تطعيم الصغار بلقاح «كورونا» يعزز مناعتهم ضد الأمراض

ملتقى جدة العلمي الرابع: تحديات «صحة الأطفال»

شعار الملتقى
شعار الملتقى
TT

تطعيم الصغار بلقاح «كورونا» يعزز مناعتهم ضد الأمراض

شعار الملتقى
شعار الملتقى

يساور قلقٌ شديدٌ وخاص كلاً من منظمة الصحة العالمية واليونيسيف إزاء الحاجة الملحّة للتصدي بشكل أفضل للمشاكل التي تواجه صحة أطفال العالم والمراهقين. فالاكتئاب سبب رئيسي من أسباب المرض والعجز بين المراهقين، كما أن الانتحار هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة بينهم.
وأتت جائحة «كوفيد - 19» لتبرز الثغرات الهائلة التي تتخلل إتاحة خدمات الصحة والعافية والتغذية للأطفال وفئات السكان الضعيفة، ما يستوجب على المنظمتين تعزيز النظم الصحية والغذائية، والاستثمار في مجالي الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي للأطفال في كل بلد من بلدان العالم من أجل ضمان إبقاء الأطفال على قيد الحياة وترعرعهم واستفادتهم من بيئة آمنة ونظيفة، وضمان حصول جميع أطفال العالم على ما يلزمهم من خدمات صحية أساسية، بما فيها خدمات التحصين، ومنها تطوير وتوفير اللقاحات المضادة لـ«كوفيد - 19» في إطار ركيزة اللقاحات لمبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة «كوفيد - 19» بين كل الأعمار، ومنها مؤخراً اعتماد تطعيم الأطفال ابتداء من سن الخامسة، فقد أثبتت الجائحة أن أحداً لن ينعم بالأمن إلى أن ينعم به الجميع.

- ملتقى علمي
ينعقد اليوم الجمعة 14 يناير (كانون الثاني) الجاري في مدينة جدة ولمدة ثلاثة أيام، الملتقى العلمي الرابع لصحة الطفل (4th Health Paediatric Forum) الذي ينظمه قسم الأطفال في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز بجدة بالتعاون مع الكلية الملكية البريطانية، لبحث آخر المستجدات في صحة الطفل.
وأوضح رئيس الملتقى أستاذ أمراض الأطفال والغدد الصماء والسكري بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز البروفسور عبد المعين بن عيد الأغا، أنّ الملتقى يناقش، عبر 29 متحدثاً و18 رئيساً للجلسات العلمية، كل ما يتعلق بصحة الأطفال، من خلال أبحاث عديدة لنخبة من الأطباء المتخصصين والمتميزين محلياً وعالمياً، مشيراً إلى أنه تم اعتماد 24 ساعة تعليم طبي مستمر للملتقى من هيئة التخصصات الصحية و8 ساعات للورش المصاحبة، إلى جانب ندوة مصغرة عن التمريض.
وأشار إلى أن هذا الملتقى العلمي الرابع للأطفال وصحة الطفل، يسعى لتبادل التجارب وإثراء المحتوى العلمي والخبرات المهنية والبحثية، إذ تعد مثل هذه الملتقيات العلمية ركيزة مهمة لما من شأنه تطوير البحث العلمي، والتي تسهم في تقدمه ونشره لكل المهتمين في هذا المجال، وفق أسس علمية ومنهجية واضحة.
وتابع أن الملتقى بجانب ما يتضمنه من أبحاث يقدمها نخبة من علماء الطب من المملكة العربية السعودية، يعقد عدة ورش عمل تضمن أساليب التدريس السريري والتعليم الطبي؛ بهدف رفع مستوى الأطباء المتدربين، إلى جانب دورات تدريبية للكوادر الصحية.

