السودان... البحث جارٍ عن الحكم المدني

{ورطة} البرهان وحمدوك في مسلسل الانقلابات

رئيس الوزراء السوداني حمدوك ورئيس المجلس السيادي البرهان بعد توقيع الاتفاق السياسي في الخرطوم 21 نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء السوداني حمدوك ورئيس المجلس السيادي البرهان بعد توقيع الاتفاق السياسي في الخرطوم 21 نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
TT

السودان... البحث جارٍ عن الحكم المدني

رئيس الوزراء السوداني حمدوك ورئيس المجلس السيادي البرهان بعد توقيع الاتفاق السياسي في الخرطوم 21 نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء السوداني حمدوك ورئيس المجلس السيادي البرهان بعد توقيع الاتفاق السياسي في الخرطوم 21 نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)

عاش السودانيون عاماً حافلاً بالأحداث الكبيرة والآمال العريضة في تحقيق انتقال ديمقرطي سلس، ينهي عقوداً من انقلابات عسكرية كانت تتخللها سنوات هدنة مدنية قصيرة، لتعود الدائرة مجدداً، ويعود صدى الموسيقى العسكرية معلناً عن «قائد ملهم» جديد، فخور بالنياشين والنجوم التي تزين كتفه وصدره، فيذيق الشعب الأمرّين، ثم يثور الشعب ضده ويخرجه من اللعبة. وبهذه المراوحة، ضاع أكثر من نصف قرن من تاريخ البلاد التي ظلت، منذ خروج المستعمر، تعيش اختبارات من دون أن تقطع الصلة بالقديم بل تعيده بالثوب المرقع ذاته.
ففي الذكرى الثالثة للثورة، الأحد 19 ديسمبر (كانون الأول) 2021، وصل مئات الآلاف من المحتجين محيط القصر الرئاسي، ليطالبوا «سكان القصر الرئاسي» بالخروج عنه وإخلاء المكان لقادة جدد يستطيعون تحقيق أهداف الثورة، لكن سكان القصر عوضاً عن سماع الصوت المجلجل الصادر عن الشعب، وجهوا قواتهم وآلتهم العسكرية تجاه صدور المطالبين بالحرية العارية، فقتلوا وجرحوا المئات، ومارسوا كل أشكال العنف، معيدين تجربة فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو (حزيران) 2019.
رفعت ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 شعارات «حرية، سلام، وعدالة»، وأوكل الثوار والشعب أمر تحقيقها لقادة مدنيين وعسكريين وفقاً لوثيقة شراكة معلومة ومتفق عليها (الوثيقة الدستورية)، لكن الخلافات دبت بين المكونات المدنية والعسكرية، ما تسبب في تشكيل حكومتين في أقل من عامين، فشلتا في تحقيق أي من شعارات الثورة، ليلقي كل طرف قفاز الاتهام بالفشل بوجه الآخر. العسكر يقولون بفشل المدنيين، والمدنيون يحملون المسؤولية للعسكر، ويتناسى الجميع أنهم شركاء يتحملون المسؤولية معاً.
شهد العام الذي يؤذن بالرحيل، بدء المواجهة الفعلية بين الشركاء المدنيين والعسكريين. فبعد تجربة التوقيع على «اتفاق سلام جوبا» بين الحكومة الانتقالية وحركات مسلحة كانت تحارب نظام الإسلاميين الذي أسقطته الثورة، ارتفع سقف توقعات الناس بالوصول لتحقيق شعارات ثورتهم، لكن سرعان ما عاد الإحباط من الأداء الحكومي بشقيه المدني والعسكري، ليتسيد الساحة مجدداً.

