«البلدة القديمة» في «العلا» تستيقظ من سباتها لتبهج مرتاديها

حكايات تُروى ودكاكين تصافح مباني من التاريخ لتمنحها الحياة

TT

«البلدة القديمة» في «العلا» تستيقظ من سباتها لتبهج مرتاديها

من بلدة طينية مهجورة إلى بقعة نابضة بالحياة. هذا ما حصل في العلا القديمة التي تضم 900 منزل من الطوب الطيني و400 دكان. فالمباني التي أكلها الزمن وتهدمت سقوفها وعمّها السكون لسنوات طوال، انتعشت مع مهرجان «شتاء طنطورة»، الذي أخرجها من العزلة لتكون وجهة جاذبة للسياح. حيث احتضنت احتفال طنطورة، الذي انطلق الأسبوع الماضي، وأعادت عروضه الفنية ذاكرة قصة الحب التاريخية ما بين عروة بن حزام وعفراء العذرية، وقصة الرحالة ابن بطوطة، إلى جانب عروض الخيول العربية الأصيلة، وذاكرة التراث الشعبي للمكان الذي امتهن أهله الزراعة منذ الأزل.
وتبدو المفارقة في التصاق البلدة القديمة التي يقدر المؤرخون زمن تأسيسها بأنّه في القرن الثاني عشر الميلادي، إلى جوار سوق البلدة الذي صُمم على الطراز المعماري القديم، مما أعاد الحياة للبلدة التي عاش فيها السكان، إلى ثمانينات القرن الماضي، ثم غادروها بحثاً عن بيوت عصرية، ليغط المكان في سبات عميق، أيقظه منه فعاليات طنطورة.
وعلى خلاف هدوء العلا المتعارف عليه، على اعتبار أنّها مدينة تلفها الآثار والكنوز التاريخية، فإنّ سوق البلدة القديمة يكسر هذا السكون، محدثاً ضجيجاً يملأ المكان بالبهجة، ما بين أصوات الباعة، والأغاني الصادحة، وقهقهة مرتادي المقاهي، وضجيج المارة، وضحكات الأطفال، وفلاش الكاميرات.
وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» داخل السوق، بدا لافتاً تآلف الباعة ما بينهم، وهنا تقول بائعة المشغولات اليدوية أمل العنزي «أغلبنا أهل أو أبناء عمومة»، مبينة أنّ كل من يبيع في السوق هم من سكان العلا الأصليين مع وجود قرابة بين معظمهم تعكس حالة من الألفة داخل المكان. وتشير أمل التي تفتح دكانها في الرابعة عصراً وتغلقه في الـ12 مساءً، أنّ معظم الزوار هم من السياح الحريصين على اقتناء القطع التراثية، خاصة المنسوجات. ويُجمع الباعة خلال حديثهم، على أنّ فكرة بقاء أهل العلا في مدينتهم قبل أكثر من عشر سنوات كانت تبدو أشبه بالانتحار، حيث لم تكن مصادر الرزق كبيرة كما هو حاصل الآن، معبرين عن بهجتهم بالتطور الهائل الذي شهدته العلا، وتوافد السياح الذين يتبضعون منهم بكثرة، مما يضمن لهم جني أرباح وفيرة، والتعريف بتراثهم الحرفي الثري.
وأمام سلال مليئة بالثمار، تفوح رائحة الحمضيات، حيث يقف الشاب عبد الله الذي يبيع البرتقال والليمون بأنواعه المختلفة، مقدماً برتقالاً صغير الحجم وطعمه بحلاوة السكر، قائلاً: «هذا موسم البرتقال في العلا»، عارضاً البرتقال البلدي بأحجام مختلفة، ويعكس عبد الله كرم أهل العلا، بعرضه السخي لتذوق ثمار الحمضيات لمن لا يرغب بالشراء. وعودة لبيوت البلدة القديمة التي لم يبق منها سوى آثار الجدران، مع أزقة متعرجة ونوافذ تطل على الممرات المخفية، فلقد بُنيت المنازل لتكون مرتبطة ببعضها البعض، مما يُوفر تحصيناً وإشارة إلى أنّ الدفاع كان أولوية لسكان المدينة الأوائل. وفي مرحلة ما، كان يمكن الوصول إلى المدينة من خلال 14 بوابة تُفتح في الصباح لاستقبال المسافرين والحجاج وغيرهم من الزوّار، وتُغلق في كل مساء. وبالنظر إلى كون البلدة مأهولة، تمكّن الباحثون من البدء في جمع التاريخ الشفهي عنها، ورسم صورة لما كانت عليه الحياة داخل أسوارها. وحسب موقع «استكشف العلا» السياحي، فستتوفر هذه القصص ذات يوم للزوار، مما يُمكنهم من إلقاء نظرة على الذاكرة الحيّة لبلدة العلا القديمة.
وتكتمل حلاوة التجوّل في البلدة القديمة، في تذوق المأكولات السعودية التي تُقدمها المطاعم هناك، حيث يجد الزائر أطباقاً شهية من المطبخ المحلي، مثل: الكبسة، والجريش، والسليق الطائفي، وكبيبة حائل، والمفلق الحساوي، وغيرها، في تناغم واضح ما بين الطابع التراثي للمكان ومذاق الأطعمة المقدمة في مواقع تُمكن الزائر من التلذذ بطعامه وهو يتأمل بقايا البيوت في البلدة القديمة.


