أكثر من 700 محاولة هروب من مخيّم الهول السوري

بمبالغ مالية وشبكة أنفاق... نساء يتحدثن عن تفاصيل عمليات تهريب البشر من مركز إيواء أسر «داعش»

مخيم الهول بمحافظة الحسكة شرق سوريا يشهد محاولات تهريب نساء «داعشيات» (الشرق الأوسط)
مخيم الهول بمحافظة الحسكة شرق سوريا يشهد محاولات تهريب نساء «داعشيات» (الشرق الأوسط)
TT

أكثر من 700 محاولة هروب من مخيّم الهول السوري

مخيم الهول بمحافظة الحسكة شرق سوريا يشهد محاولات تهريب نساء «داعشيات» (الشرق الأوسط)
مخيم الهول بمحافظة الحسكة شرق سوريا يشهد محاولات تهريب نساء «داعشيات» (الشرق الأوسط)

روت ثلاث سيدات «داعشيات» من النمسا وروسيا وداغستان كيف حاولن الهروب من مخيم الهول، بمحافظة الحسكة (شرق سوريا)، عبر شبكة أنفاق وبمبالغ مالية طائلة. وجاءت محاولاتهن في ظل ارتفاع عمليات القتل ومعدلات الجريمة في هذا المخيم الذي يؤوي ما لا يقل عن 60 ألف شخص بينهم أفراد أسر مقاتلين من تنظيم «داعش». وتقول أجهزة الأمن في المخيم إنها أحبطت أو وثّقت منذ مارس (آذار) 2020 قرابة 700 محاولة هروب لأسر «داعشية» من المخيم.
وتحدثت النساء الثلاث اللواتي كن متشحات بالسواد ومنتقبات لا يظهر منهنّ شيء سوى عيون حائرة ونظرة تشاؤمية، عن وجود شبكات لتهريب البشر يتم التواصل معها عبر برامج للاتصالات ومنصات التواصل الاجتماعي، على أن تكون محافظة إدلب أو مناطق أخرى في شمال سوريا خاضعة للنفوذ التركي أول محطة بعد نجاح عملية التهريب من المخيم. وبعد ذلك، تتولى الشبكات نقل من يتم تهريبهم من الهول إلى داخل الأراضي التركية ومنها إلى مواطنهم الأصلية، وهو أمر يتم غالباً لقاء دفع مبالغ مالية طائلة.
بعد سفر زوجها إلى سوريا، أكثر بلدان الشرق الأوسط سخونة، أوائل 2014، تغيّرت حياة النمساوية «حفصة» رأساً على عقب. فقد كانت متزوجة من مواطن من أبناء بلدها يدعى «تشيراك»، التحقت به في سوريا بعد سنة من زواجهما وعاشا في مناطق سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي. وفي أثناء حديثها، بالكاد كانت تتذكر أسماء المدن والبلدات التي عاشت فيها خلال 4 سنوات من التنقل في سوريا، مشيرةً إلى مقتل زوجها في معارك التنظيم بعد مرور عامين على زواجهما، مضيفةً أنه كان خلال هذه الفترة قد تزوج بامرأة ثانية تحمل الجنسية الألمانية. وبعد القضاء على سيطرة التنظيم الجغرافية والعسكرية في بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي ربيع 2019 نُقلت إلى مخيم الهول في شرق سوريا.
وقالت «حفصة» إنه بعد تكرار حوادث الهروب والقتل في هذا المخيم حاولت الهرب بدورها، لكن محاولتها فشلت. وفي بداية حديثها، قالت هذه المرأة إنها من مواليد غراتس وهي ثانية كبرى المدن النمساوية بعد العاصمة فيينا، وتبلغ من العمر 27 سنة وهي من أصول تونسية.
وعن تفاصيل محاولتها الهروب، كشفت «حفصة» أن «سيدة جهادية»، كما وصفتها، تواصلت معها على رقم هاتفها المحمول وبعثت لها برسالة عبر برنامج «واتساب». وقالت: «بدايةً استغربت كثيراً كيف عثرت على رقمي وكيف تعرف أنني أحاول الهروب. طرحت الكثير من الأسئلة عليها. أجابتني بأنه بعد الهروب ستجيب عن كل شيء». وأشارت إلى أن هذه السيدة كانت تتحدث معها سراً بلغة عربية فصحى لدرجة أنها لم تتمكن من معرفة هوية البلد الذي تتحدر منه. وتابعت: «لم تطلب مني أي مبلغ مالي، أعطتني بعض الأسماء والأرقام وطلبت مني التواصل معهم. وبالفعل تواصلت مع شخص التقيته عند نقطة محددة، وذهبنا عبر نفق طويل إلى سور المخيم الخارجي». وزادت أنها اكتشفت فيما بعد أنه يعمل لقوى الأمن (التي يديرها الأكراد في المخيم)، مشيرة إلى اعتقالها بصحبة 3 نساء أخريات كن يحاولن أيضاً الفرار من مخيم الهول. وتابع: «أخذونا للتحقيق وتعرضنا للتوقيف لكن أُخلي سبيلنا فيما بعد».
