الكوميديا... ضحكة لبنان في مأزق

TT

الكوميديا... ضحكة لبنان في مأزق

يفتقد لبنان العناصر الثلاثة التي يقال إنها تساعد على تحمل مشقات الحياة: الأمل والنوم والضحك. ولعل الضحك هو الغائب الأكبر، وما يزيد الأمر سوءاً هو غياب البرامج والمسلسلات والمسرحيات الفكاهية.
حتى نجوم الكوميديا أنفسهم باتوا يجدون صعوبة في إضحاك جمهورهم. بعضهم يتمسك بمهنته ويحاول جاهداً أن يكتب اسكتشات لمسرحية أو نصاً لبرنامج تلفزيوني ساخر بعيداً عن الاستسلام للكآبة. عندما تسأل هؤلاء النجوم عن أوضاع الضحك، وأعمالهم الفنية، يتفقون على شيء واحد: «في بلادنا الضحكة في مأزق».
«أنجزت حلقات برنامجي التلفزيوني «لهون وبس» بطلوع الروح»، يشرح النجم الكوميدي هشام حداد لـ«الشرق الأوسط» ويتابع: «تتساءلون لماذا الكوميديا تراجعت في لبنان؟ لأن البلد بأكمله يسير إلى الوراء. الأجواء السوداوية أثرت على الجميع. إضحاك الناس ليس بالأمر السهل. فهل نضحك على معاناتنا، من فقدان الدواء والكهرباء والطعام؟ إنها أمور تبكي، لذلك نشعر أن الذوق العام عند الناس تغير، وما عادوا يضحكون لنفس النكتة التي كانت ترسم الابتسامة على شفاههم من قبل».
الاحتفال بليلة رأس السنة يمضيها هشام على خشبة المسرح، ولكن في دولة الإمارات العربية، في فندق «موفمبيك». لأنه «ما من شغل في لبنان. أصبح من شبه المستحيلات إضحاك اللبناني»، يعلق حداد الذي سافر أمس إلى دبي ويعود في أول يوم من عام 2022. «بذلك أكون قد أمضيت عيد الميلاد مع عائلتي وأول أيام العام الجديد أكون بينهم، فلا أفوت لمة العائلة في المناسبتين».
واقع نجم الكوميديا، على عكس المغني يحتاج إلى مضمون يتجدد مع الوقت، كي يستمر في عمله، فيما الأول يكفيه أن يقدم أغانيه القديمة ليتفاعل معه الناس. ولا يتجاوز عدد المشهورين من نجوم الكوميديا في لبنان أصابع اليدين، بعضهم يملك خبرة طويلة كماريو باسيل، وفادي رعيدي تفوق العشرين سنة. والبعض الآخر كجنيد زين الدين وهشام حداد، بالكاد يبلغ عمر خبرتهم العشر سنوات.
نجد على لائحة نجوم الكوميديا اللبنانيين مثلاً: شادي مارون، وطوني أبو جودة، وميشال أبو سليمان، ونعيم حلاوي، فيما نعثر على عدد أقل من الجنس اللطيف.
هؤلاء، جميعهم، وقفوا على مسارح لبنان من شماله إلى جنوبه، وبعضهم ارتبط اسمه بخشبة دائمة يطلون منها على جمهورهم. اليوم هم عاطلون عن العمل أو أشبه، لعل وسائل التواصل سرقت من وهجهم. تطبيقات إلكترونية كـ«تيك توك» و«إنستغرام» باتت بمثابة خشبات مسرح متواصلة العرض، ومتاحة للجميع مجاناً.
يعلق نعيم حلاوي الغائب الأكبر عن الساحة الكوميدية رغم تاريخه الحافل: «يسأل الكوميدي نفسه اليوم، كيف يحضر لمسرحية كوميدية، والضحك متاح مجاناً على وسائل التواصل الاجتماعي؟ فأي حدث أو موضوع أو مشهد لافت يتم تناوله في ثوانٍ قليلة عبر «تيك توك». أي شخص يشعر بالملل بعد تناوله طعام الغداء أو خلال جلسة مع أصدقائه، يمسك بهاتفه الخلوي ويتكلم عن الموضوع بسخرية». يتابع حلاوي لـ«الشرق الأوسط»: «الوقت سرق منا كل شيء، حتى أموالنا سرقت. في الماضي وفي عز الحرب والأزمات، كان اللبناني يجد سبيلا للضحك، كان يبتسم حتى بعينيه. وهو ما ألاحظه في إعادات لحفلات قديمة تعرضها اليوم شاشات التلفزة بين وقت وآخر». ولمن يلجأ نعيم حلاوي ليضحك؟ يرد: «عادة ما أشاهد برامج غربية أو أفلاماً ومسلسلات أجنبية كوميدية. وفي لبنان أتابع برنامج هشام حداد «لهون وبس»، وكذلك برنامج ماريو باسيل من وقت لآخر. ومرات أخرى أشاهد برامج قديمة لفريقنا مع عادل كرم وعباس ورلى شامية في برنامجي «ما في متلو» و«أس أل شي». هذان البرنامجان لا يزالان يلاقيان المتابعة حتى اليوم، من قبل اللبنانيين».
يشير حلاوي أنه كي يرجع إلى الساحة الكوميدية، ينتظر ما يثير اهتمامه، لذلك هو اليوم يراقب من بعيد، على أمل العودة قريبا.