شكل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حكومته الثانية في 8 فبراير (شباط) من كفاءات حزبية، فتم تعيين رئيس «حركة العدل والمساواة» جبريل إبراهيم وزيراً للمالية، وعُين قادة حزبيون آخرون. وتمت تسمية ثلاثة من قادة حركات الكفاح المسلح أعضاء في مجلس السيادة، وذلك إنفاذاً لاتفاق سلام جوبا الموقع في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
واجهت الحكومة الجديدة تحديات كبيرة، في مقدمها التحدي الاقتصادي ومواجهة الفقر. وعقب توصل الخرطوم لاتفاق مع مؤسسات دولية، حصلت البلاد على إعفاء نسبة من ديونها، مع تعهدات بقروض ومساعدات تقدر بمليارات الدولارات، فيما وصفه رئيس الوزراء بـ«إنجاز تاريخي يفتح صفحة جديدة للسودان مع العالم». لكن في المقابل، تصاعدت حدة الخلافات داخل تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» الذي يمثل المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، فاضطر حمدوك إلى التقدم بمبادرته الشهيرة «الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال - الطريق إلى الأمام» في يونيو الماضي، والتي تضمنت «إصلاح القطاع الأمني والعسكري، وتحقيق العدالة، والاقتصاد، والسلام، وتفكيك نظام 30 يونيو (نظام عمر البشير) ومحاربة الفساد، والسياسة الخارجية والسيادة الوطنية، والمجلس التشريعي الانتقالي».
لم تفلح مبادرة حمدوك في توحيد قوى الثورة، في الوقت الذي زادت فيه الهوة اتساعاً بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، ليبلغ ذروته بإعلان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في 21 سبتمبر (أيلول) إحباط محاولة انقلابية بقيادة اللواء عبد الباقي البكراوي، محملاً المسؤولية عن الانقلاب لفشل المدنيين، وشن حملة عنيفة عليهم، لتتحول إلى معركة ملاسنات بين المدنيين والعسكريين في الشراكة، عطلت أعمال الحكومة لأكثر من شهر.
في 25 أكتوبر الماضي، فاجأ رئيس «المجلس السيادي» عبد الفتاح البرهان، عبد الله حمدوك وحكومته، واعتقله مع عدد من وزرائه وعضو في مجلس السيادة وقادة التحالف الحاكم، قبل أن يتلو بياناً أعلن بموجبه حالة الطوارئ، وحل مجلس السيادة ومجلس الوزراء وحكومات الولايات، وتعليق الوثيقة الدستورية، مع وعود بتكوين حكومة من تكنوقراط مستقلين وتنظيم انتخابات بنهاية الفترة الانتقالية، وذلك بعد وقت قصير من موعد انتقال رئاسة مجلس السيادة من العسكريين للمدنيين.
البرهان أطلق على قراراته تسمية «إصلاح» بينما اعتبرها القادة السياسيون وتحالف الحرية والتغيير والثوار انقلابا ًكامل الدسم.
واجه البرهان ضغوطاً شعبية واسعة، واستقبل الشارع انقلابه برفض واسع انطلق قبل إذاعة بيانه الأول، فرد بعنف لافت ضد المواكب التي شارك فيها المئات من الآلاف، ما أدى إلى مقتل نحو 47 شخصاً برصاص القوات العسكرية وإصابة المئات، من دون أن تتوقف الاحتجاجات والمواكب المتمسكة بالمدنية والرافضة لسيطرة العسكر.
لكن البرهان اضطر للتراجع من معظم ما اتخذه من قرارات بفعل الضغط الدولي والإقليمي والمحلي، وأعاد حمدوك لممارسة مهام منصبه مجدداً، وأطلق سراح المعتقلين السياسيين. بعد عودته، ألغى رئيس الوزراء معظم القرارات التي اتخذها البرهان بصفته قائداً للجيش وأعاد بموجبها الإسلاميين للمشهد السياسي بعدما أخرجتهم الثورة من الباب.
لكن حمدوك، الذي عاد لمنصبه من دون حكومته وفق اتفاق سياسي مع قائد الجيش، فقد شعبيته وحاضنته السياسية، ما جعله يفشل في تكوين حكومته بانتظار توافق سياسي جديد، وتحول وجوده لمحفز للحراك الشعبي الذي لم يتوقف منذ الانقلاب.
حمدوك الذي حصل على شعبية لم يحصل عليها أي قائد في تاريخ السودان، دخل «متاهة» عزلة من دون أي سند شعبي، لا يستطيع الخروج منها أو البقاء فيها، ولا يعرف أحد إلى أين تنتهي متاهته، بالاستقالة أم بالخضوع النهائي لجنرالات الجيش.
ورغم «نصف الانقلاب»، لا تزال الشريحة الأهم والأكبر من الشباب يواصلون الاحتجاج ويؤكدون أنهم ماضون في مقاومة العسكريين حتى استعادة المدنية التي أطيح بها وسط ذهول العالم.



