رحيل جابر عصفور... صاحب «زمن الرواية» وأشهر مقاتلي معركة التنوير

أعطى الكثير وشكّل جسراً بين أحلام المثقف وواقعه السياسي والاجتماعي

الدكتور جابر عصفور
الدكتور جابر عصفور
TT

رحيل جابر عصفور... صاحب «زمن الرواية» وأشهر مقاتلي معركة التنوير

الدكتور جابر عصفور
الدكتور جابر عصفور

بينما يلفظ عام 2021 أنفاسه الأخيرة، هز الأوساط الثقافية المصرية والعربية أمس نبأ رحيل المفكر الموسوعي، أحد رموز الاستنارة الناقد البارز دكتور جابر عصفور، عن عمر ناهز 77 عاما بعد وعكة صحية دخل على أثرها العناية المستشفى، تاركا مسيرة حافلة في الدرس والتأليف والترجمة والنقد، ومعارك عديدة خاضها ضد الفكر الظلامي على جبهات متعددة، ليصبح بالفعل نموذحا فريدا للمثقف العضوي الذي يرفض الانعزال عن الواقع أو التنظير من برج عاجي، مؤثرا الاشتباك الحي المباشر مع قضايا أمته.
تولى الراحل عدة مناصب قيادية في العمل العام من بينها حقيبة الثقافة مرتين بعد ثورة 25 يناير، لم يستمر كثيرا في المرة الأولى حيث سرعان ما قدم استقالته لأسباب تراوحت بين «الصحي» و«السياسي»، بينما كانت المرة الثانية في 2014 وهى التي شهدت بصمة قوية له. كما تولى منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ورئيس المركز القومي للترجمة. ومن أبرز مؤلفاته المرايا المتجاورة - دراسة في نقد طه حسين، أنوار العقل، آفاق العصر، قراءة التراث النقدي، الإحيائية والإحيائيون، محنة التنوير، دفاعًا عن التنوير. وفي الترجمة صدر له: اتجاهات النقد المعاصر، النظرية الأدبية المعاصرة، عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو.
وفي البحوث و الدراسات: نظرية الفن عند الفارابي، نقاد نجيب محفوظ، شعراء السبعينات في مصر، الصورة الشعرية، قراءة أولية في أدونيس.
ومن أشهر مؤلفاته «زمن الرواية» الذي لم يكن مجرد كتاب في النقد والأدب بقدر ما كان نبوءة بذيوع وانتشار نوع أدبي بعينه حيث تحولت الرواية وفق تعبيره إلى «ديوان العرب» الجديد.
ونعت الفنانة الدكتوره إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة المصرية «عصفور»، مؤكدة أن الثقافة المصرية والعربية فقدت أحد أعمدتها الراسخة، حيث وضع الراحل بصمات بارزة في مجال التنوير وحقق كثيرا من الإنجازات الخالدة به، مشيرة إلى دوره الرائد في البحث الأكاديمي وإدارة المواقع الثقافية التي تولاها، وتابعت أنه كان مثالا للصديق والأب والمعلم لكل من شاركه العمل.
وقال الدكتور محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة، إن الجامعة فقدت واحدا من القامات العلمية الكبيرة حيث يعد من أهم النقاد والمفكرين فى الوطن العربي، وهو صاحب مدرسة علمية في العقلانية والدرس الأدبي والفكري، مؤكدا على أن الأثر الطيب للدكتور جابر عصفور، في زملائه وتلاميذه سيظل باقياً، مضيفا أنه يشعر بالحزن الأليم لفقدان رمز من رموز الفكر في مصر والعالم العربي.
