أسئلة الخصوصية والتحكم بالحياة في «اعترافات فاشونيستا»

مسلسل عن خيبات المؤثرات ومشاكل «السوشيال ميديا»

أسئلة الخصوصية والتحكم بالحياة في «اعترافات فاشونيستا»
TT

أسئلة الخصوصية والتحكم بالحياة في «اعترافات فاشونيستا»

أسئلة الخصوصية والتحكم بالحياة في «اعترافات فاشونيستا»

تفرض الأبعاد الكامنة خلف مسلسل «اعترافات فاشونيستا» التوقف عندها. حياتنا اليوم، كذبة كبيرة. نحن المحبوسين وراء الهواتف، الواقعين في فخها. المُتابع حكايات البطلتين «ملاك» (ستيفاني عطاالله) و«سحر» (مرام علي)، لا مفر من شعوره بالأسى. أهذه هي الحياة الاجتماعية؟ أهكذا أصبحت العلاقات بين البشر، مثيرة للاشمئزاز والشفقة؟ نحن جلادون أم ضحايا؟ أين الحرية الإنسانية والخصوصية الفردية؟
يواجه المسلسل إنسان «السوشيال ميديا» مع مزاعمه وأوهامه. فما يظنها أضواء الشهرة، هي في الحقيقة فقاعات وهم. وما يبدو اتصالاً بالآخر، هو في الواقع تغرب عنه. هنا مرايا البشر تعكس الصور بأحجامها الطبيعية. لا أكبر ولا أصغر. المرء أمام وحش مفترس يدعى الإنترنت. له فم غول ومعدة ديناصور. يبتلع أشياء ثمينة، بينها الطاقة الخلاقة والوقت. يغرف كينونة الإنسان كأنها لقمة مشرعة على المضغ. فما «ملاك» أو «سحر» سوى نسخة عن مجتمع متورط في التزوير. حقيقته غير صورته. مجتمع الوجوه المختبئة خلف وجه يضحك ببلادة. ذلك لأنه وجه المأزق الكبير والقناع الهائل، حيث ذوباننا جميعاً في الكذبة.
أهلاً بكم في الجانب الآخر من يوميات المؤثرات، صاحبات ملايين المتابعين في «السوشيال ميديا». من خلال البطلتين «ملاك» و«سحر»، يسقط القناع الأول: الحياة ليست وردية. ثم يتوالى سقوط الأقنعة: الفاشونيستا أيضاً لديها مشاكل. لديها خيبات بنكهة غليظة، ومعرضة للضغوط والتنمر والمضايقات. في النهاية، هي أيضاً ضحية. تظهر في حال ليست بالضرورة حالها ومشاعرها. جاهزة دائماً لارتداء بسمة مخادعة. تطل على الناس لممارسة المزيد من الكذب: في الأحاسيس، في العلاقة بالأمكنة، في التخبطات النفسية، والهواجس. الكذبة الكبرى هي الطمأنينة. السلام الداخلي مقتول بـ24 طلقة. عدد ساعات اليوم المهدورة.
تؤدي ستيفاني عطاالله بعفوية ساحرة شخصية «ملاك سعادة»، الفاشونيستا اللبنانية المقيمة في دبي. أثقلها الدور، وكلفها خسارة كيلوغرامات من وزنها. تجيده من الجلدة إلى الجلدة. بنحافتها، بوسواس رفض الطعام واضطراباته النفسية، باهتزازاتها المستترة خلف قوة مشكوك فيها. حياتها اختزال لعصر يأكل المرء (المرأة) لحماً ويرميه عظماً. حياة تفقد التحكم: صفر كونترول و«ما باليد حيلة».
هذا العجز المتواري عن الأنظار سرعان ما يدخل في صلب المعادلة، فيصبح بطل اللعبة. العجز عن التصدي للتعليقات المسيئة وكف الأذى، وعن لجم الألسنة المشغولة بالثرثرة. يكمل العجز التمادي في السيطرة: على العلاقة الزوجية بين «ملاك» وزوجها، فينغصها الطلاق لانعدام الصراحة واستحالة الثقة. وعلى علاقة الصداقة اللدودة بينها وبين «سحر»، المبنية على كذبة بحجم جريمة، ومن فرط استفحالها في البشاعة، لا تعود تنفع معها مساحيق تجميل ولا التستر خلف ماركات باهظة ورفاهية مزيفة.
