كيت ميدلتون.... مجدها في أربعينها

ثلاث صور جديدة لدوقة الأناقة والبساطة

صور تذكارية لكاثرين دوقة كمبريدج بمناسبة عيدها الأربعين (إ.ب.أ)
صور تذكارية لكاثرين دوقة كمبريدج بمناسبة عيدها الأربعين (إ.ب.أ)
TT

كيت ميدلتون.... مجدها في أربعينها

صور تذكارية لكاثرين دوقة كمبريدج بمناسبة عيدها الأربعين (إ.ب.أ)
صور تذكارية لكاثرين دوقة كمبريدج بمناسبة عيدها الأربعين (إ.ب.أ)

تبلغ دوقة كامبريدج كاثرين إليزابيث ميدلتون عامها الأربعين بضحكة عريضة لا تفارق وجهها. تروّض نفسها على عادات القصر وآدابه، منذ انتمائها إلى أفراده ونيلها الوسام الملكي الفيكتوري. تترقب زوجة الأمير ويليام، ملك إنجلترا المستقبلي، سنة قد تكون مفصلية على العائلة الحاكمة، وهي في عزّ عطائها. لم تتورّط مباشرة بلعبة خلط الأوراق داخل قصر باكنغهام، منذ زوبعة هاري وميغان وأخبار العنصرية والفضائح، ومنذ استقالة الأمير أندرو بتهمة «الارتكابات الجنسية». لكنّ المعادلات الجديدة تجعلها الأوفر حظاً لصدارة العرش الملكي. في أربعينها، تخلو الساحة لتأكيد مجد الدوقة.
لا تشعل كيت ميدلتون الحرائق ولا تتسلى بروائح الشواء. جرّبت سلفتها ميغان ماركل اللهو بالاشتعال، والنتيجة «ميغسيت». هجرت القصر الملكي إلى أميركا. على عكسها، تتروّى كاثرين في خطواتها. تحسبها جيداً بدرجة ذكاء اجتماعي عالٍ يعززه انتماؤها إلى الطبقة الوسطى. نوعها يميل إلى الوداعة، لا تتحرك خصال الذئاب في تركيبتها. تتفادى تعكير صفاء الملكة، تكسبها إلى صفها وهي تتفرج على دوقة ساسكس تناكفها وتزعج خاطرها. لديها عين ثاقبة تجيد القراءة. فيما غيرها لا يأبه للدروس، تراجعها وتحفظها. يخطئ آخرون، فتستفيد من الأخطاء. يتركون الثغر، فتهرع لسدّه.
في أربعينها، ثلاث صور جديدة لدوقة الأناقة والبساطة، واحدة بالألوان واثنتان بالأبيض والأسود. يقول قصر كنسينغتون إنّ جلسة التصوير بكاميرا باولو روفيرسي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت في حدائق كيو بغرب لندن. والأخير مصوّر أزياء إيطالي، تعاون مع أشهر العارضات بينهن ناعومي كامبل، تعمّد إظهار ابتسامتها ولفت مزيد من الأنظار إلى بساطتها الجذابة. بدت فاتنة بفستانيها الأحمر بكتف واحد، والأبيض، من مجموعة المصمم البريطاني ألكسندر ماكوين، بأقراط الملكة في الصورة الملونة وأقراط الليدي ديانا باللؤلؤ والألماس، وخاتمها الياقوت في الصورتين من دون ألوان، تحية لذكراها.
في حديث لـ«الغارديان»، لفت المصوّر المخضرم إلى قدرة سيدة الأربعين على «زرع الأمل لكل العالم بفضل طاقتها الإيجابية». وبشيء من الإبهار، اختصر لقاءهما: «لحظة من السعادة الصافية». استقبلته بدفء، فأبهجه ما رآه في عينيها: «بريق يعكس روحها المحبّة»، وما أصرّ على جعله روعة الصور: «ابتسامتها التي تكشف عن كرم قلبها».
يشرح مصدر من قصر كنسينغتون «الجوانب الثلاثة لشخصية كيت» لـ«الدايلي ميل»: «جانب ملكي كما أظهرت اللقطة الكلاسيكية، حيث تنظر إلى البعيد. وصورة أكثر رسمية في الفستان الأحمر تُظهر امرأة عصرية تبلغ الأربعين، والصورة المقربة وهي تقدّمها بمنظور أكثر حميمية». وتمنت لها صفحة العائلة المالكة عيد ميلاد سعيداً، ونشرت صورها مع إليزابيث وويليام.
أعصابها هادئة، مستعدة دائماً لامتصاص الغضب، واقعية ومتواضعة، هي دوقة كامبريدج، وهذه أحبّ المزايا لنيل رضا سيدة القصر، البالغة 95 عاماً، المستعدة للاحتفال بيوبيلها البلاتيني في يونيو (حزيران) المقبل، إليزابيث الثانية. فالملكة «تقدّر بشكل كبير» جهود كيت تجاه العائلة ومساندتها لها في هزاتها، وتراها «مثالية للوظيفة، امرأة حاسمة وتتمتع بمهنية عالية»، يقول مصدر مقرّب. وبينما تنتظر ما ستفجّره المذكرات المرتقبة لحفيدها الأمير هاري، وتخشى الفضيحة، تطمئن لوجودها إلى جانب ويليام، الوريث الإنجليزي المسالم والثاني في ترتيب العرش عندما يحين موعد تسلّمه الحكم، وتكاتفها في الشدائد مع النظام الملكي وسمعته.
يوم دخلت ممثلة أميركية ذات سحنة سمراء تدعى ميغان ماركل، حياة العائلة المالكة، استولت على أضوائها. تفوّقت على كيت بإثارة الجدل وإحلال الفوضى، بعدما «لقّنت» زوجها الأمير هاري الخائف من الفواجع العاطفية، هوايتها المفضلة بمداعبة قفير النحل. مع ذلك، لم تسلبها ميغان قلب الملكة. ذلك فوزها الكبير، تضيفه إلى حقيقة أنّ الناس والصحافة في صفها. فهي أقرب إلى «المثالية» كدوقة وزوجة، تُجاري الأعراف وتلتزم بالأوامر. شعبيتها إلى ارتفاع لحضورها المؤثر في عالم الأعمال الخيرية. لم يخرج عن لسانها ما يستدعي الاستنفار وقرع الطبول. وعلاقتها بإثارة الهلع ليست على ما يرام. الأضواء عليها بكونها أيقونة موضة وفاعلة خير. لا تزعزع أمن القصر ولا توتّر أجواءه.
حيث تكون، تراهن الصحافة على أثرها الطيب، في رعايتها لنحو عشرين منظمة خيرية وعسكرية، وللكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد. في اهتمامها بقضايا الأطفال والإدمان وقضائها وقتاً مع المتعافين، وفي تبرّعها بخصلات من شعرها لمؤسسة خيرية تصنع الباروكات للأطفال المصابين بالسرطان. وأيضاً في التوعية بالصحة النفسية والتعليم من المنازل بعد الجائحة، واهتمامها بإشكالية التغير المناخي وإنقاذ الكوكب، فرفضها للهدر وعشقها للأزياء المُعاد تدويرها، كارتدائها جاكيتاً مبطناً من دون أكمام، مصنوعاً مائة في المائة من البوليستر المُعاد تدويره، من توقيع العلامة التجارية الدنماركية «Ganni» المهتمة بشؤون البيئة، وذلك في قمة المناخ الأخيرة، «كوب 26»، في غلاسكو.
كانا في العشرين من العمر، عام 2001، حين التقيا في جامعة سانت أندروز باسكوتلندا حيث درسا تاريخ الفن؛ ويليام الابن البكر لأميري ويلز تشارلز وديانا، وكاثرين ابنة رجل الأعمال مايكل ميدلتون وزوجته كارول. نشأت صداقة دامت أشهراً، قبل أن تتحول إلى حب. وتردد أنها لم تلفته بدايةً ولم تأبه للأمر لكونها كانت منشغلة عاطفياً بإعجاب آخر. الوقت أشعل القلبين، فوُلد إحساس جعل وجنتيها تحمرّان خجلاً عند اللقاء به. أعلنا خطوبتهما في عام 2010 وتزوّجا أمام الملايين بعد سنة. تعني لها كاتدرائية وستمنستر الشاهدة على زواجهما، ففيها استضافت الشهر الماضي حفلاً تكريمياً لمنظمات خيرية ساندت المجتمع البريطاني لتجاوز هول الجائحة، وألقت كلمة عن معاني المحبة في الأوقات الصعبة والشعور بالانتماء الاجتماعي.
«مثاليتها» تطال دورها داخل الأسرة كأم لثلاثة أولاد يتمتعون بألقاب ملكية، جورج وشارلوت ولويس. تريد لهم «حياة طبيعية»، غير التي عاشها ويليام وهاري. الأخير المتضرر الأكبر. مأساة أمه جرحٌ لا يُختم.


