الأحداث المناخية التي وقعت خلال عام 2021 كثيراً من غرف الأخبار إلى الحاجة إلى تغطية قضايا المناخ وتأثيراتها».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».