كما نعى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برئاسة الكاتب الصحفي كرم جبر، الدكتور عصفور، مشيرا إلى أن الراحل كان أحد أساتذة التنوير والتثقيف، وأثرى المكتبة المصرية والعربية بالعديد من المؤلفات في النقد والتحليل والتنوير والفكر، وكان مثالًا للمثقف الواعي المحب لوطنه، فيما أعربت دكتوره مايا مرسي، رئيس المجلس القومي للمرأة، عن بالغ حزنها لفقدان الأمة العربية رمزًا عظيمًا من رموز الثقافة والنقد والتنوير أثرى الثقافة العربية بآرائه وكتاباته الإبداعية.
ورغم احتفالات رأس السنة، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى سرادق عزاء. وقال دكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق على صفحته عبر موقع فيس بوك: عرفت دكتور جابر عصفور لأول مرة من قرابة خمسين سنة، في العام الدراسي 1972/1973 عندما التحقت طالًبًا بكلية الآداب جامعة القاهرة، كان وقتها شابًا قارب عامه الثلاثين، كان ضمن مجموعة من الشباب الواعد في كلية الآداب، عرفته عن بعد فلم أكن طالبًا في المجموعات التي يدرس لها؛ اللقاء الأول الحقيقي الذي تعارفنا فيه كان في عام 1988 عندما عملت معه في الاحتفال بمناسبتين كبيرتين؛ الأولى مئوية طه حسين، والثانية حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الأدب، ومن يومها لم تنقطع الصلة، التي تحولت من علاقة العمل والتعلم من الأستاذ إلى الصداقة والمودة. واليوم أودع دكتور جابر عصفور الأستاذ والمعلم والناقد والمفكر ومشيد الصروح الثقافية، لكن قبل ذلك وبعده أودع جابر عصفور الصديق والإنسان.
ولم يملك آخرون القدرة على الاستطراد أو التوسع فجاءت تعليقاتهم مقتضبة مثل الناقد البارز دكتور محمد بدوي الذي قال عبر صفحته الشخصية: حزن يلجم اللسان ويسرق اللغة، إنه الصمت العميق ماذا أقول يا صديقي الكبير وأستاذي الحبيب، وداعا!
وحصد الراحل العديد من الجوائز الرفيعة أبرزها جائزة أفضل كتاب للدراسة النقدية، القاهرة 1984، أفضل كتاب في الدراسات الأدبية، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، 1985، الوسام الثقافي التونسي من رئيس جمهورية تونس 1995، جائزة العويس في حقل الدراسات الأدبية والنقد ـ الدورة الخامسة 1997، جائزة الدولة التقديرية في مجال الأدب 2007، جائزة اليونسكو للثقافة العربية 2008، وسام المكافأة الوطنية بدرجة قائد من ملك المغرب، جائزة النيل 2019.
ونعى «شيخ النقاد العرب»، دكتور صلاح فضل الراحل الكبير متذكرا تجربتهما المشتركة في تأسيس مجلة «فصول» الفكرية بالاشتراك مع الناقد دكتور عز الدين إسماعيل. وقال لـ«الشرق الأوسط» بصوت يغالبه الحزن: كان للدكتور جابر فضل الإسهام في استعادة الدور الثقافي الريادي لمصر وجعلها تعود إلى موقع الطليعة من أمتها العربية حين ظن البعض أن اتفاقية «كامب ديفيد» قد جففت عروق العروبة في الجسد المصري حيث لم يمنع المنصب الرسمي دكتور عصفور من الانطلاق في حركة المقاومة الشعبية والمقاطعة الثقافية لإسرائيل ما دام الحقوق الفلسطينية لم تتم استعادتها بعد.
ويؤكد دكتور فضل على الدور الرائد لعصفور في تحديث النقد العربي وتقديم التيارات النقدية الجديدة بالترجمة حينا والتأليف حينا آخر، كما أعاد الاعتبار إلى المجلس الأعلى للثقافة باعتباره بيت المثقفين العرب. ساعده على ذلك تلك «الكاريزما» الخاصة التي كان يتمتع بها والصداقات الشخصية التي كونها مع نخبة المثقفين العرب من المحيط إلى الخليج.
