«زحمة» الأزمة السياسية تخنق الخرطوم

استياء من إغلاق الجسور والطرق الرئيسية

مظاهرات متوقعة اليوم (الخميس) قد تشل الحياة في العاصمة السودانية (أ.ف.ب)
مظاهرات متوقعة اليوم (الخميس) قد تشل الحياة في العاصمة السودانية (أ.ف.ب)
TT
20

«زحمة» الأزمة السياسية تخنق الخرطوم

مظاهرات متوقعة اليوم (الخميس) قد تشل الحياة في العاصمة السودانية (أ.ف.ب)
مظاهرات متوقعة اليوم (الخميس) قد تشل الحياة في العاصمة السودانية (أ.ف.ب)

شهدت العاصمة السودانية، أمس، اختناقاً مرورياً حاداً أدى إلى شلل تام لحركة السيارات التي تكدست بالمئات في الشوارع والطرق المؤدية إلى وسط الخرطوم، وذلك قبيل ساعات من الإجراء المتوقع أن تتخذه السلطات بإغلاق الجسور والمعابر الرئيسية تحسباً لدعوات أطلقتها الأحزاب السياسية لاحتجاجات اليوم (الخميس) باتجاه القصر الجمهوري.
ومنذ اندلاع المظاهرات الرافضة لاستيلاء الجيش على السلطة بانقلاب عسكري في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لجأت السلطات إلى اتخاذ تدابير إجراءات أمنية مشددة بنشر قوات كبيرة للحيلولة دون وصول المظاهرات إلى قلب الخرطوم حيث يوجد مقر قيادة للجيش والمرافق السيادية. ولكن على الرغم من ذلك، نجح المتظاهرون في اختراق الحواجز الأمنية المشددة مرتين والتظاهر أمام القصر خلال الأسبوعين الماضيين.
ومؤخراً، لجأت السلطات إلى وضع «حاويات الشحن» الضخمة والأسلاك الشائكة لسد مداخل الجسور التي تربط الخرطوم بمدينتي بحري وأم درمان، تصحبها تعزيزات بقوات عسكرية كبيرة، لمنع عبور السيارات والراجلين. ورصدت «الشرق الأوسط» حالة الازدحام الحاد بالخرطوم واستياء المواطنين من الإجراءات الأمنية التي تسببت في تضرر مصالحهم وأعاقت أعمالهم، خاصة قطاع الأعمال والمهن الحرة، والذين يكسبون عيشهم من الأجرة اليومية.
وتتعمد السلطات الأمنية عشية كل دعوة لمواكب مليونية، إخلاء وسط الخرطوم من المواطنين ومنع دخول السيارات للتصدي للمتظاهرين بالقوة.
يقول علي أحمد، صاحب محل لبيع الأجهزة الإلكترونية بشارع البلدية بالخرطوم: «استغرقت أكثر من ساعتين للوصول إلى مكان عملي بالخرطوم، كنت أقطع المسافة ذاتها في أقل من نصف ساعة في الأيام العادية».
ويشرح أحمد أن إغلاق الجسور والطرق في الخرطوم «أدى إلى توقف حركة البيع والشراء الكبيرة في الأسواق لصعوبة وصول المواطنين إلى الخرطوم، وفي الوقت ذاته لا يوقف موجة المظاهرات كما رأينا في الأيام الماضية». وفضّل كثير من المواطنين في وقت الذروة أمس، مغادرة المركبات والسير على أرجلهم للوصول إلى أماكن عملهم.
وتسبّب قطع حركة المرور خلال الأيام الماضية في تعطل دولاب العمل في المرافق والمؤسسات العامة وعجز كثير من المواطنين في الوصول للخدمات الضرورية، وخاصة المتعلقة بالإجراءات والمعاملات الورقية والإلكترونية الحكومية والخاصة، كما تأثر انسياب السلع الأساسية (القمح والغاز الوقود) من المستودعات إلى الأحياء نتيجة لإغلاق الطرق.
وبجانب الإجراءات الأمنية المشددة، درجت السلطات على حجب شبكة الإنترنت والاتصالات الهاتفية المحلية والدولية لحرمان الناشطين من نقل الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما يراها البعض إجراءات متعمدة لإخفاء العنف المفرط الذي تستخدمه الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين السلميين.
ويتوقع أن تستمر السلطات في إغلاق الجسور المؤدية إلى الخرطوم، نظراً للدعوات التي أطلقتها لجان المقاومة والأحزاب السياسية بتصعيد الاحتجاجات والخروج في مظاهرات مليونية خلال يناير (كانون الثاني) الحالي، تطالب بإسقاط الانقلاب وعودة الحكم المدني في البلاد.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.