الإدارة الأميركية تجري مراجعة لترسانتها النووية

أوكرانيا وتايوان وإيران... ثلاثة مسارح تكمن فيها المخاطر المقبلة

إدارة بايدن تراجع مخاطر أوكرانيا وتايوان وإيران (إ.ب.أ)
إدارة بايدن تراجع مخاطر أوكرانيا وتايوان وإيران (إ.ب.أ)
TT

الإدارة الأميركية تجري مراجعة لترسانتها النووية

إدارة بايدن تراجع مخاطر أوكرانيا وتايوان وإيران (إ.ب.أ)
إدارة بايدن تراجع مخاطر أوكرانيا وتايوان وإيران (إ.ب.أ)

تجري الإدارة الأميركية مراجعة شاملة لترسانتها النووية والنظر في أعداد وأنواع وأغراض الأسلحة الموجودة في الترسانة النووية الأميركية والسياسات التي تحكم استخدامها المحتمل بناءً على المخاطر السياسية التي تواجهها الولايات المتحدة. ومن المنتظر إعلان نتائج تلك المراجعة خلال شهر يناير (كانون الثاني) الحالي. في حين يجري مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض مراجعات مستمرة حول المخاطر الجيوسياسية عبر ثلاثة مسارح تكمن فيها المخاطر المقبلة وهي أوكرانيا وتايوان وإيران.
وتتصاعد تحديات الأمن القومي للرئيس بايدن مع دخوله العام الثاني في منصبه مع ارتفاع التوترات مع روسيا، والتهديدات المتزايدة من الصين وتنامي قوتها العسكرية وتضاؤل الاحتمالات للتوصل إلى صفقة تؤدي إلى كبح جماح الطموحات النووية لإيران.
وتتصدر الأزمة الأوكرانية أجندة بايدن، حيث من المقرر أن يجتمع مسؤولون أميركيون وروس في جنيف بعد أيام لمناقشة الأزمة الأوكرانية وإيجاد مخرج دبلوماسي. وتتشارك القوى الدولية في هذه المخاوف. فالمخاوف الأوروبية من روسيا ترجع إلى تهديدات تتراوح ما بين هجمات سيبرانية إلى نشر قوات تقليدية ونووية شرق الأطلسي، إضافة إلى التهديدات الروسية لأوكرانيا بعد نشر آلاف الجنود الروس عند الحدود الأوكرانية مما يفرض مجموعة من الخيارات تتراوح بين حصول تعديات محدودة إلى غزو روسي صريح وتقسيم أوكرانيا بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014.
ولدى حلفاء الولايات المتحدة قلق خاص حول التهديدات الصينية والخطوات التي تقوم بها الصين لتوسيع ترسانتها النووية، رغم إصدار الصين والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا بياناً مشتركاً بشأن التعهد بمنع حرب نووية أو سباق تسلح. وتجري إدارة بايدن مراجعة للوضع النووي الأميركي، لكن لا يبدو أن هناك تغييراً كبيراً نظراً لتقارير عن القوة النووية المتزايدة للصين. ويقول خبراء، إن حدوث تحولات رئيسية في سياسة الأسلحة النووية الأميركية يبدو أقل احتمالاً.