مشروع قانون مصري يوسّع مظلة المستفيدين من «الدعم النقدي»

مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
TT

مشروع قانون مصري يوسّع مظلة المستفيدين من «الدعم النقدي»

مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)

عقب «موافقة مبدئية»، يواصل مجلس النواب المصري (البرلمان)، مناقشة مشروع قانون «الضمان الاجتماعي والدعم النقدي»، الذي قدَّمته الحكومة، بهدف «توسيع مظلة الدعم النقدي» للفئات الفقيرة.

وأقرَّ «النواب»، مبدئياً مشروع القانون، الأحد الماضي، في حين واصل أعضاؤه مناقشة نصوصه، على مدار يومَي الاثنين والثلاثاء. وقالت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، مايا مرسي، إن «القانون يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، ويستهدف مأسسة منظومة الدعم النقدي، بتحويل المنظومة من مجرد برنامج ومبادرات مثل (تكافل وكرامة) إلى حق ينظمه القانون»، وفق بيان لوزارة التضامن.

وأقرَّت الحكومة المصرية عام 2015، برنامجاً للحماية الاجتماعية باسم «تكافل وكرامة» لتقديم دعم نقدي بشكل شهري للفئات الأكثر فقراً. ويصل عدد المستفيدين منه 21 مليوناً، جرى تخصيص 41 مليار جنيه مصري لهم، في موازنة العام المالي، وفق وزارة التضامن المصرية (الدولار يوازي 49.6 جنيه مصري).

ووفق البيان، عدَّدت وزيرة التضامن، أهداف التشريع الجديد، ومنها «استدامة دعم الفئات الأكثر احتياجاً، وحوكمة الدعم، والتحقق من المستفيدين سنوياً»، إلى جانب «ضمان أن يكون الدعم مقدماً من موازنة الدولة، وليس من خلال قروض ومنح مؤقتة».

وأشارت إلى أن «التشريع الجديد، يلتزم بمعايير حقوق الإنسان، بتوفير الحماية الاجتماعية والتكافل الاجتماعي لكل شخص بالمجتمع».

ومن المواد التي أقرَّها مجلس النواب، الثلاثاء، أن «لكل مواطن تحت خط الفقر القومي، ولا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي، الحق في التقدم للحصول على دعم نقدي»، كما أقرَّ نصّاً بشأن «درجة الفقر للأفراد والأسر بناء على خريطة الفقر والمؤشرات الدالة عليه»، على أن تحدد اللائحة التنفيذية للقانون درجات الفقر، والإجراءات المتبعة لمَن يستحق الدعم النقدي.

ووفق تقرير للبنك الدولي، في مايو (أيار) الماضي، ارتفع معدل الفقر في مصر، من 29.7 في المائة في العام المالي 2019 - 2020، إلى 32.5 في المائة عام 2022.

ويمثل مشروع القانون، «استحقاقاً دستورياً»، وفق وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي بمصر، المستشار محمود فوزي، الذي أشار إلى أن «التشريع يستهدف مدَّ مظلة الضمان الاجتماعي، واستكمال الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بشبكة الأمان الاجتماعي، والتوسع في مفهوم الفئات الأولى بالرعاية والحماية، باستحداث وضم وشمول فئات جديدة، لم تكن مستفيدة»، وفق إفادة لوزارة الشؤون النيابية.

وكانت الحكومة المصرية، أحالت التشريع الجديد، إلى البرلمان، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.