- لقاح {كورونا} للأطفال
وفي لقاء خاص لـ«ملحق صحتك بالشرق الأوسط»، أوضح البروفسور عبد المعين عيد الأغا، أن الملتقى يناقش أهمية لقاح «كوفيد - 19» للأطفال، إذ تكمن أهمية التحصين في أربع نقاط مهمة؛ وهي:
- الوقاية من الفيروس الأساسي «كوفيد - 19» والسلالات والمتحورات التي تنتج عنه.
- تقوية مناعة الأطفال ضد مواجهة الأمراض، وتحديداً الفيروسات سواء كورونا أو الإنفلونزا الموسمية؛ فمعروف أن الأطفال وكبار السن من الفئات أصحاب المناعة الضعيفة، وبالتالي هناك أهمية لتحصينهم.
- مع استمرار نشاط فيروس كورونا إلى الآن في جميع دول العالم، رغم حملة التطعيمات والتحصينات لأفراد جميع المجتمعات؛ فإن إعطاء التطعيم للأطفال ضرورة حتمية لمنع وجود أي ثغرات تتغلغل من خلال الفيروس ويستمر في نشاطه.
-الأطفال صغار السن أكثر احتكاكاً في المجتمع بالآخرين، وبالتالي فإن التحصين يعزز الحماية الوقائية أكثر.
وأكد البروفسور «الأغا» أن حصول الأطفال في سن الخامسة وما فوق على لقاح «كوفيد - 19» يساعد أيضاً في المشاركة بأمان في الألعاب الرياضية والأنشطة الجماعية الأخرى، مشيراً إلى أن فئة الأطفال الصغار واليافعين والمراهقين هم من أكثر فئات المجتمعات تحركاً ونشاطاً وخروجاً من المنزل لدوافع الدراسة أو الأنشطة الترفيهية، وبالتالي فإن التحصينات الوقائية تحميهم بإذن الله من المرض أو مضاعفاته.

- حماية صحة الأطفال
> السمنة والسكري. سوف يبحث عدداً من جلسات الملتقى علاقة انتشار سكري الأطفال من النمط الثاني مع السمنة، فخلال السنوات الأخيرة انتشرت السمنة بشكل كبير بين فئات الأطفال والبالغين والمراهقين والشباب في جميع أنحاء العالم بما في ذلك المجتمع السعودي، ما أدى إلى زيادة ظهور السكري من النمط الثاني لدى الفئات العمرية المختلفة. هذا النمط من السكري لم يكن معروفاً في العقود السابقة إلا في البالغين وكبار السن، ويرجع سببه الأساسي إلى انتشار السمنة.
وبجانب ذلك، فإن كثيراً من الدراسات الطبية أوضح أن كثيراً من أطفال مجتمعنا السعودي يعانون ارتفاعاً ملحوظاً في الوزن لا يتفق مع أطوالهم نتيجة زيادة تناول الوجبات السريعة، وعدم ممارسة أي نشاط رياضي، والجلوس ساعات طويلة على الأجهزة الإلكترونية، وتناول الأطعمة التي تحتوي على نسب عالية من الدهون، وزيادة تناول المشروبات الغازية.
> الرضاعة الطبيعية والمناعة. إن من أهم محاور الملتقى جانب خاص يناقش أهمية الرضاعة الطبيعية ودورها في المناعة، فمن المعروف، صحياً، أن حليب الأم هو الغذاء المثالي للطفل، فهو مصمم ليوفر له جميع العناصر الغذائية من أجل نمو صحي، إذ يتكيف حليب الثدي مع نمو الطفل لتلبية حاجاته المتغيرة، كما يحميه من الالتهابات والأمراض، إضافة إلى أن الحصول عليه سهل ومتاح كلما احتاج إليه الطفل، كما تسهم الرضاعة الطبيعية في خلق علاقة حميمية قوية بين الأم والطفل وإشعاره بالحنان والدفء.
حليب الأم يحتوي على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الطفل خلال الأشهر الستة الأولى، كما يحتوي على مجموعة من العوامل التي تحمي الطفل أثناء تطور الجهاز المناعي، ويساعد الطفل في مقاومة العدوى والأمراض، حتى في وقت لاحق من الحياة، ويقلل من خطر السمنة على المدى البعيد، كما يساعد في تطوير العينين والدماغ وأنظمة الجسم الأخرى، وبجانب ذلك تساعد الرضاعة الطبيعية في تطوير الفك، ونجد أيضاً أن الأطفال الذين تمتعوا برضاعة طبيعية في طفولتهم يحققون نتائج أفضل في اختبارات الذكاء.