مقالات ذات صلة

السعودية تحقق هدف 2030 بإدراج 8 مواقع في لائحة «اليونسكو»

الخليج قرية «الفاو» ثامن المواقع التراثية السعودية على قائمة «اليونسكو» (واس)

السعودية تحقق هدف 2030 بإدراج 8 مواقع في لائحة «اليونسكو»

نجحت السعودية في إدراج ثامن موقع تراثي بالمملكة على قائمة «اليونسكو»، بعد إدراج منطقة «الفاو» الأثرية (جنوب منطقة الرياض)، أمس، وذلك خلال اجتماعات لجنة التراث.

جبير الأنصاري (الرياض)
الاقتصاد جانب من مراسم توقيع العقد (الشرق الأوسط)

«الدرعية» السعودية تبرم عقداً بملياري دولار لبناء 4 فنادق ومركز للفروسية

وقعت مجموعة «الدرعية» السعودية، المملوكة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، الأربعاء، عقد بناء مع شركتي «أورباكون» و«البواني القابضة»، بلغت قيمته 8 مليارات ريال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق البرنامج يقدم تجربة استثنائية لزوّار صيف السعودية (واس)

السعودية تعزز سياحتها الساحلية ببرنامج تدريبي على متن الكروز الأوروبي

أطلقت وزارة السياحة السعودية برنامج تدريب نوعياً على متن الكروز الأوروبي بالتعاون مع الهيئة السعودية للبحر الأحمر؛ لتعزيز جودة خدمات السياحة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سفر وسياحة احتلت ميلانو المرتبة رقم 13 في مؤشر مدن الوجهات العالمية لعام 2023 (الشرق الأوسط)

ميلانو ترى أهمية التوأمة السياحية مع الرياض والاستثمار في التشابه الثقافي والحضاري

التشابه بين البلدين والقوة الاقتصادية يعززان فكرة توأمة ميلانو مع الرياض.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
سفر وسياحة قصور تاريخية تحتفظ بإرث عمره نحو قرنين (واس) play-circle 01:26

قصور أبو سراح في عسير... ما شهد الإغلاق تحوَّل مقصداً لعشاق التاريخ

هذا الموقع التاريخي كان مغلقاً قبل 4 سنوات فقط، لكنه عاد إلى الحياة من جديد ليصبح اليوم وُجهة سياحية واعدة يقصدها نحو 3 آلاف زائر يومياً.

عمر البدوي (أبها)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.