أما «راية» المتحدرة من داغستان، وعمرها 28 سنة، فقالت إنها سافرت من بلادها إلى إسطنبول بداية عام 2015، وكانت آنذاك عمرها 22 عاماً. ومن هناك، تواصلت «راية» مع موالين لتنظيم «داعش» عبر منصات التواصل الاجتماعي، فطُلب منها السفر إلى مدينة أضنة التركية، حيث تواصلت مع مهربي بشر ومنها قصدت المناطق الحدودية مع سوريا ودخلت عبر بوابة تل أبيض التابعة لمدينة الرقة. قصدت في البداية بلدة جرابلس (محافظة حلب)، ثم توجهت مع آخرين إلى الطبقة والرقة. وبعد تحرير الرقة من «داعش» عام 2017 هربت مع موالين للتنظيم وقصدوا مدن وبلدات الريف الشرقي لمحافظة دير الزور. وكانوا كلما طُرد «داعش» من منطقة يذهبون إلى جهة ثانية.
انتهى المطاف بـ«راية» مع أرامل أخريات من التنظيم في بلدة الباغوز، آخر معقل لـ«داعش» في سوريا. وبعد استسلامهم عام 2019 خرجوا إلى مخيم الهول. وكشفت «راية» أن شبكة تهريب للبشر موالية للتنظيم تواصلت معها وهي في المخيم من روسيا، وقالت لها إن الشبكة ستدفع أموالاً لمهربين محليين يعملون سائقين لدى منظمات دولية. وأوضحت: «قالوا لنا إنه سيتم نقلنا من المخيم إلى مدينة إدلب السورية، ومنها سيتم نقلنا لتركيا ثم السفر إلى روسيا». وأضافت أن عناصر هذه الشبكة زوّدوها ببضعة أسماء وأرقام للاتصال بها، موضحة: «في إحدى الليالي، قرابة الساعة الأولى بعد منتصف الليل، ذهبت للنقطة (المتفق عليها للقاء) وهناك دخلنا نفقاً ومشينا ربع ساعة حتى خرجنا من فتحة ثانية. لكن يبدو أن حركتنا كشفت أمرنا، فقُبض علينا وأخذونا للاستجواب».
أما الروسية «نوريانا» فتقول إنها تنقلت بين مدن وبلدات سورية عدة حفظتها واحدة تلو الأخرى مع تواريخ السكن، وبعد مقتل زوجها الروسي في غارة جوية هربت مع أطفالها إلى العراق لكنهم عادوا إلى سوريا أواخر 2018 جراء القصف العنيف لطيران التحالف الدولي هناك. وانتهى بها المطاف في بلدة الباغوز بريف دير الزور. وبعد استسلام «داعش» في هذه البلدة، أُخرجت لمخيم الهول الذي تعيش فيه منذ عامين و10 أشهر.
وعن قصة هروبها، تقول «نوريانا» إنها اشترت هاتفاً من سوق المخيم بمبلغ كبير مع شريحة إنترنت وأدخلته سراً إلى خيمتها. وأضافت: «بدأت بالتواصل مع أهلي وكنت أستفسر من الجارات وأخوات وصديقات عن طرق الهروب. وبالفعل تواصل معي شخص قال إنه عراقي سيساعدني للهروب». وأعطى هذا الشخص، المجهول الهوية، حيثيات عملية التهريب وحدد التوقيت والزمان والمكان: «ذهبت إلى النقطة (المحددة) وبعد لحظات داهمت قوة كبيرة من عناصر الأمن المكان وألقوا القبض علينا. لا أعرف كيف افتضح الأمر، ولا أعرف أسماء الأشخاص الذين تواصلوا معي. استخدموا أسماء وهمية وألقاباً».
وأعلنت قوى الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية في مخيم الهول القبض على شبكات تهريب البشر بينهم نساء «داعشيات» بتهم تشكيل «خلايا نائمة إرهابية وتهريب البشر»، وبعد تنفيذ عمليات أمنية شملت عدة أقسام، قبضت قوات الأمن على «قياديات» في «داعش» وأحالتهن إلى مراكز التحقيق. وتشتبه أجهزة الأمن في أن النساء «الداعشيات» تلعبن دور الوسيط مع خلايا نائمة للتنظيم في عمليات التهريب من المخيم وتقديم يد العون لعوائل مسلحي التنظيم المتطرف.
وتكررت في الشهور الماضية حوادث الهروب من المخيم الواقع على بُعد 45 كيلومتراً شرق مدينة الحسكة. وكشف المتحدث باسم قوى الأمن الداخلي، علي الحسن، أن محاولات الفرار التي تم إحباطها وتوثيقها منذ مارس 2020 وصلت إلى قرابة 700 محاولة «حاولت فيها أسر (داعشية) من جنسيات مختلفة الهروب من المخيم للوصول إلى تركيا ثم إلى بلدانها الأصلية، حسبما كشفت التحقيقات». ولفت إلى أن جهاز أمن المخيم زاد نقاط المراقبة والتفتيش وتسيير دوريات حول المخيم ومداخله ومخارجه. وزاد أن «مساحة المخيم كبيرة للغاية، وهو محاط بأرض صحراوية وعرة. قمنا بزيادة نقاط المراقبة ومخافر الحراسة. ودورياتنا تجول ليل نهار طوال 24 ساعة داخل المخيم وخارجه».
ويؤوي مخيم الهول القريب من الحدود العراقية 60 ألف شخص، يشكّل السوريون والعراقيون النسبة الكبرى من تعداد قاطنيه. كما يضم قسماً خاصاً بالنساء الأجنبيات «المهاجرات» وأطفالهن، وهم يتحدرون من نحو 50 دولة غربية وعربية. ويبلغ عددهم نحو 11 ألف سيدة وطفل (بينهم 3177 امرأة). ويخضع هذا القسم لحراسة أمنية مشددة، كما يمنع الخروج والدخول إلا بإذن خطّي من إدارة المخيم.