- مشاكل صحية
> الإلكترونيات والأطفال. يناقش المؤتمر في أحد محاوره جانب وسائل الإعلام وصحة الأطفال، فمن أبرز التحديات التي تهدد صحة الأطفال هي الإلكترونيات، فهناك تجاوز كبير لعدد الساعات التي يجب أن يقضيها الأطفال مع الأجهزة، إذ حددت جمعية الأطفال الأميركية ساعتين فقط يومياً لاستخدام الأطفال للأجهزة.
لذا فإنه ينصح بضرورة تقنين استخدام الأجهزة الإلكترونية عند الأطفال بحيث لا تزيد على الساعتين، ومراقبة المواقع التي يزورها الطفل على شبكة الإنترنت والألعاب التي يمارسها، وتقنين مشاهدات الفيديوهات في مواقع الإنترنت من خلال تحديد وقت يومي للألعاب الإلكترونية والتصفح ومتابعة البرامج التعليمية والترفيهية والمفيدة وإجباره على الالتزام بكل ذلك، حتى لا يكون الأمر على حساب دراسته. كما تتوجب ضرورة تحفيز الطفل على ممارسة الرياضة والأنشطة الترفيهية الأخرى، وعدم السماح باستعمال الأجهزة الإلكترونية في غرف النوم قبل النوم نهائياً، كما يجب الحزم مع الأطفال عند عدم تنفيذ الضوابط، واتخاذ إجراء يمنع حدوث ذلك مستقبلاً.
> الأرق عند الأطفال. يقول البروفسور الأغا إن الملتقى يبحث أيضاً جانب الأرق عند الأطفال، فمعروف طبياً أن الأرق هو نوع من اضطرابات النوم والذي يمكن أن يحدث للأطفال الصغار والمراهقين، ويحدث معه صعوبة في النوم أو الاستيقاظ مبكراً جداً أو تقطع النوم خلال فترة الليل، فكل جهاز في جسم الإنسان يحتاج للنوم العميق أثناء الليل، فخلال هذه الفترة تتم إعادة شحن الجسم والدماغ، وإعادة ضبط الجهاز المناعي والجهاز الهضمي، كما تفرز الهرمونات بما في ذلك هرمون النمو.

- أمراض الأطفال
> الصرع عند الأطفال. ومن المواضيع التي يبحثها الملتقى مستجدات الصرع عند الأطفال، فمعروف أن الصرع حالة دماغية تسبب نوبات متكررة، والنوبات هي من الأعراض العصبية ناتجة عن تغيرات في النشاط الكهربائي للدماغ، والأطفال الذين يعانون من أنواع معينة من الصرع معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بمشاكل التعلم وضعف التحصيل العلمي، ويعد التشخيص المناسب وخطة العلاج مهمين لمساعدة الأطفال في تجاوز الصعوبات المحتملة الناجمة عن الصرع.
> الأطفال والسعال المزمن. تتطرق إحدى المحاضرات إلى مشكلة السعال المزمن عند الأطفال، إذ يعد السعال المزمن من أبرز المشاكل الصحية التي يعاني منها الأطفال، وتوجد عدة أسباب للإصابة بالسعال المزمن عند الأطفال، يتم تحديدها بالتشخيص الطبي ومنها الإصابة بعدوى فيروسية، والسعال الديكي، والربو، وتسييل أنفي، والتهاب الجيوب الأنفية، والسعال الارتجالي، والتهاب القصبات الهوائية المزمن، وانسداد مجرى الهواء.
> الكساح وفيتامين «دي». أوضح البروفسور الأغا أن الملتقى يناقش أيضاً موضوع الكساح عند الأطفال ودور فيتامين دي (D)، فالكساح من الأمراض الشائعة عند الأطفال وهو عبارة عن تليين العظام وضعفها عند الأطفال، وعادة بسبب النقص الحاد والمطول لفيتامين (دي)، كما يمكن أن تسبب مشاكل وراثية نادرة كساح الأطفال، فجسم الأطفال يحتاج إلى فيتامين (دي) لامتصاص الكالسيوم والفوسفور من الطعام، ويمكن أن يحدث الكساح إذا لم يحصل جسم الطفل على ما يكفي من فيتامين (دي) أو إذا كان جسمه يعاني من مشاكل في استخدام فيتامين (دي) بشكل صحيح، وفي بعض الأحيان، قد يؤدي عدم الحصول على ما يكفي من الكالسيوم أو نقص الكالسيوم وفيتامين (دي) معاً إلى الإصابة بالكساح.
ويختتم البروفسور عبد المعين الأغا حديثه إلى «ملحق صحتك» بالقول: هذا الملتقى يبحث كثيراً من المواضيع المهمة بصحة الأطفال سواء في جانب الجراحة أو الأدوية العلاجية، داعياً أن يخرج الملتقى بتوصيات عديدة تثري الساحة الطبية في مجال طب الأطفال، ما ينعكس أثره إيجاباً على خدمة الأطفال المرضى والاهتمام والاعتناء بصحتهم.