وحسب تقرير لجنة التضامن بالبرلمان المصري، فإن القانون يستهدف «حماية الأسر الأفقر، والأقل دخلاً»، إلى جانب «كفالة حقوق ذوي الإعاقة، وكبار السن، والأيتام»، بجانب «إلزام الأسر المستفيدة من الدعم، بالاستثمار في صحة الأطفال، وانتظامهم في التعليم»، ولا يتوقف القانون عند تقديم الدعم، ولكنه يهدف إلى «التمكين الاقتصادي لهذه الفئات، للخروج تدريجياً من الفقر».

بدوره، يرى عضو البرلمان المصري ومقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أيمن محسب، أن «التشريع الجديد سيسهم في تحسين شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع مظلته، لتشمل جميع الفئات الأولى بالدعم، وكفالة حقوقهم»، مشيراً إلى أن «القانون يتسق مع خطوات الإصلاح الاجتماعي التي تسعى لها الحكومة المصرية حالياً».

وينصُّ مشروع القانون على نوعين من المساعدات النقدية: الأول، يشمل دعماً نقدياً مشروطاً (تكافل)، ويُقدَّم للأسر الفقيرة، بما فيها الأسر التي لديها أبناء، أما الدعم الثاني فهو غير مشروط (كرامة)، ويُقدَّم للأفراد الفقراء من ذوي الإعاقة والمرضى وقدامى الفنانين والرياضيين والأدباء، وأسند القانون، لرئيس الوزراء، قرار تحديد قيمة الدعم النقدي، على أن تتم مراجعة القيمة كل 3 سنوات.

وقال محسب لـ«الشرق الأوسط»، إن «التشريع الجديد، يمهِّد الطريق أمام الحكومة المصرية، للتحول إلى نظام الدعم النقدي بدلاً من العيني». وأعاد ذلك إلى أن «القانون ينص على حوكمة برامج الدعم المُقدَّمة للحماية الاجتماعية، ويعتمد على قواعد بيانات دقيقة يتم تحديثها بشكل دوري، وسيتم ربطها بالمتغيرات الاقتصادية مثل معدلات التضخم»، عادّاً أن تلك الإجراءات، «من بين خطوات تطبيق الدعم النقدي».

وتتزامن مناقشات التشريع الجديد، مع مناقشات أخرى أعلنتها الحكومة المصرية، داخل «الحوار الوطني» (الذي يضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين)، مع خبراء ومتخصصين، لبحث التحول من نظام الدعم العيني إلى نظام الدعم النقدي للفئات الأولى بالرعاية.

وتتطلع الحكومة المصرية لبدء تطبيق منظومة الدعم النقدي، مع العام المالي الجديد، بداية من يوليو (تموز) 2025. وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «بلاده قد تبدأ في التحول من دعم السلع الأولية الأساسية، إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة، للفئات الأولى بالرعاية»، وربط البدء في التطبيق «بالتوصل إلى توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي في الحوار الوطني».

وتُطبِّق الحكومة المصرية منظومةً لدعم السلع الضرورية منذ عقود طويلة، بهدف خفض نفقات المعيشة للفئات الأولى بالرعاية، ويحصل المواطن على السلع المدعمة من خلال منظومة البطاقات التموينية، لكن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لمنظومة الدعم على الموازنة العامة، في ظل التوسع في عدد السلع المدعمة خلال السنوات الماضية.

من جهته، ينظر مدير «مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية»، عبد المنعم السيد، إلى مشروع القانون بوصفه «منظماً لسياسات الحماية الاجتماعية في مصر»، مشيراً إلى أن «القانون يختلف في نصوصه عن تشريعات مماثلة في دول أخرى، وفق الأولويات الاقتصادية والاجتماعية في مصر».

ويرى السيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن التشريع «يحقق مرونة أمام الحكومة المصرية في تقديم الدعم النقدي خلال الأزمات والكوارث الطبيعية والأوبئة، كما حدث في جائحة (كورونا)»، مضيفاً أنه «يشمل تحت مظلته، فئات تتضرر بشكل مفاجئ مثل العاملين في القطاعات غير الرسمية، والذين يفقدون وظائفهم».