مقالات ذات صلة

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي صورة نشرها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» لعناصر من الميليشيات الإيرانية

الحساسيات العشائرية السورية تهدد النفوذ الإيراني في البوكمال

تفجر التوتر في البوكمال في وقت تعمل فيه إيران على إعادة تموضع ميليشياتها في سوريا على خلفية الاستهداف الإسرائيلي لمواقعها داخل الأراضي السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية ديفيد كاردين يتفقد مشروع معالجة مياه الصرف الصحي في قرية بحورة بمحافظة إدلب السورية يوم 14 مايو الماضي (أ.ب)

منسق الأمم المتحدة يطلق «استراتيجية التعافي المبكر» في سوريا

قال المنسق الأممي بدمشق إن «خطة التعافي» تغطي كل المحافظات السورية، وتشمل قطاعات الصحة والتعليم ومياه الشرب والصرف الصحي، و«من دون الكهرباء لا يمكن إنجاز شيء».

«الشرق الأوسط» (دمشق )
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

تشاد تنفي استهداف مدنيين خلال عملية ضد «بوكو حرام»

نفت الحكومة التشادية «بشدة» استهداف مدنيين خلال عمليتها ضد جماعة «بوكو حرام» في حوض بحيرة تشاد

«الشرق الأوسط» (نجامينا)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.