- {كورونا} والصحة العقلية للأطفال
> يشير تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 والذي يمثل أكبر دراسة أعدّتها «اليونيسيف» حول الصحة العقلية للأطفال واليافعين ومقدمي الرعاية في القرن الحادي والعشرين، إلى أنه يقدر، على الصعيد العالمي، أن أكثر من 1 من بين كل سبعة مراهقين، ممن تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاماً، تم تشخيصهم على أنهم مصابون باضطراب عقلي. كما يشير التقرير إلى أنه يموت نحو 46 ألف مراهق بسبب الانتحار كل عام، وهو من بين الأسباب الخمسة الأولى للوفاة بين أفراد هذه الفئة العمرية. وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك فجوات واسعة بين احتياجات الصحة النفسية وتمويل الصحة النفسية، حيث يتم تخصيص 2 في المائة فقط من ميزانيات الصحة الحكومية للإنفاق على الصحة العقلية، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
وحول تأثيرات جائحة كورونا على صحة الأطفال، يشير التقرير إلى أن الأشهر الـ18 الأولى للجائحة كانت ثقيلة جداً بالنسبة للجميع - خصوصاً الأطفال، فمع عمليات الإغلاق والقيود المفروضة على الحركة بسبب الجائحة، أمضى الأطفال شهوراً عصيبة بعيداً عن الأقارب والأصدقاء والفصول الدراسية واللعب - وهي العناصر الأساسية للطفولة نفسها.
وعليه، دعت المنظمة الحكومات وشركاءها، إلى تعزيز الصحة العقلية لجميع الأطفال والمراهقين ومقدمي الرعاية، وكذلك لحماية أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة أثناء رعاية الفئات الأكثر ضعفاً.
* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

«الشرق الأوسط» (جنيف - بكين)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
TT

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

وذكرت أن قبل خمس سنوات، سمع العالم التقارير الأولى عن مرض غامض يشبه الإنفلونزا ظهر في مدينة ووهان الصينية، والمعروف الآن باسم «كوفيد - 19».

وتسبب الوباء الذي أعقب ذلك في وفاة أكثر من 14 مليون شخص، وأصيب نحو 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لفترة طويلة، وكذلك في صدمة للاقتصاد العالمي، وأدرك زعماء العالم أن السؤال عن جائحة أخرى ليس «ماذا إذا ظهرت الجائحة؟»، بل «متى ستظهر؟»، ووعدوا بالعمل معاً لتعزيز أنظمة الصحة العالمية، لكن المفاوضات تعثرت في عام 2024، حتى مع رصد المزيد من التهديدات والطوارئ الصحية العامة العالمية.

وإذا ظهر تهديد وبائي جديد في عام 2025، فإن الخبراء ليسوا مقتنعين بأننا سنتعامل معه بشكل أفضل من الأخير، وفقاً للصحيفة.

ما التهديدات؟

في حين يتفق الخبراء على أن جائحة أخرى أمر لا مفر منه، فمن المستحيل التنبؤ بما سيحدث، وأين سيحدث، ومتى سيحدث.

وتظهر تهديدات صحية جديدة بشكل متكرر، وأعلن مسؤولو منظمة الصحة العالمية تفشي مرض الملاريا في أفريقيا، كحالة طوارئ صحية عامة دولية في عام 2024. ومع نهاية العام، كانت فرق من المتخصصين تستكشف تفشي مرض غير معروف محتمل في منطقة نائية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويعتقد الآن أنه حالات من الملاريا الشديدة وأمراض أخرى تفاقمت بسبب سوء التغذية الحاد.

وتشعر القائمة بأعمال مدير إدارة التأهب للأوبئة والوقاية منها في منظمة الصحة العالمية، ماريا فان كيرخوف، بالقلق إزاء وضع إنفلونزا الطيور، فالفيروس لا ينتشر من إنسان إلى إنسان، ولكن كان هناك عدد متزايد من الإصابات البشرية في العام الماضي.

وقالت إنه في حين أن هناك نظام مراقبة دولياً يركز بشكل خاص على الإنفلونزا، فإن المراقبة في قطاعات مثل التجارة والزراعة، حيث يختلط البشر والحيوانات، ليست شاملة بما فيه الكفاية.

وتؤكد أن القدرة على تقييم المخاطر بشكل صحيح «تعتمد على الكشف والتسلسل وشفافية البلدان في مشاركة هذه العينات».

تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهمية الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

وتقول إن جائحة «كوفيد - 19» تركت أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم «مهتزة حقاً»، وتبعتها قائمة طويلة من الأزمات الصحية الأخرى.

وأضافت: «بدأت الإنفلونزا الموسمية في الانتشار، وواجهنا الكوليرا، والزلازل، والفيضانات، والحصبة، وحمى الضنك. إن أنظمة الرعاية الصحية تنهار تحت وطأة العبء، وتعرضت القوى العاملة الصحية لدينا على مستوى العالم لضربة شديدة، ويعاني الكثيرون من اضطراب ما بعد الصدمة. ومات الكثيرون».