- خيارات الرد على موسكو
يمتلك الرئيس جو بايدن خيارات كثيرة لردع روسيا عن غزو أوكرانيا قد يكون بعضها مؤلماً لموسكو. وقد قبلت الولايات المتحدة والأوروبيون بإجراء سلسلة من المحادثات الأسبوع المقبل مع روسيا التي اقترحت اتفاقات للحد من توسع حلف شمال الأطلسي (ناتو) على أبوابها. ويقول المسؤولون الأميركيون، إنهم مستعدون لمناقشة مخاوف الجانبين - لكنهم أوضحوا أيضاً أن معظم المطالب الروسية غير مقبولة.
لذلك؛ يبدو أن الرئيس السادس والأربعين في التاريخ الأميركي لا يهتم كثيراً باتفاق كبير مع القوة المنافسة؛ إذ إن الهدف الأكبر لمواصلة الحوار بالنسبة له هو منع تفاقم الأزمة ممرراً في الوقت نفسه تحذيراته.
ويلخص ماثيو روجانسكي، مدير معهد كينان في مركز وودرو ويلسن للأبحاث، قائلاً «إنها قبل كل شيء مسألة إعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح من أجل حوار أعمق ودبلوماسية وتواصل أكثر فاعلية لن يفضيا إلى حل نهائي لجميع المشاكل، ولكن إلى إدارة أفضل لهذه المشاكل لتجنب انتشارها».
وقال جو بايدن، إنه هدد نظيره الروسي مباشرة بـ«عواقب اقتصادية لم يسبق أن رأى مثلها من قبل» إذا قرر غزو أوكرانيا.
ويمكن أن تكون العقوبات المطروحة على الطاولة، حتى لو لم تتحدث عنها واشنطن بالتفصيل، قاسية جداً على الاقتصاد الروسي.
يمكن للغربيين أولاً إدراج المزيد من المقربين لفلاديمير بوتين على لوائحهم السوداء؛ مما يحرمهم من الوصول إلى أصولهم في أميركا أو أوروبا. ويمكن وقف جميع المعاملات التجارية مع الغرب من خلال تعليق استخدام البنوك الروسية نظام تسوية المدفوعات (سويفت). ويمكنهم أيضاً «تجفيف» الاستثمارات في روسيا وتصدير التقنيات الغربية إلى هذا البلد، كما حذر السفير الأميركي السابق في كييف وليام تايلر نائب رئيس مركز الأبحاث التابع لمعهد الولايات المتحدة للسلام.
ولوح الغرب أيضاً بورقة الطاقة؛ إذ تهدد الدبلوماسية الألمانية بعدم السماح بتشغيل خط أنابيب الغاز «نورد ستريم2» بين روسيا وألمانيا المشروع العزيز على قلب موسكو، في حالة حدوث مزيد من التصعيد الروسي. لكن زيادة الطلب على الطاقة من الاقتصاديات الأوروبية التي تحاول التعافي من قيود «كوفيد» رفعت تكلفة فواتير أسعار الطاقة مما سيكون له تأثيرات مؤلمة.
أعلن جو بايدن، أنه لا ينوي جرّ أكبر قوة العالم إلى نزاع جديد في الخارج، لكن من دون الذهاب إلى حد التدخل المباشر، وحذر الأميركيون من أنهم سيرسلون المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا في حالة وقوع هجوم روسي، ويمكنهم أيضاً تجهيز ميليشيات محلية.
ويمكن أن تزود الولايات المتحدة أيضاً حلفاءها الأوكرانيين بمعلومات استخباراتية عبر زيادة عدد طلعات طائرات استطلاع.
لكن إدارة بايدن قالت، إنها ستلبّي، في حال غزو روسي لأوكرانيا، طلبات إرسال تعزيزات - أي نشر قوات أميركية - من دول الناتو المتاخمة لروسيا (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا).
وأكد وليام تايلر، أن «هذا هو بالضبط ما لا يريده بوتين؛ لذلك إذا قرر الغزو، فسيحصل بالضبط على ما لا يريده».
في الماضي، حتى العقوبات الشديدة لم تقنع الرئيس بوتين بالتراجع، خصوصاً بعد ضم شبه جزيرة القرم. لهذا السبب؛ تحاول واشنطن هذه المرة أن تنقل بوضوح إلى الكرملين ماذا سيكون رد الفعل الغربي قبل أن تتحرك.
وقال ماثيو روجانسكي «لا أحد يشك في أن الولايات المتحدة يمكن أن تؤذي روسيا اقتصادياً». وأضاف «السؤال هو: هل هذا كافٍ لتغيير سلوك روسيا؟ وقد علّمنا التاريخ أن الفرصة الوحيدة التي يمكن أن ينجح فيها ذلك هي صياغة التهديدات مسبقاً».
من جهته، رأى وليام تايلر، أنه «(يجب ردع) فلاديمير بوتين عن التحرك عبر كل هذه التهديدات».
ولا يوجد شك أن تلك الخيارات من العقوبات الاقتصادية ستضر الاقتصاد الروسي، لكن لدى الروس أيضاً خيار تحويل صادراتهم من الغاز إلى آسيا مؤقتاً، خاصة الصين المتعطشة للطاقة، والتقارب بين روسيا والصين يضر بمصالح الولايات المتحدة والدول الغربية.

- تايوان وأخطار الحرب
ساحة المعركة الثانية المحتملة والتي يروّج لها صقور الولايات المتحدة هي تايوان. وعلى الرغم من الضجيج الذي تحدثه القوات الجوية الصينية في سماء تايوان، فإن خطر نشوب نزاع مسلح يبدو منخفضاً في الوقت الحالي، وفقاً لرئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميللي، الذي أخبر المشرّعين في الكونغرس، أن احتمال غزو الصين لتايوان ليس وارداً في الوقت القريب رغم الخطاب العدائي الصيني. ويعتمد بقاء تايوان بعيدة عن الحرب على حالة الغموض الاستراتيجي التي تتبعها الولايات المتحدة والغرب؛ فالعالم يعترف بأن تايوان كانت جزءاً من الصين، واستقلالها هو أمر فرضه الواقع وليس بحكم القانون. وأوضحت الصين، أن أي إعلان رسمي للاستقلال سيكون إنذاراً بالعمل الحربي. ويشعر الخبراء بالقلق أن الرئيس الصيني شي جينبينغ يفكر جدياً في إعادة التوحيد السلمي لجزيرة تايوان، في حين يشعر صقور الكونغرس أن الصعود الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي للصين هو تهديد للهيمنة الأميركية، ويريدون التحرك قبل فوات الأوان. ويمكن أن يشكل السلوك العدواني للصين تجاه تايوان ذريعة لقيام الولايات المتحدة بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على الصين. لكن سيرغب الجانبان في تجنب الصدام العسكري حينما تكون المخاطر في التصعيد كبيرة وغير مؤكدة. وتقف الدول الأوروبية على طرفي العصا في هذه المعادلة. فلا يوجد تهديد حقيقي لأوروبا من الصين، لكن تحاول الدول الأوروبية ممارسة دور الحليف المخلص للولايات المتحدة وفي الوقت نفسه تحافظ على مصالحها الاقتصادية مع الصين.

- خيارات إدارة بايدن مع إيران
سلاح العقوبات استخدمته الإدارات الأميركية ضد النظام الإيراني من قبل. لكن هذا النظام لا يزال بعيداً عن الانهيار، ولا تزال إيران تملك قدرات على الإزعاج وإثارة القلاقل في كل من العراق وسوريا ولبنان ومناطق أخرى، كما أن لدى طهران تصميماً أكثر من أي وقت مضى على امتلاك قدرات نووية. وتهدد إسرائيل بشن ضربة عسكرية استباقية لمنع هذا الاختراق النووي.
وحتى الآن يبدو أن القوى العظمى تحث على ضبط النفس، حيث تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لمنع المضي في أي خطوات تشعل الأوضاع. كما تضغط الصين وروسيا على إيران للاستجابة لمطالب القوى الدولية في خصوص العودة إلى الاتفاق النووي.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».