الأرجواني... لون 2022 يرتبط بالثبات والطاقة والإثارة

بداية جديدة تتنقل بسلاسة بين الرقمي والمادي

اللون الأرجواني يرمز إلى شاشات العالم الرقمي (معهد بانتون للألوان)
اللون الأرجواني يرمز إلى شاشات العالم الرقمي (معهد بانتون للألوان)
TT

الأرجواني... لون 2022 يرتبط بالثبات والطاقة والإثارة

اللون الأرجواني يرمز إلى شاشات العالم الرقمي (معهد بانتون للألوان)
اللون الأرجواني يرمز إلى شاشات العالم الرقمي (معهد بانتون للألوان)

في مسعى للتعبير عن الواقع من خلال رسائل للعين واللاوعي، وبغية مزج أحداث خلت ونتائج آتية، يخرج معهد «بانتون للألوان» كل عام ليرسم ملامح المستقبل عبر اختيار طيف واحد متوقع أن يؤثر في عدد من الصناعات البارزة مثل الأزياء، والمفروشات المنزلية، والتصميم الداخلي، فضلاً عن تغليف المنتجات وتصميمات الغرافيك.
واختار المعهد طيفاً من اللون الأرجواني، يسمى «فيري بيري»، ليكون لون عام 2022، وهو ووفق خبراء المعهد فإنّ هذا الطيف مزيج من اللون الأزرق النقي النابض بالحياة، مع ظل أحمر بنفسجي متوهج، ويرمز اللون إلى شاشات العالم الرقمي، ويعكس الإمكانيات الإبداعية للمستقبل.
اختيار لون جديد لعام 2022 في حد ذاته، جاء رمزاً للتغييرات التي تحدث في العالم في الوقت الحالي، بعد فترة ممتدة من العزلة وعدم اليقين، وفقاً لبيان للمعهد، على موقعه الرسمي مؤخراً.
واختار المعهد العام الماضي مزيجاً من اللون الرمادي مع الأصفر المشمس، للتعبير عن الرغبة في التغلب على «كوفيد - 19» فكان الرمادي رمزاً للصلابة، والأصفر شمساً جديدة لعالم هادئ خالٍ من القلق والعزلة، لكن الأمور لم تجر بهذا اليسر.
وفي العام الجديد، مزج المعهد اللون الأزرق (لون مرتبط بالإخلاص والثبات)، مع طيف من اللون الأحمر (يرمز للطاقة والإثارة)، للحصول على لون أرجواني دافئ يوحي بالابتكار واتجاه العالم لمزيد من الرقمنة، لا سيما بعد إعلان مؤسس «فيسبوك، مارك زوكربيرغ، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، عن «ميتافيرس» التي ربما تغير وجه العالم.
ليتريس إيزمان، المدير التنفيذي لمعهد «بانتون» قال في تصريحات لمجلة «تايم» الأميركية مؤخراً: «نعلم أنّه أمر غير معتاد التعبير عن السعادة بطيف يمزج الأزرق، لكن بإضافة الطيف الأحمر تحققت النتيجة التي رأى خبراء المعهد أنها خير رمز للعام الجديد، حيث أردنا اختيار لون يجسد الشعور بالحداثة».
ووفق إيزمان فإنّ «التأثير المتزايد من العالم الافتراضي، مع ظهور (ميتا فيرس)، كذلك تصاعد الاتجاهات الترفيهية مثل (في أر)، والقيمة المتسارعة للعملات الرقمية وبروز سوق الرموز غير القابلة للاستبدال NFTS... كل هذا دفع لاختيار لون العام. ونظراً لأنّ الضوء الأزرق هو عنصر ارتبط بالتكنولوجيا والثقافة المرئية للخيال العلمي، بجانب تفاعلاتنا اليومية مع الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر، فليس من المفاجئ أن يتم اختيار (فيري بيري) لتمثيل العام الجديد».
وتعلق الفنانة التشكيلية المصرية، جيهان فوزي، على اختيار لون العام، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أنكر أنّ اختيار طيف من الأرجواني أعتبره غريباً، لأنّه لون لا يبعث عن الأمل، بينما يتوق العالم إلى قوة تدعوه للتفاؤل وتعده بأن القادم أفضل». وتضيف: «عادة لا أستخدم أطياف الأرجواني في لوحاتي إلا في حدود ضيقة للغاية، لأنّه لون أعتبره قاتماً لا يروق للجميع، وينطق بما يخالف الأمل، لا أتصور أنّنا بحاجة إلى هذا الشعور، لا سيما بعد عامين من الخوف والعزلة».
اختيار طيف من الأرجواني بعد عامين من الوباء كان أمراً غير متوقع بالنسبة للفنانة المصرية التي تقول: «منذ أن تسببت الجائحة في ابتعادنا اجتماعياً وأنا أبحث عن ألوان من الطبيعة، إذ بدا متوقعاً أن تقود الأطياف المستوحاة من الطبيعة، على غرار الأزرق والأخضر والوردي والأصفر التي تعكس البحر وصباح الصيف والحقول الخضراء المورقة والسماء الزرقاء المشمسة، عالم التصميم والأزياء والفن.
نحن نبحث عن الفرحة والطمأنينة والهدوء، ولأنّ الألوان لها سحرها ويمكن أن تلعب دوراً بارزاً في الحالة النفسية للأشخاص، تعمدت تقديم كل أشكال البهجة في لوحاتي منذ انطلاق الوباء».
من جهتها، أرجعت لوري بريسمان، نائبة رئيس المعهد، سبب اختيار الأرجواني ليكون لون العام، قائلة في تصريحات لمجلة «فوربس» الأميركية، نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إن اللون الذي تم اختياره لم يكن بغرض رسائل للعالم، لكنه جاء تعبيراً عن الواقع المنتظر في العام الجديد، وتوضح: «كنا نبحث عن لون ينتقل بسلاسة بين العالم الرقمي والمادي»، مشيرة إلى أنّه «يقصد بهذا اللون الجديد تمثيل ما يأمله الكثيرون في عام 2022، ليكون بداية جديدة لعالم يعرف أنّ الأنظمة والعادات القديمة لم تعد قادرة على مواجهة تحديات اليوم والمستقبل».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».