صراع الأجنحة الحوثية منع توزيع اللقاحات في مناطق سيطرة الجماعة

TT

صراع الأجنحة الحوثية منع توزيع اللقاحات في مناطق سيطرة الجماعة

تعتقد مصادر إغاثية في اليمن أن صراع الأجنحة داخل الميليشيات الحوثية، إلى جانب رفض الجماعة إشراف منظمة الصحة العالمية على توزيع لقاحات فيروس «كورونا» كان السبب وراء عدم دخول كميات اللقاحات المخصصة للسكان في مناطق سيطرة الجماعة.
وصادر الحوثيون كمية من الشحنة المخصصة للعاملين في المجال الطبي والإغاثي لتطعيم قادتها، وتركت ملايين اليمنيين يواجهون الجائحة بدون أي إجراءات وقائية أو حماية، فيما حصدت موجات الفيروس حياة الآلاف من السكان، حسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم الإفصاح عن هويتها، وأكدت أن الموجة الجديدة من الفيروس المتحور تضرب مناطق سيطرة الميليشيات حالياً، وأن المئات يترددون على الأطباء يشكون من ارتفاع الحرارة وأعراض تشبه الزكام، وأن الأطباء يرجحون أنها أعراض الفيروس، لكن لا توجد أماكن لرعاية المصابين، كما أن المختبرات الخاصة ومعظم المستشفيات لا تمتلك محاليل اختبار الفيروس لفحص المرضى، حيث يلتزم الغالبية منازلهم.
ويرجع موظفو الإغاثة سبب منع دخول اللقاحات إلى مناطق سيطرة الميليشيات إلى الخلاف المتصاعد بين أجنحة الجماعة. فوزير الصحة في حكومة الميليشيات غير المعترف بها طه المتوكل، يدعم حملات التطعيم، وقام في الماضي برعاية حملات لقاح شلل الأطفال بنفسه، وبحلول نهاية مايو (أيار) 2021، أطلق حملة جديدة لمكافحة شلل الأطفال في صنعاء، لكن قيادات متنفذة في الميليشيات، أغلبها من الجناح المنتمي لمحافظة صعدة، يعارض اللقاحات بشكل علني.
وتقول المصادر إن الحاكم الفعلي لصنعاء أحمد حامد، يقود محاربة توزيع اللقاحات، حيث كان أكد في تصريحات علنية أن «اتباع توجيهات» من سماها «القيادة الإيمانية» هو أصل الوقاية من الإصابة بالفيروس.
وكان حامد ومعه زعيم الميليشيات الحوثية وراء حملة معارضة حملات تلقيح ضد شلل الأطفال، بالذات في محافظة صعدة، ما تسبب في ظهور هذا الوباء الخطير، بعد أن كان اليمن أعلن خلوه من المرض قبل ما يزيد عن عشرة أعوام، حيث أعلن زعيم الميليشيات أن الفيروس الحقيقي هي الحرب.
المصادر الإغاثية بينت أن قيادة الحوثيين حملة مناهضة للتطعيم ضد فيروس «كورونا» وراءه اعتبارات سياسية أيضاً لدى الميليشيات، حيث جاء رفضهم تسلم الدفعة الأولى من اللقاحات في أعقاب خلاف مع منظمة الصحة العالمية بشأن الجوانب الفنية لإدارة عملية التلقيح، حيث رفض ما يسمى المجلس الأعلى لإدارة الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، إشراف المنظمة على توزيع وإعطاء اللقاحات، وطالب بتسليمهم الكمية لتتصرف بها الجماعة كما تشاء، وهو الأمر الذي رفضته الصحة العالمية.
ويعيد هذا الموقف العدائي تجاه النداءات الدولية لمكافحة فيروس «كورونا» إلى الأذهان الخلافات السابقة حول توزيع المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، بخاصة أن التقارير تشير إلى أن عدداً محدداً من قيادة الميليشيات حصلوا على اللقاحات من الكمية التي خصصت للعاملين في المجال الطبي.
المواقف الحوثية التي أدت إلى إعادة ظهور شلل الأطفال والانتشار الواسع لفيروس «كورونا» جاءت متزامنة مع انهيار الخدمات الاجتماعية الأساسية بسبب الحرب التي أشعلتها الميليشيات، بما في ذلك نظام الرعاية الصحية، حيث تضررت العديد من المرافق الصحية أو دمرت، وعانى العاملون في الرعاية الصحية من عدم ثبات الرواتب.
وقد أدى هذا الوضع إلى انخفاض توافر البنية التحتية والموارد البشرية لتوفير الرعاية الصحية. وحالياً، لا يعمل سوى 50 في المائة فقط من المرافق الصحية بكامل طاقتها. أما تلك المرافق التي ظلت تعمل، فإنها تفتقر إلى العاملين الصحيين المؤهلين والأدوية الأساسية والمعدات الطبية مثل الأقنعة والقفازات والأكسجين.
وتشير التقارير الدولية إلى أن حوالي 20.1 مليون شخص في اليمن يحتاجون إلى المساعدة الصحية، بما في ذلك 11.6 مليون شخص في حاجة ماسة للرعاية، ولهذا فإن منع وصول اللقاحات دفع بالناس للذهاب إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، خصوصاً الذين يرغبون بالسفر إلى الخارج أو الحاصلين على فرص عمل في دول الخليج، بما يشكله ذلك من تكاليف مالية كبيرة ومعاناة قطع مسافة طويلة جداً، وفي الغالب فإن من يضطر لذلك هم من الذكور، فيما تظل الإناث الأكثر عرضة للإصابة والأقل حصولاً على اللقاحات.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.