«بارانويا»... المجتمع داخل مصحة

مسلسل عن علاقة الجريمة بعلم النفس

الأبطال الثلاثة: قصي خولي بين جنيد زين الدين وريتا حايك
الأبطال الثلاثة: قصي خولي بين جنيد زين الدين وريتا حايك
TT

«بارانويا»... المجتمع داخل مصحة

الأبطال الثلاثة: قصي خولي بين جنيد زين الدين وريتا حايك
الأبطال الثلاثة: قصي خولي بين جنيد زين الدين وريتا حايك

يجتاز قصي خولي امتحان الانتهاء من شخصية وتلبس أخرى بشطارة. دوره في «عشرين عشرين» والنجاح المضيء، حملاه نوعاً من القلق الخلاق. تأتي شخصية «وزير إبراهيم» في «بارانويا»، لتؤكد أنه فنان من الكبار. لا يعصى عليه كراكتير ولا يستصعب تحديات. تطارده تهمة قتل 21 رجلاً وسرقة مصرف، ولا يكف طوال حلقات المسلسل عن التأرجح بين التناقضات: الصحة والمرض، الورطة والبراءة، الظالم والمظلوم.
14 حلقة على «شاهد»، عن تداخل الجريمة بعلم النفس، يسير أبطالها على خطوط متوازية تشكل لوحة ممتعة. نعددهم بإعجاب: قصي خولي بدور يتعمد تلوينه بالألغاز، ريتا حايك بشخصية «ميلا» البركانية، تحرق في كل الاتجاهات، جنيد زين الدين بمزيج الخير والشر، رجل غير مفهوم، وفاؤه موضع شك حتى إثبات العكس، يحركه الحب ويشله في آن. وداليدا خليل ضيفة شرف، بالمزيج الأحب إلى قلبها: الممثلة والمغنية. تختبئ خلف ماضٍ موجوع وتتظاهر بالعكس. رباعية العلاقات المتشابكة والمصير المشترك. سلسلة متصلة من الشقاء والتحمل والنجاة المُصادرة، تهرب نحو الحاضر فيطاردها الأمس الأسود، بظلال تبتلع النور، وأشباح مخيمة على الخطوات الهاربة.
في المسلسل نجم من نوع آخر، يثبت مكانته ببرودة أعصاب: سعيد سرحان بشخصية الطبيب النفسي «رواد»، بعد دوره اللامع في «الهيبة». قدم بمهارة شخصية «علي شيخ الجبل»، وفي «بارانويا» يؤكد الجدارة. يغير جلده في الدور، فهدوؤه يكاد يبدو مستفزاً، والأسئلة المطروحة على لسانه تتراءى مخيفة. من خلاله، تُفك خيوط جريمة تختبئ خلف جريمة. المرتكب ليس من يقتل باليد فقط. هو المخطط والمنفذ والذي يسير في الجنائز ويقدم العزاء لأهالي الضحايا.
يتولى «رواد» مهمة أكبر من حدود عيادته، وتحت الضغط، يمارس وظيفة المحقق مستمداً أدلته من خبرته في الطب النفسي. ملخص المسلسل (إنتاج «الصباح أخوان»)، القصة التالية: يُتهم «وزير» بتصفية 21 رجلاً خلال عملية كبرى تطلبت تخطيطاً دقيقاً لسرقة مصرف. الجريمة ليست تهمته الوحيدة، فإذا به يعاني نوعاً من الاكتئاب الذهاني فتتخبط الأصوات في عقله المُرهف. تتدخل الرؤوس الكبيرة لتزوير ملفه واتهامه بالفصام (بارانويا)، فتُرمى عليه كل الارتكابات ويصبح إسفنجة لامتصاص الفبركة. أي محاولة لإثبات براءته تصطدم بالمشككين في قواه العقلية ومدى انتمائه إلى الواقع، لا الهلوسات.
يلفت المسلسل الأنظار إلى أسئلة شائكة: من هو المجرم؟ أهو القاتل بالفعل أم بالكلمة والنظرة والأذية؟ ما نوع العلاقة بين الجريمة وعلم النفس؟ هل المجرم بالضرورة مضطرب نفسياً؟ ألا يرتكب «الأسوياء» الجرائم؟ وهل صحيح أن الإنسان مستعد دائماً للقتل على اعتبار أن الجريمة فعل موروث، أم هي ضريبة الظروف ونقص المشاعر على اعتبارها مسألة مكتسبة؟ من خلال «وزير»، تُمرر الرسائل. محزن أن تتساوى حياته كـ«مجرم» بحياته كمريض، فيكون المرض وسيلة للاستغلال والتلفيق والمؤامرة.
المناخ كئيب، لا يوحي بالطمأنينة. الأبطال الثلاثة، خولي - حايك - زين الدين، في دوائر القلق. لا تلمح الثقة في نظرة أحد. الحب هش أمام الريبة، يجلس وحيداً في الزاوية عند أول خضة. والخضات كثيرة، منذ رحلة العلاج النفسي المريعة ولسعات الكهرباء في ذاكرة «وزير»، إلى الأسى في شخصية «رواد» الناجي من العنف داخل أسرة قتل والده فيها والدته وانتحر، تاركاً إياه للمرارات، مع أخيه المصاب بالتوحد.
يكتب أسامة عبيد الناصر ويُخرج مسلسلاً يتطلب التركيز على التفاصيل. فتداخُل الزمن، قبل انتكاسة «وزير» الشغوف بالموسيقى، حتى مرضه و«علاجه» وتورطه في سرقة المصرف ومجزرة الـ21 رجلاً. رحلة بحث عن حقيقة يستحيل إثباتها وإن توافرت الأدلة. فالمجرمون الكبار أقوى من القانون، وثمة دائماً مجرمون صغار يدفعون الأثمان الباهظة.
لكل شخصية مكانها الخاص في تركيبة «البازل» الدرامية، المتطلبة مُشاهد لا تغفل عيناه عن مشهد، وإلا سبقته الأحداث. مفارقة هي لعبة الموسيقى مع الاضطرابات، تعزز المسلسل بأبعاد نفسية. كيف للموسيقي «وزير» أن تتخبط الأصوات في رأسه كما اعتاد «التخبيط» على الآلات ومداعبة نغماتها؟ مرت مشهديات إخراجية بديعة، تركت السياق ينساب من دون كلام، بصورة أكثر من جميلة.
كلهم مثقلون بماضيهم الهاربين منه بلا وجهة. يُرغم «رواد» على الإمساك بملف «وزير»، فتقوده الظروف إلى الصحافية المستعدة للمغامرات «جيداً» (سارة أبي كنعان). لا يكاد يزهر برعم الحب حتى تدوسه الأقدام. ترافقه في مهمة البحث عن الحقيقة لإنقاذ أخيه الوحيد من الخطف. وتفديه بالدم، حين ينفجر لغم فينهي وجودها. هنا فقط، يتعامل «رواد» مع موتها ببرودة، فيحفر قبرها حيث تُقتل ويكمل الطريق، ولعله سلوك «بديهي» منذ فداحة «المقتلة» الراسخة في ذاكرته.
المسلسل اسم على مسمى: «توتر عالي». المجتمع المجرم كناية عن مصحة تحتوي المضطربين، وعوض شفائهم، تزيدهم اضطرابات وعصبية. تتعدد الدوافع والنتيجة واحدة: جميعنا مرضى، بجرائم أم من دونها. بوجود أشخاص من أمثال «داغر المجيدي» (بيار داغر) المجرم الأكبر، أم بغيابهم. يحركون الآخرين كما تُحرك البيادق، بنيات سيئة ورغبة في الاقتصاص. السجون ليست وحدها أداة العقاب. بعض المجتمعات هي السجن الأكبر.