ورائعة مرام علي في شخصية الفاشونيستا السورية «سحر الحداد». ففي حين تتغطى «ملاك» خلف هدوء ما قبل العاصفة، فإن «سحر» عواصف لا يهدأ هبوبها. الشابتان نموذج التيه الجماعي المنضوية تحته شابات العصر. لا يُعرف كوعهما من بوعهما. تسيران بخطى ثابتة نحو اللاجدوى وتختنقان بسجن من دون جدران.
أي مصير ينتظر هاتين الشابتين المُلقى بهما تحت الضوء؟ يدخل حساب وهمي في «إنستغرام» باسم «وينكي فيس» حياتهما، فيخربها؛ هي المخربة في الأصل، مستحيلة الاستكانة إلى شطآن آمنة. القصة لناديا طبارة وساندرين زينون ومازن طه، بمشاركة ميرنا منير في الكتابة، ويتولى مازن فياض الإخراج الرشيق من دون سكر زيادة. ورغم أن جوهر الحبكة يستند على الانتقام وتقليب جمر الماضي، تغلب العبرة ظاهرَ السرد. حادث سير ترتكبه المؤثرتان وتزجان فيه صديقة، فيكلفهما فضائح بالجملة يتولاها حساب وهمي يحول حياتهما جحيماً. كل شيء يتزعزع تحت أقدامهما: الحب والصداقات والثقة وبعض فرص المهنة. لا يبقى حجر على حجر، في لحظة تعرية تبلغ ذروتها بتساوي الجميع في الكذبة: الشركات المتحكمة بقرارات المشاهير، وهم أنفسهم كأفراد تعساء بقوالب سعيدة.
عرضت «إم بي سي 4» المسلسل، وموجود بحلقاته العشر على «شاهد». أحداث مفتوحة على أحداث، وقصص لم تبلغ نهايتها. وما قُدم أشبه بجزء مهيأ لولادة أجزاء أخرى. يمنح الممثل ومقدم البرامج السعودي أيمن مطهر بشخصية «سلطان» العمل إيقاعاً يراوح ما بين الرصانة والشطحات الإنسانية. أداؤه دور رجل الأعمال الخائف من نظرات المجتمع، والمختبئ خلف إصبعه، من ثم الجرأة الطارئة في اللحظة الأخيرة، بمثابة إشارة إلى الانجراف الكبير خلف الأقنعة والأثمان المترتبة جراء التخلي عنها في التوقيت الخطأ بأساليب رديئة.
يشمل المرور العفوي الجميع تقريباً، فـ«الكاست» مشغول باحتراف يحاكي جو النص، من جوزف عبود ووسام فارس وأليكو داود، إلى ميا علاوي وفهد سال وهبة محمود... مع حضور لافت لإلياس الزايك بشخصية الصحافي «ستيف» الباحث عن روائح الفضائح. كل كاراكتير مقدمة لانفجار ما، تتعدد أشكاله وظروفه. لكنه واقع، إن تأجل أو تأخر.
يفتح المسلسل نقاش واحدة من أكثر إشكاليات العصر تعقيداً: قانون حماية الخصوصية. فمن يمنح الحق لأي كان بالتصوير والتلصص واقتحام المجالس الخاصة؟ من ثم نشر الغسيل من دون رادع أخلاقي؟ من يقرر امتلاكه المبرر لإزعاج الآخر، أكان مشهوراً أم نكرة؟ وهل من الأدبيات الإنسانية إرغام المشاهير على تحمل الفضول والإساءة بذريعة أنهم تحت الأضواء؟ من هم هؤلاء الذين يصنعون النجم فيصبح تحت رحمتهم من دون أن تجمعه فيهم معرفة عميقة؟ تساؤلات يحركها المسلسل. يا لهذه الحياة العصية على الإجابة!



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».