وقالت إن العالم لم يكن في وضع أفضل من أي وقت مضى عندما يتعلق الأمر بالخبرة والتكنولوجيا وأنظمة البيانات للكشف السريع عن التهديد.

وتضيف أن توسيع قدرات التسلسل الجينومي في معظم البلدان في جميع أنحاء العالم، وتحسين الوصول إلى الأكسجين الطبي والوقاية من العدوى ومكافحتها، تظل «مكاسب كبيرة حقاً» بعد جائحة «كوفيد - 19». وهذا يعني أن إجابتها عمّا إذا كان العالم مستعداً للوباء التالي هي: «نعم ولا».

وتقول: «من ناحية أخرى، أعتقد أن الصعوبات والصدمة التي مررنا بها جميعاً مع (كوفيد) ومع أمراض أخرى، في سياق الحرب وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية والسياسية، لسنا مستعدين على الإطلاق للتعامل مع جائحة أخرى، ولا يريد العالم أن يسمعني على شاشة التلفزيون أقول إن الأزمة التالية تلوح في الأفق».

وتقول إن عالم الصحة العامة «يكافح من أجل الاهتمام السياسي، والمالي، والاستثمار، بدلاً من أن تعمل الدول على البقاء في حالة ثابتة من الاستعداد».

وذكرت أن الحل الطويل الأجل «يتعلق بالحصول على هذا المستوى من الاستثمار الصحيح، والتأكد من أن النظام ليس هشاً».

هل الأموال متاحة للاستعداد للوباء؟

وجد وزير الصحة الرواندي الدكتور سابين نسانزيمانا نفسه يتعامل مع تفشي مرضين رئيسيين في عام 2024: حالة الطوارئ الصحية العامة في أفريقيا، و66 حالة إصابة بفيروس «ماربورغ» في بلاده.

ويشارك في رئاسة مجلس إدارة صندوق الأوبئة، الذي أُنشئ في 2022 كآلية تمويل لمساعدة البلدان الأكثر فقراً على الاستعداد للتهديدات الوبائية الناشئة.

ويحذر نسانزيمانا مما إذا وصل الوباء التالي في عام 2025 بقوله: «للأسف، لا، العالم ليس مستعداً، ومنذ انتهاء حالة الطوارئ الصحية العامة بسبب (كوفيد) العام الماضي، حوّل العديد من القادة السياسيين انتباههم ومواردهم نحو تحديات أخرى، ونحن ندخل مرة أخرى ما نسميه دورة الإهمال، حيث ينسى الناس مدى تكلفة الوباء على الأرواح البشرية والاقتصادات ويفشلون في الانتباه إلى دروسه».

وقال إن صندوق الأوبئة «يحتاج بشكل عاجل إلى المزيد من الموارد للوفاء بمهمته»،

وفي عام 2022، بدأت منظمة الصحة العالمية مفاوضات بشأن اتفاق جديد بشأن الجائحة من شأنه أن يوفر أساساً قوياً للتعاون الدولي في المستقبل، لكن المحادثات فشلت في التوصل إلى نتيجة بحلول الموعد النهائي الأولي للجمعية العالمية للصحة السنوية في 2024، ويهدف المفاوضون الآن إلى تحديد موعد نهائي لاجتماع هذا العام.

جائحة «كورونا» غيّرت الكثير من المفاهيم والعادات (إ.ب.أ)

وتقول الدكتورة كلير وينهام، من قسم السياسة الصحية في كلية لندن للاقتصاد: «حتى الآن، أدت المحادثات في الواقع إلى تفاقم مستويات الثقة بين البلدان»، ولا يوجد اتفاق حول «الوصول إلى مسببات الأمراض وتقاسم الفوائد»، وكذلك الضمانات التي تُمنح للدول الأكثر فقراً بأنها ستتمكن من الوصول إلى العلاجات واللقاحات ضد مرض وبائي مستقبلي، في مقابل تقديم عينات وبيانات تسمح بإنشاء هذه العلاجات».

وتشير الأبحاث إلى أن المزيد من المساواة في الوصول إلى اللقاحات في أثناء جائحة «كوفيد - 19» كان من الممكن أن ينقذ أكثر من مليون حياة.

وذكرت وينهام: «الحكومات متباعدة للغاية، ولا أحد على استعداد حقاً للتراجع».

وقالت آن كلير أمبرو، الرئيسة المشاركة لهيئة التفاوض الحكومية الدولية التابعة لمنظمة الصحة العالمية: «نحن بحاجة إلى اتفاق بشأن الجائحة يكون ذا معنى».