مقالات ذات صلة

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من البرومو الترويجي لمسلسل «ساعته وتاريخه» الذي يعرَض حالياً (برومو المسلسل)

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

في توقيتات متقاربة، أعلن عدد من صُنَّاع الدراما بمصر تقديم مسلسلات درامية مستوحاة من جرائم حقيقية للعرض على الشاشة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق من وجهة نظر العلاج بالفنّ (غيتي)

علاج القلق والكآبة... بالمسلسلات الكورية الجنوبية

رأى خبراء أنّ المسلسلات الكورية الجنوبية الزاخرة بالمشاعر والتجارب الحياتية، قد تكون «مفيدة» للصحة النفسية؛ إذ يمكنها أن تقدّم «حلولاً للمشاهدين».

«الشرق الأوسط» (سيول)
يوميات الشرق الفنانة مايان السيد في لقطة من البرومو الترويجي للمسلسل (الشركة المنتجة)

«ساعته وتاريخه»... مسلسل ينكأ جراح أسرة مصرية فقدت ابنتها

أثار مسلسل «ساعته وتاريخه» التي عرضت أولى حلقاته، الخميس، جدلاً واسعاً وتصدر ترند موقع «غوغل» في مصر، خصوصاً أن محتوى الحلقة تناول قضية تذكّر بحادث واقعي.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق سهر الصايغ خلال تسلمها إحدى الجوائز (حسابها على إنستغرام)

سهر الصايغ: تمردت على دور «الفتاة البريئة»

قالت الفنانة المصرية سهر الصايغ إنها تشارك في مسلسل «أسود باهت» بدور «شغف» التي تتورط في جريمة قتل وتحاول أن تكشف من القاتل الحقيقي.

مصطفى ياسين (القاهرة )

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.