مقالات ذات صلة

بمناسبة عيد ميلادها الـ43... الأمير وليام يشيد بزوجته

أوروبا الأمير وليام وزوجته كايت (أرشيفية - رويترز)

بمناسبة عيد ميلادها الـ43... الأمير وليام يشيد بزوجته

أشاد الأمير وليام بالقوة «الرائعة» التي أظهرتها زوجته كايت، التي تحتفل بعيد ميلادها الثالث والأربعين، الخميس، بعد عام حاربت خلاله مرض السرطان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق ابتسامةٌ للحياة (أ.ف.ب)

ميغان ماركل «الطباخة»... في مسلسل

أعلنت ميغان ماركل عن بدء عرض مسلسلها المُتمحور حول شغفها بالطهو، وذلك في 15 يناير (كانون الثاني) الحالي عبر منصة «نتفليكس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لقطة من فيديو تُظهر الأمير هاري يمارس رياضة ركوب الأمواج (إنستغرام)

الأمير هاري يصطحب نجله آرتشي في رحلة ركوب أمواج بكاليفورنيا

نُشرت لقطات للدوق البالغ من العمر 40 عاماً وهو يرتدي بدلة سباحة سوداء برفقة الطفل البالغ من العمر 5 سنوات في مدرسة ركوب الأمواج في كاليفورنيا.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا (الولايات المتحدة))
أوروبا ملك بريطانيا تشارلز الثالث والملكة كاميلا خلال وصولهما قداس عيد الميلاد في كنيسة مريم المجدلية في نورفولك بإنجلترا (أ.ب)

في رسالة عيد الميلاد... الملك تشارلز يشكر الفريق الطبي على رعايتهم له ولكيت (فيديو)

وجّه الملك تشارلز الشكر إلى الأطباء الذين تولوا رعايته ورعاية زوجة ابنه كيت أثناء تلقيهما العلاج من السرطان هذا العام، وذلك في رسالة بمناسبة عيد الميلاد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الملك تشارلز في زيارة لمصنع الشوكولاته (غيتي)

الملك تشارلز يسحب الضمان الملكي من شركة «كادبوري» بعد 170 عاماً

ألغى الملك البريطاني تشارلز الثالث الضمان الملكي المرموق لشركة كادبوري بعد 170 عاماً، على الرغم من أنها كانت الشوكولاته المفضلة لوالدته.

«الشرق الأوسط» (لندن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)