وحول دور عصفور في تأسيس المركز القومي للترجمة بمصر، يشير دكتور صلاح فضل إلى أنها واحدة من التجارب الرائدة في مسيرة الراحل حيث أسس المركز مباشرة بعد إحالته للتقاعد واستجلب العديد من تلامذته وزملائه ووجههم لاقتحام العلوم الإنسانية والطبيعية على نحو غير مسبوق عبر الترجمة بلغة مهنية وصياغة أخاذة ومهارة شديدة في اختيار الموضوعات المترجمة على نحو يصقل معرفتنا كعرب بالآخر.
ويستطرد الدكتور فضل قائلا: كان جابر عصفور يتمتع بقدر كبير من اللباقة واللياقة وجمال الأداء والقدرة الهائلة على حسن التصرف، وإلى جانب دوره الثقافي كان يأخذ نصب عينيه رسالته التنويرية سواء عبر التأليف أو المقالات كما شارك معنا نحن المثقفين المصريين في لجنة صياغة «وثائق الأزهر» التي استهدفت تأكيد الطابع المدني للدولة والدفاع عن حرية الإبداع كما كان له دور مشهود في التصدي للفكر الظلامي الذي يستهدف المبدعين وينكل بهم أمام المحاكم حيث كان يمثل نموذجا فذا للمثقف العضوي الذي لم تمنعه المناصب الرسمية التي تولاها من الدفاع عن المثقفين وحريتهم بكل ضراوة وقوة.
ومن أبرز تلاميذ الراحل الكبير دكتور سيد ضيف الله، أستاذ النقد الأدبي بأكاديمية الفنون، الذي يصف دكتور جابر عصفور بأنه كان في كل مكان حلّ فيه بمثابة رُمانة ميزان. وحول علاقتهما الإنسانية يقول: عرفته منذ ربع قرن رئيسًا لقسم اللغة العربية بآداب القاهرة فكان بشخصيته القوية ومعرفته الموسوعية ورؤيته الواقعية جسرًا بين أحلام المثقف الثوري والواقع السياسي والاجتماعي لمصر. كنت شابًا وكان يمكنني أن أحلم بحال أفضل للثقافة المصرية دون حاجة لجسور. يومًا بعد يوم، أقترب من جابر عصفور، وها هو يرفع سماعة هاتفه ليهنئني ليس بحصولي على جائزة «ساويرس» في النقد فحسب، بل ليحتفي بمؤلفاتي الأخرى. لم أكن من الذين حظوا بالاقتراب الوظيفي منه، لكني حظيت منه بلمسات إنسانية لا تُنسى. فمرة أخرى، يتصل بي بعد مقال لي نُشر في مجلة «ألف» ، ليعبر عن سعادته بالمقال، وأنه يوافقني الرأي فيما ذهبت إليه من تقييم للدراسات العربية حول النقد الثقافي المنشورة على مدى عشرين عامًا تقريبًا.
ويؤكد ضيف الله أنه كان يعرف جيدًا ماذا يفعل جابر عصفور كي يدعم إنسانيًا الكثير والكثير من الدارسين الشباب والمثقفين المصريين، لكنه لم يتخيل يومًا أنه كان أشد مساندة لمن يختلفون معه من الأكفاء. ويحسب له أنه لم يتورط في تزكية باحث ضعيف للعمل في جامعة مصرية أو عربية.
ويختتم دكتور ضيف الله شهادته قائلا: اختلفت مع أستاذي جابر عصفور في مرحلة سابقة من تاريخ مصر السياسي، وهاجمته كتابة وقولاً، ولم يكن لي من سند سواه حين ضاقت بي السبل. وبرحيل جابر عصفور، لا أفقد أستاذَا وأبًا فكريًا فحسب، بل تفقد مصر المثقف الكبير الذي كان أكبر من أي موقع سياسي بل كان الأكثر تبصرًا بالواقع والأكثر إيمانا بأحلامنا، فهو حفيد طه حسين وراهن على الإصلاح من أجل مصر الدولة المدنية الحديثة، وعلمنا النقد كي ننقده وننقد كل من يفرط في الحلم من بعده!



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.