60 جنرالاً يتظاهرون في تل أبيب

في حدث غير مسبوق... للمطالبة بلجنة تحقيق حول الغواصات الألمانية

TT

60 جنرالاً يتظاهرون في تل أبيب

في حدث غير مسبوق في التاريخ الإسرائيلي، شارك نحو 60 جنرالاً، منهم رئيس حكومة سابق ووزير دفاع سابق و3 رؤساء أركان للجيش وسبعة رؤساء للأجهزة الأمنية، في مظاهرة أمام بيت رئيس الوزراء البديل وزير الخارجية يائير لبيد، أمس، مطالبين بالكف عن المماطلة في تشكيل لجنة تحقيق رسمية فيما يعرف بصفقة الغواصات، وغيرها من قضايا الفساد الخطيرة للحكومة السابقة برئاسة بنيامين نتنياهو.
وبادرت إلى هذه المظاهرة «الحركة من أجل طهارة الحكم»، التي كانت قد رفعت التماساً إلى المحكمة العليا في القدس حتى تأمر بلجنة تحقيق. وقالت الحركة إن ما نشر عن هذه القضية يثير تساؤلات عدة حول قيام نتنياهو بشراء 4 غواصات من دون أن يكون الجيش قد طلبها أو علم بها أو وافق عليها.
والحديث يجري عن قرار اتخذه نتنياهو على عاتقه الشخصي، ولم يخبر به حتى وزير دفاعه موشيه يعلون، الذي كان بين المتظاهرين أمس. وتبيّن من تحقيقات الشرطة أن هناك مقربين من نتنياهو قبضوا عمولات دسمة من شركة بناء السفن الألمانية «تيسينكروب» التي باعت هذه الغواصات وعدة سفن حربية لإسرائيل.
وفي العام الماضي، أعلن المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت تقديم لوائح اتهام في ما أصبح يعرف باسم «القضية 3000»، ضد تسعة مشتبه بهم، منهم مايكل جانور، وكيل لبناء السفن في إسرائيل، وقائد البحرية السابق إليعازر ماروم (تشيني)، ورئيس مكتب رئيس الحكومة السابق ديفيد شاران، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق أفريئيل بار يوسف، وكذلك المحامي ديفيد شيمرون، المقرب من نتنياهو وهو أيضا ابن خالته ومساعده ومحاميه الشخصي. والتهم الموجهة هي الرشى والاحتيال وغسيل الأموال.
وحسب مصادر عسكرية مطلعة، فإن نتنياهو قرر شراء غواصة سادسة، إضافة إلى خمس غواصات بحوزة سلاح البحرية الإسرائيلي، ولاحقاً قرر شراء ثلاث غواصات أخرى، جميعها من شركة «تيسنكروب»، مقصياً وزير الدفاع ورئيس الأركان عن هذه القرارات، بينما كان مقربون منه مطلعين عليها. ولكن مندلبليت أخرج نتنياهو من دائرة الاتهام.
وأطلق الجنرالات حملة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية، وسط رفض ومعارضة نتنياهو. وأيّد المطلب في حينه كل من لبيد ووزيرا الدفاع بيني غانتس والعدل غدعون ساعر. وطلب غانتس وساعر تنفيذ الوعود الانتخابية بتشكيل لجنة تحقيق، واُتخذ قرار بهذا الشأن في المحكمة. لكن الحكومة برئاسة بنيت لم تنفذ القرار بعد.
لذا نُظمت مساء أمس، مظاهرة صامتة سوية مع نشطاء الحركة. وشارك فيها رؤساء الأركان السابقون إيهود باراك وموشيه يعلون ودان حالوتس، ورؤساء المخابرات الخارجية (الموساد) السابقون تمير بيدرو وشبتاي شبيت وداني ياتوم، ورئيسا المخابرات العامة (الشاباك) سابقاً كرمي غيلون ويوفال ديسكين، ورئيس مجلس الأمن القومي في ديوان رئيس الوزراء، عوزي أراد، ونحوا من 50 ضابطاً سابقاً برتبة لواء.
وجاء في نداء لهم: «نحن قادة سابقون للجيش والمخابرات، نطالب بلجنة تحقيق في قضية يبدو أنها أكبر وأخطر فضيحة فساد في تاريخ المؤسسة الأمنية في إسرائيل». وطرحوا قضايا عدة للتحقيق، بينها شراء الغواصات الأربع وشراء سفن مضادة للغواصات وسفن حربية أخرى وطريقة جباية العمولات والمصادقة على الصفقة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