قد يكون ماريو باسيل من الكوميديين اللبنانيين القلائل الذين لا يزالون يتمسكون بإطلالاتهم المسرحية. الأمر نفسه ينطبق على فادي رعيدي، أحد أشهر الكوميديين بشهادة زملائه. وهو يعرض منذ عدة أشهر مسرحيته «فادي رعيدي شو» على مسرح مجمع «بورتيميليو» في منطقة الكسليك، ومعه يستقبل لبنانيون مقيمين ومغتربين العام الجديد، بالضحكة النابعة من نص ذكي ومحترف، عودنا عليه منذ بداياته. أما ماريو باسيل فاختار «كازينو لبنان» في جونية وفندق «لو رويال» و«ضبية فيلادج»، كي يطل على اللبنانيين الباحثين عن ضحكة. في البدء، ستكون له إطلالة قصيرة ضمن برنامج احتفالي، يحييه كل من معين شريف ودينا حايك. «سأطل بشخصية (ماريوكا) في فقرة قصيرة، كي نلون برنامج الحفل بالابتسامة. أما في فندق «لو رويال» فسأقدم مسرحية «درامادي نايت» بدلاً من «كوميدي نايت» الاسم الذي رافقني طيلة مشواري المهني. فنحن اليوم نعيش الدراما، ومنها نستوحي الاسكتشات الضاحكة. الناس تطالبني بمسرحية ضاحكة لأنهم يحتاجونها أكثر من أي وقت مضى. صحيح أننا نضحك على حالتنا وعلى المأساة التي نعيشها، ولكنني أحاول تلوين المسرحية بالموسيقى والغناء أيضاً». يشارك باسيل في المسرحية كل من تاتيانا مرعب وشادي مارون، ويقدمون معاً خلطة مسرحية غنية باسكتشات سياسية واجتماعية، فيها جائحة «كورونا» وتقليد لسياسيين مشهورين كجبران باسيل ونبيه بري ومحمد رعد. «وسنمرر اسكتشات عن الشيطان كوننا نعيش في جهنم، وأخرى عن وائل كفوري الذي يجيد مارون تقليده».
يعاني نجوم الكوميديا من أزمات مختلفة. يجدون صعوبة في تحديد سعر بطاقات المسرح في ظل تلاعب سعر صرف الدولار أمام الليرة. يفكرون أيضاً بالمسافة التي يقطعها اللبناني من منزله إلى مكان المسرحية «سيما أن الوقود أصبح مرتفع السعر، بحيث لا يمكننا أن نكبد المتفرج مصاريف هو بغنى عنها». يشرح باسيل لـ«الشرق الأوسط» ويتابع: «حتى الفنادق تشهد أزمات كبيرة، وشحاً في عدد نزلائها، وفي تأمين الطاقة للمولدات الكهربائية. نحن في مأزق كبير، والحقبة الذهبية التي عايشناها مع الضحك يتآكلها الصدأ، في ظل حالة نفسية صعبة، يعاني منها معظم اللبنانيين». ويختم باسيل: «أريد القول إن أي مجتمع يفقد الضحكة يكون في خطر. هذا الفن يلزمه إلى جانب الخبرة، الاختبارات كي نقف على حالة ومزاج الناس. وهو أمر متبع في الغرب حيث يجري استقبال نجوم فن الكوميديا ضمن نادٍ أو عمل مسرحي ولو لدقائق ليتعرفوا إلى طبيعة الضحكة التي يحتاجها الناس، فيعيدون حساباتهم إذا لم يوفقوا بإطلالتهم. أما وسائل التواصل فهي أسهمت في تدمير أفكار المسرحيات الناقدة وحرقها. كل ذلك يشير وبوضوح إلى أن صناعة الضحك في خطر، في ظل غياب الأمن والاستقرار».
يغرد الكوميدي جورج خباز خارج السرب، فهو اشتهر بعروض مسرحياته المتواصلة على خشبة مسرح «شاتو تريانون». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «مسرحياتي تنطلق من موضوع درامي يتلون بالكوميديا. لا تشبه الشانسونييه أو الـ«ستاند أب كوميدي». عندي تكاليف باهظة في مسرحي لم يعد في إمكاني تحملها في ظل أزمة «كورونا» وسعر الدولار وغلاء الوقود». يرافق خباز في أعماله فريق كبير من ممثلين وتقنيين وعمال تنظيف. وهو يلاقي صعوبة كبيرة في إعادة افتتاح مواسمه المسرحية.
«نعاني من صراع كبير للعثور على موضوعات. فالأمور ضخمة بحيث إنها تحكي عن حالها من دون الحاجة لمن يحكي عنها. مأزق، لا نعرف ماذا نكتب عنه؟ وماذا نقول للناس؟ وكيف علينا مقاربة النصوص كي تلاقي تفاعلاً عند الجمهور». يشرح خباز، أن مسرحه كان يتكل على الشريحة المتوسطة من المجتمع، وهي شبه معدومة اليوم. وإجمالاً الحدث الكبير يتطرق إليه الفنانون بعد وقت طويل بعد أن ينضج. «فكيف نحكي عن مواضيع بهذا الحجم، وكيف نقرأ المأساة؟ الدنيا ليست بخير في لبنان، كما يخيل للبعض الذين يعيشون في الأوهام».
ينكب خباز اليوم على الأعمال التلفزيونية، يكتب دراما جديدة لمسلسل من إنتاج «الصباح إخوان»، يعرض على منصة «شاهد». «لقد غيرت وجهتي المهنية، وحددتها في هذين المجالين بانتظار الفرج».



الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.